رواية أميركية عن تفاصيل مكالمة ترامب وأردوغان الأخيرة قبل قرار سحب القوات

08 أكتوبر 2019
الاتصال الذي جرى الأحد بدأ إيجابياً (برندان سميالوفسكي/فرانس برس)
+ الخط -
نقلت مجلة "نيوزويك" الأميركية، الإثنين، عن مصدر في مجلس الأمن القومي سرده تفاصيل مكالمة هاتفية مجدولة، حصلت بعد ظهر الأحد بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب، والتركي رجب طيب أردوغان، قال فيها ترامب إنه سيسحب القوات الأميركية من شمال سورية. وقال المسؤول إن ترامب تم "التلاعب" به من قبل أردوغان.

وأوضحت المجلة أنّ المكالمة تمّت جدولتها بعدما أعلنت تركيا أنها تخطّط لاجتياح سورية، وبعد ساعات على تعزيز أردوغان وحداته العسكرية عند الحدود السورية-التركية، وإصداره تهديده الأقوى بشنّ هجوم عسكري، وفقاً للمسؤول الذي تحدّث شرط عدم الكشف عن اسمه. ونقلت عن مسؤولين في البنتاغون قولهم إنّ الانسحاب الأميركي يصبّ في مصلحة تنظيم "داعش"، وسورية، وموسكو، مشيرين إلى أنّ إعلان ترامب هذا ترك وزارة دفاعه مذهولة تماماً.

ويقول مصدر مجلس الأمن القومي لـ"نيوزويك" إن ترامب كان بالتأكيد خارج التفاوض، وأيّد فقط سحب القوات لجعل الأمر يبدو وكأننا نحقّق شيئاً – لكننا لا نحقّق شيئاً، لافتاً إلى أن الأمن القومي الأميركي دخل في حالة من الخطر المتزايد لعقود قادمة لأنّ الرئيس لا يملك قوة شخصية، وهذا هو بيت القصيد. ولم يستبعد المصدر رؤية توغل تركي بين الساعات الـ24 والـ96 المقبلة.
ويضيف المصدر، المطلع مباشرة على المكالمة الهاتفية، أنّ ترامب لم يجز أية عملية عسكرية تركية ضد القوات الكردية، لكنه لم يهدّد أيضاً خلال الاتصال، تركيا بعقوبات اقتصادية إذا قرّرت البدء بعمليات هجومية.


وتتعلّق إحدى القضايا الرئيسية في الاتصال بين الزعيمين، بما يقرب من ألفَي سجين من مقاتلي تنظيم "داعش" الذين تحتجزهم القوات الكردية في شمال شرق سورية، والذين يدعمهم الجيش الأميركي مادياً.
وأبلغ ترامب أردوغان أنه لا يريد أية علاقة بسجناء "داعش"، على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تحتجز حالياً سجناء للتنظيم. وقال أردوغان من ناحيته إن تركيا ستتولّى حجز مقاتلي "داعش" المتشددين، وفق ما أكده بيان للبيت الأبيض، والمسؤول في مجلس الأمن القومي.

وقال المسؤول إنّ بعض سجناء "داعش" سيتمّ إطلاق سراحهم في نهاية المطاف، في ظلّ الفوضى، وسيبقون في المنطقة أو يذهبون إلى مكان آخر للالتحاق بالقتال. ورأى أنّه لو رفضت الولايات المتحدة الخروج من مسار الحرب التركي، فإنّ الخيارات الأميركية لن تكون مجرد التهديد بحدوث صراع محتمل بين جيوش الدولة القومية فحسب، بل كان بإمكانها الضغط على الاقتصاد التركي. ومع ذلك، قرّرت الولايات المتحدة عدم البقاء على موقفها بحماية الوحدات الكردية بوجه الضربات الجوية التركية، كجزء من سياسة "أميركا أولاً" التي يتبعها ترامب، وآرائه التاريخية بأنّ الحرب سيئة بالنسبة للأعمال.

ويرى المسؤول أنّه لو لم يحصل انسحاب القوات الأميركية، لكان بإمكان الولايات المتحدة مواصلة تحسين المنطقة الآمنة على الحدود السورية – التركية. وأشار إلى أنّه سيكون من الأفضل للولايات المتحدة دعم دولة كردية في أنحاء تركيا وسورية والعراق، قائلاً: "ستكون إسرائيل أخرى في المنطقة". وختم المسؤول حديثه بالقول: "نقول للعالم إننا سنستغلكم ثمّ نقوم برميكم".

