"ثعالب بريكست"... لأفضل خروج من الاتحاد الأوروبي

16 أكتوبر 2016
ماي تصر على مواجهة الشروط الأوروبية لـ"الخروج"(جاك تايلور/Getty)
+ الخط -
تواجه رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، موجات متتالية من التحديات على طريق "الخروج" من الاتحاد الأوروبي. وتبدأ التحديات بالتهديد والوعيد من قبل قادة الاتحاد في بروكسل، وتصل إلى حد تلويح اسكتلندا باستفتاء ثانٍ للخروج من المملكة المتحدة، مروراً بتحديات دستورية لمنع الحكومة من المباشرة في إجراءات "الخروج" من دون تفويض من نواب الشعب. وأدلى رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، بتصريح قد يكون قصد من خلاله ترهيب بريطانيا أو رمي حبل نجاة لماي. إذ قال، الخميس الماضي، إن بريطانيا قد تغيّر رأيها في نهاية المطاف، وتفضّل البقاء في الاتحاد الأوروبي، على مواجهة "خروج شاق". لكن رد الزعيمة البريطانية، التي شبّهها البعض بالمرأة الحديدية، مارغريت تاتشر، لم يتأخر. وأكدت متحدثة باسمها أن "بريطانيا ملتزمة بالخروج من الاتحاد الأوروبي، فقد اتخذ الشعب قراره وسنمضي قدماً في هذا الشأن بإخراج المملكة المتحدة من الاتحاد وتحقيق أكبر استفادة من الفرص المقبلة".

ولا يتوقف إصرار ماي على مواجهة التهديدات الأوروبية، وما يروجه المشككون بشأن جدية قرار "الخروج"، عند الكلمات والتصريحات. وتؤكد رئيسة الوزراء البريطانية أنها جادة فعلاً بـ"احترام الإرادة الشعبية" حتى لو كلف ذلك "طلاقاً تاماً" مع المجموعة الأوروبية. وتمثل إصرار ماي أولاً في الإعلان رسمياً عن موعد محدد لتفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة (التي تنظم عملية خروج أي دولة من الدول الأعضاء من الاتحاد الأوروبي)، والشروع في مفاوضات "الخروج" قبل نهاية مارس/ آذار 2017، وفق ما صرحت أخيراً. ثم تأكد إصرار ماي على "الخروج" من خلال تعهدها، في حديث مع صحيفة "صنداي تايمز"، بأن "تجعل بريطانيا دولة ذات سيادة ومستقلة"، وذلك عبر إلغاء قانون 1972، المعروف بـ"قانون المجموعة الأوروبية" الذي أقره برلمان المملكة المتحدة آنذاك، والذي انضمت بموجبه للاتحاد الأوروبي. وقد حدد القانون طبيعة العلاقة بين المملكة والاتحاد وفقاً لما تمليه مصلحة بريطانيا، من ضبط لحرية تنقل الأفراد من أوروبا إلى بريطانيا، والسيطرة على حدودها.

وتواجه رئيسة الوزراء البريطانية الخطاب الأوروبي المتشدد، بإجراء عملي آخر، يعكس مدى استعدادها لمفاوضات "خروج صعب"، ستتولى إنجازه لجنة وزارية خاصة يحضر فيها "صقور بريكست": وزير الخارجية، بوريس جونسون، ووزير "بريكست" ديفيد ديفيس، ووزير التجارة الدولية، ليام فوكس.


وتأمل ماي بأن ينجح "ثعالب بريكست"، على حد وصف زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، تيم فارون، في تحقيق "أفضل اتفاقية" تُمكّن بريطانيا من البقاء في السوق الأوروبية الموحدة، بلا تقديم تنازلات في ملف فتح حدودها أمام حرية تنقل الأفراد الأوروبيين للإقامة والعمل في أراضيها. وهي المهمة التي لا تبدو سهلة مع إصرار المسؤولين الأوروبيين على أنه "لا يمكن أن يتحقق لبريطانيا الوصول الكامل إلى السوق الموحدة، دون الالتزام بحريات التنقل الأربع: الأفراد، والخدمات، والسلع، ورؤوس الأموال". وتتمسك الحكومات الـ27 في الاتحاد الأوروبي بالحريات الأربع للاتحاد، كحزمة لا تنفصل، كما يُردد رئيس البرلمان الأوروبي، مارتن شولتز. في هذا الصدد، تؤكد المفوضية الأوروبية أن "أي اتفاق لن يُتيح لبريطانيا دخول السوق الأوروبية الموحدة، إلا إذا قبلت لندن استمرار حرية حركة المواطنين الأوروبيين عبر الحدود". وفي هذا السياق، اعتبر فارون أن تفويض ماي ملف التفاوض مع الاتحاد لـ"ثعالب بريكست"، يشكل علامة أخرى على أن الحكومة تريد "إخراجنا بطريقة أكثر عدوانية، عنوانها الخروج التام من السوق الأوروبية الموحدة".

ويأتي موقف ماي المواجه للتشدد الأوروبي، متزامناً مع تحديات داخلية أخرى. إذ بدأت محكمة لندن العليا، الخميس الماضي، النظر في قضية تطعن في صلاحيات رئيسة الوزراء لبدء عملية خروج بريطانيا من الاتحاد من دون تصويت في البرلمان. وقد تفرض القضية في حال نجاحها تأخير عملية "بريكست" عن الموعد الذي التزمت به ماي. وفي رضوخ براغماتي أمام التحدي الدستوري، قبلت ماي عرض خطتها للخروج من الاتحاد الأوروبي على البرلمان قبل البدء رسمياً بعملية الانفصال، من دون أن يصل ذلك إلى حد السماح بتصويت برلماني قد يقوض نتيجة الاستفتاء، أو قد يؤدي إلى المساس بالتفويض "الملكي" للحكومة في تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة، على حد تعبير ماي.

أما التحدي الآخر الذي تواجهه رئيسة الحكومة البريطانية، فقد أشهرته مجدداً اسكتلندا عندما أعلنت رئيسة حكومتها، نيكولا ستيرجن، الخميس الماضي، أنها ستبدأ الأسبوع المقبل مشاورات لعرض مشروع قانون لإجراء استفتاء ثانٍ على استقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة. وقالت خلال مؤتمر للحزب القومي الاسكتلندي الذي تتزعمه، إن "من حق اسكتلندا أن تتخذ لنفسها طريقاً مغايراً، إذا لم تتمكن من الدفاع عن مصالحها في إطار المملكة المتحدة".

وكررت ستيرجن مراراً منذ شهر يونيو/ حزيران الماضي، أن مصلحة اسكتلندا تتحقق بالبقاء في الاتحاد الأوروبي، وهو ما ترجمه تصويت 62 في المائة من الاسكتلنديين في استفتاء "بريكست" لصالح خيار "البقاء". وبالإصرار ذاته الذي تواجه به الشروط الأوروبية، والتحديات الدستورية، استبقت رئيسة الوزراء البريطانية النوايا الانفصالية الاسكتلندية، بالإشارة في خطابها الشهر الماضي، في مؤتمر حزب المحافظين، إلى أنها "لن تسمح للتيارات القومية التي تثير الانقسام، أن تؤثر على وحدة المملكة المتحدة"، وهو ما اعتبر تحذيراً مباشراً لحكومة اسكتلندا والحزب القومي فيها.
المساهمون