احتجاجات بجاية والبويرة: تكريس الضعف الحكومي الجزائري؟

06 يناير 2017
حديث عن عجز أجهزة الأمن عن استباق الأحداث(بشير رمزي/الأناضول)
+ الخط -


بدت الحكومة الجزائرية في حالة إرباك إزاء أحداث العنف والتخريب وإضراب التجار في ولايتي بجاية والبويرة وضواحي العاصمة الجزائرية، وألقت بكامل الحمل على القوى السياسية والمدنية للتغطية على ما بدا عجزاً سياسياً من قِبلها، وعلى أجهزة الأمن في الميدان لملاحقة من تصفهم بالمخربين.
وعاد الهدوء إلى بجاية والبويرة أمس الخميس وفق وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، التي أشارت إلى أن "الحياة عادت إلى مجراها الطبيعي، وتم فتح كل المحلات التجارية منذ الساعات الأولى باستثناء بعض التجار الذين قرروا مواصلة الإضراب الذي كانت نسبة الاستجابة له ضعيفة محلياً". ونقلت الوكالة عن أحد تجار ولاية البويرة قوله: "لقد استأنفنا نشاطنا بعد إضراب دام ثلاثة أيام... أتمنى أن تكون الدولة قد أصغت إلينا". ولفت إلى أن المجتمع المدني قام بعمليات تهدئة، خصوصاً من قبل أئمة وأعيان محليين دعوا الشباب إلى التعقل والحكمة. كما أكد وزير المالية الجزائري بابا حاجي عمي، في تصريحات للصحافيين في مجلس النواب أمس، أن "الوضع صار الآن هادئاً ولا داعي لإعادة فتح ملف الاحتجاجات".
وتحاشت السلطات الجزائرية إثارة أي نقاش سياسي حول الأحداث الأخيرة، وتعمّدت تجاهلها على الصعيد الرسمي، إذ تجاهلت القنوات التلفزيونية والإذاعية الحكومية التفاعل مع هذه الأحداث، عدا ما يصدر من بيانات رسمية لم تكن في الواقع سوى بيان واحد عن مصالح الأمن أعلنت فيه "اعتقال 39 مخرباً". وفضّلت السلطات الجزائرية ترك الساحة أمام الأحزاب والمنظمات المدنية للتفاعل مع الحدث من باب الدعوة إلى الهدوء ونبذ الفتنة، كما دفعت شيوخ المناطق والمؤسسات الدينية إلى إطلاق فتاوى وتصريحات وصل بعضها حد تحريم الخروج في التظاهرات.
تبدو سياسة "ترك المجتمع الناعم في مواجهة المجتمع الغضب" تلك، مقصودة من قِبل السلطة في الجزائر التي ما زالت تستثمر في مخاوف الشارع من العودة إلى مربع الأزمة الأمنية التي شهدتها البلاد في التسعينات، لكن كثيراً من التحليلات والقراءات تؤكد أن السلطة في الجزائر، ما زالت تحاول تجنّب أية مواجهة محتملة مع الشارع وتأجليها إلى أبعد حد ممكن، خصوصاً في منطقة القبائل (بجاية والبويرة وتيزي وزو)، وهي منطقة ما زالت علاقتها بالسلطة بالغة الحساسية والتعقيد ومشحونة بماض أليم. إضافة إلى أنها تتحسس منذ فترة وجود توتر وغليان اجتماعي في الشارع الجزائري، ليس فقط بسبب بعض المطالب العمالية المتصاعدة في قطاعات الصحة والتربية والميكانيك والنفط، إضافة إلى الفشل في حل مشكلات السكن والبطالة وارتفاع الأسعار، ودخول البلاد في دوامة أزمة النفط منذ نهاية عام 2014، وتدني مداخيل البلاد وتقلص احتياطات الصرف في الخزينة، ولكن أيضاً بسبب الإخفاق في السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي انتهجتها حكومات الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة منذ 15 عاماً، وتزايد الظلم الاجتماعي وقضايا الفساد بشكل فاضح، والشعور بالتهميش المناطقي، خصوصاً في مناطق الجنوب التي تحفل بثروات النفط من دون أن تعود عليها هذه الثروات بمستويات مقبولة من التنمية. هذه العوامل كلها تفسر الارتباك السياسي الذي يحاصر الحكومة الجزائرية في الفترة الأخيرة، وفي تعاطيها مع أحداث بجاية.


لكن ارتباك الحكومة الجزائرية سبق أحداث بجاية بقليل، وبدا أن مؤشر تعامل الحكومة مع المطالب الاجتماعية بدأ يميل إلى الليونة بدلاً من الحل الأمني الذي كانت تنتهجه في وقت سابق، وبدت يد الحكومة ترتعش أكثر من ذي قبل. فقبل أشهر خضعت الحكومة لمطالب الآلاف من الأستاذة المتعاقدين الذين خرجوا في مسيرة غير مسبوقة واعتصموا لأيام في منطقة بومرداس على تخوم العاصمة الجزائرية في أبريل/نيسان الماضي، واستجابت لمطالبهم بعد فترة من التعنّت. وفي فترة لاحقة، اضطرت الحكومة للخضوع لمطالب نقابات الصحة والتربية والموظفين، بإلغاء بند من قانون العمل يلغي الحق في التقاعد النسبي، بعد فترة من التشدد في الموقف ومحاولة كسر حراك النقابات التي خرجت إلى الشارع. وقبل أسبوعين سارعت الحكومة إلى إلغاء قرار بتقليص فترة العطلة الشتوية لتلاميذ المدارس، بمجرد خروج التلاميذ إلى الشارع للاحتجاج، وبررت وزيرة التربية الجزائرية نورية بن غبريت هذا التراجع بأولوية أمن واستقرار البلاد، وذكرت أن هناك أطرافاً داخلية وخارجية كانت تعتزم استغلال حراك التلاميذ لإثارة الفوضى.
اللافت أن تصريح وزيرة التربية إزاء التحركات الاحتجاجية للتلاميذ نهاية الشهر الماضي، هو نفسه الذي اعتمده وزير الداخلية الجزائري نور الدين بدوي تعليقاً على الأحداث الراهنة في ولاية بجاية. فقد أشار إلى وجود أطراف داخلية وخارجية وأن أيادي الفتنة تستهدف الجزائر وتقف وراء إثارة الفتنة في بجاية. هذا الكلام السياسي هو نفسه الذي تعتمده مختلف القطاعات الحكومية في الجزائر لوصف أية أحداث أو حراك مطلبي، وهو لا يشير إلى إسقاطات واقعية على أحداث أو حراك اجتماعي يتغذى من استمرار حلقات الأزمات المزمنة التي تحاصر الشباب والأسر في الجزائر، لكنه يكشف عن تراجع كبير في قدرة أجهزة السلطة على تقدير الموقف على الأرض، وعجز أجهزة الأمن عن استباق الأحداث ورصدها. وهو ما أقر به رئيس ديوان الرئاسة أحمد أويحيى، الذي أكد في برنامج تلفزيوني قبل أسبوعين، أن "أجهزة الدولة والرقابة في الجزائر فقدت كثيراً من نشاطها وصارت عاجزة مقارنة مع السابق". وما يعزز تصريحات أويحيى، والحديث عن ارتباك حكومي، سلسلة التصريحات المتناقضة بين عدد من الوزراء في حكومة عبد المالك سلال، وهو ما فتح الباب منذ أسابيع للحديث في الجزائر عن تعديل حكومي يطاول قطاعات وزارية عدة، يبدو أنه أقرب الآن بعد أحداث بجاية.

المساهمون