تدهور العلاقات الأميركية التركية

من جهتها، تحدّثت قناة "الحرة" عن أنّ الاتصال الهاتفي الذي جرى الأحد بين ترامب وأردوغان بدأ إيجابياً، لكنه انتهى بطريقة غير متوقعة وبشكل سلبي زاد العلاقة بين واشنطن وأنقرة سوءاً. ولفتت إلى أنه قبل أن يروي مسؤول كبير في الخارجية الأميركية لبعض وسائل الإعلام، ومن بينها "الحرة"، تفاصيل الاتصال الهاتفي بين الزعيمين، استعرض الأجواء التي سبقت المكالمة. وقال إن الاتصال جاء في وقت كان فيه العمل جارياً بين الولايات المتحدة وتركيا على تطبيق المنطقة الآمنة على الحدود السورية التركية والتي كانت تسير على ما يرام.
وأضاف أن "هذه الآلية قامت على تسوية بين "قوات سورية الديمقراطية" والولايات المتحدة وتركيا، وكنا نعتبر أنها تلبي حاجات الأتراك".
ويعود المسؤول الأميركي إلى مضمون الحوار بين ترامب وأردوغان، وقال إنهما تطرقا إلى حلول معينة تتعلق بصفقة صواريخ "أس 400" الروسية التي تسلمتها تركيا، كما تطرق الحوار إلى قضية طائرات أف 35 الأميركية، التي علّقت الولايات المتحدة عضوية تركيا في برنامجها، وأوقفت تسليمها لأنقرة، إضافة إلى أمور قضائية وإمكانية الوصول إلى اتفاق تجاري بين البلدين يصل إلى مئة مليار دولار أميركي.
وأوضح المسؤول أنه بعد نقاش إيجابي لتلك القضايا، أثار أردوغان "مسألة الدخول إلى شمال شرق سورية وادعى أن آلية المنطقة الآمنة التي وضعناها ونطبقها لا تلبي حاجاته ومطالبه، وأنه يريد أن يقوم بعملية أحادية الجانب لم يحدّد تفاصيلها، لكنه أوضح أنه يريد دعماً أميركياً لها".
وهنا قال المسؤول الأميركي إن أردوغان سمع من ترامب ما لم يكن يتوقعه، حيث أجابه الرئيس الأميركي بالتأكيد أن الولايات المتحدة لن تدعم مثل هذه العملية شكلاً أو مضموناً، وأنها فكرة سيئة جداً، وأنها لن توفر أمناً أفضل لتركيا وأبناء المنطقة في القتال مع "داعش". وأشار إلى أن هذا الجواب فاجأ أردوغان، لأنه كان يعتبر أن هناك سبيلاً لإقناع ترامب بتقديم الدعم لوجهة نظره.
ولفت المسؤول إلى التباين الوارد في بيانَي البيت الأبيض والرئاسة التركية حول مضمون الاتصال.
وأوضح أن الرئاسة التركية أوردت أن أردوغان تلقى دعوة لزيارة واشنطن و"هذا صحيح"، غير أن بيان البيت الأبيض لم يلحظ مثل هذه الدعوة بعد انتهاء المكالمة. وهذا يعني أن الدعوة وجهت خلال الجزء الإيجابي من الحوار، إلا أنها سحبت بعد انتهاء المكالمة.


وأشار المسؤول الأميركي إلى أن ما قامت به الإدارة الأميركية بعد المكالمة في شمال شرق سورية، هو سحب أفراد من القوات الأميركية من مواقع على الحدود التركية "لعدم توجيه رسالة بأن قواتنا تدعم العملية العسكرية التركية، وفي نفس الوقت لا نريد أن تبقى هذه القوات هناك لتظهر وكأنها باقية لمنع الأتراك من التحرك باتجاه الداخل السوري".
ووصف هذا القرار بالتكتيكي، وبأنه كان يمكن اتخاذه على مستوى القيادات العسكرية الوسطى لكنه اتخذ على المستوى الرئاسي.
وأشار المسؤول إلى أن "ليس هناك أي تغيير في وجودنا العسكري في شمال شرق سورية ونقوم بمراجعة وجودنا العسكري، كما نراجع موقفنا السياسي".

ويبدو أن الخطوات الأميركية فاجأت الجانب التركي، الذي كان يتوقع دعماً عسكرياً أميركياً للعملية العسكرية التركية، وفق المسؤول الأميركي، الذي قال إن "موقف الرئيس التركي أردوغان يوم الإثنين كان منضبطاً أكثر مما كان عليه من قبل".
ومضى المسؤول في الحديث عن الخطوات المقبلة، وقال "إن الإدارة الأميركية تراجع الوضع لمعرفة ماذا سيحصل في المستقبل"، مضيفاً: "لدينا مؤشرات عدة تشير إلى أن الأتراك جاهزون عملياً للقيام بعملية عسكرية ولكن لا نعرف متى ستبدأ. ربما لن تحصل ولكن هناك احتمالات كبيرة أنها ستحصل ولا نعرف ما إذا ستكون عملية صغيرة أو كبيرة".
وفي خطوة لها دلالاتها العسكرية ورسائلها السلبية بالنسبة لتركيا، أعلن المسؤول الكبير في الخارجية الأميركية أن واشنطن أغلقت الأجواء أمام تركيا في شمال شرق سورية. وأردف: "نحن الآن نسيطر على هذه الأجواء، وليست لدينا أي نوايا في تغيير ذلك في المستقبل القريب، وسنكون حريصين ونشطين في تطبيق سيطرتنا على هذه الأجواء من أجل حماية أفرادنا وقواتنا".
واختتم المسؤول الأميركي تصريحاته بالقول إن هدف الاتصال مع أردوغان كان دفعه إلى التركيز على تطوير العلاقات وتطبيق المنطقة الآمنة لمعالجة مخاوفه الأمنية، إلا أنه قرر أن يقوم بالعملية بمفرده.
وقال إن "على أردوغان أن يستوعب المعلومات الجديدة بأن الولايات المتحدة لا تدعم توغله العسكري في شمال شرق سورية، ولن يكون هناك أي دعم من المجتمع الدولي... ولا نعرف ماذا سيفعل".