"مجلس شورى" إدلب ومحيطها: "النصرة" تبحث عن غطاء سياسي

31 مارس 2019
هدف "الهيئة" التماهي مع التغيّرات (عمر حاج قدّور/فرانس برس)
+ الخط -
لا تكاد تتوقف محاولات "هيئة تحرير الشام" بقيادة "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً)، لإيجاد غطاء سياسي لوجودها في الشمال الغربي من سورية، للتماهي مع التغيّرات في المشهد السوري، أمل أن تتمكّن من فرض نفسها لاعباً رئيسياً في معادلات الحل النهائي لمصير محافظة إدلب ومحيطها. آخر تحركات "النصرة" تمثّلت في الدفع قبل أيام باتجاه انتخاب ما يسمى "مجلس شورى" في شمال غربي سورية، الذي يضم محافظة إدلب ومحيطها، قبل أن تعلن "النتائج" أمس السبت، لكن رفض فعاليات سياسية ومدنية الانخراط في مسرحية الانتخابات، يُعقّد مخططات "النصرة".

ويعتبر القائمون على "الانتخابات" أنها "خطوة في اتجاه تشكيل جسم تشريعي في المنطقة يختار حكومة جديدة يشرف عليها ويراقب أداءها"، مؤكدين أن "هيئة تحرير الشام لم تتدخل في سير الانتخابات". لكن مصادر محلية أكدت لـ"العربي الجديد" أن "الانتخابات" جرت "وفق إرادة هيئة تحرير الشام"، مضيفة: "لن تسمح الهيئة بانتخابات نزيهة من المؤكد أنها ستنتج مجلساً يضم شخصيات ترفض بالمطلق وجود مجموعات متطرفة، وهيئات متشددة حرفت الثورة السورية عن مقاصدها، وباتت ذريعة للنظام وحلفائه للفتك في محافظة إدلب".

وبحسب ما أعلنه القائمون على الانتخابات، في مؤتمر صحافي أمس، فإنه تم انتخاب 107 أعضاء في المجلس، من بينهم 55 من المناطق المحررة، و23 من المهجرين (تضم محافظة إدلب ملايين النازحين والمهجرين، وخصوصاً من ريف دمشق وريفي حمص وحماة، ودير الزور)، و29 من العشائر والمخيمات والنقابات. ووفق المشرفين على الانتخابات، فإن المشاركة التي جرت على مرحلتين "شملت كامل المنطقة المحررة"، مشيرين إلى أن المجلس يعقد جلسته في الرابع من الشهر المقبل.

وتعدّ الانتخابات من مخرجات ما يُسمى "المؤتمر العام للثورة السورية"، الذي عُقد بترتيب من "النصرة" في معبر باب الهوى في العاشر من فبراير/ شباط الماضي. وفي هذا الصدد، أكد محمد أبو الصادق أحد أعضاء رئاسة المؤتمر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "انتخابات مجلس الشورى تمت على مرحلتين، الأولى يوم الأربعاء الماضي، واستُكملت المرحلة الثانية يوم الخميس". وأوضح أبو الصادق أن "المجالس المحلية والأعيان والمخاتير في المدن والبلدات في محافظة إدلب ومحيطها اختارت هيئات ناخبة تمثل سكان المحافظة والمهجرين قامت بانتخاب أعضاء المجلس". ووضع الخطوة في إطار "توحيد الجهود وبناء مؤسسات الدولة"، مضيفاً: "كلّف المؤتمر لجنة ناخبة لتأسيس مجلس تشريعي، وسوف يكلف المجلس حكومة جديدة ويراقب عملها". وأشار إلى أن "حكومة الإنقاذ في أيامها الأخيرة"، مضيفاً: "هي (الحكومة) من أول الملفات على طاولة المجلس التشريعي الجديد".



لكن فعاليات مدنية في شمال غربي سورية رفضت الانخراط في الانتخابات، معتبرة الخطوة ناقصة، وإملاءً واضحاً من حكومة الإنقاذ للقوى الثورية في المنطقة. وقالت الفعاليات الثورية في مدينة معرة النعمان، أهم مدن الريف الإدلبي، في بيان "إن المشروع منذ انطلاقه وصولاً إلى مؤتمر باب الهوى الأخير لم يكن جامعاً للمناطق المحررة كافة، وحدث استبعاد لكثير من القوى الثورية". وأشارت إلى "أن هناك غموضاً في آلية اتخاذ القرار في اللجنة الانتخابية المنبثقة عن المؤتمر، وإن توزيع أعداد الممثلين للمناطق والقوى الثورية داخل مجلس الشورى المزمع تشكيله ليس عادلاً"، مضيفة: "نرفض القوالب الجاهزة والقرارات المسبقة المفروضة بطريقة مفاجئة، ومن دون مشاركة وحوار مسبق". كما رفض كل من: مجلس اللطامنة ومجلس مدينة كفرزيتا في ريف حماة الشمالي المشاركة في الانتخابات، إضافة إلى مجالس العديد من البلدات والمدن في ريف إدلب، وهو ما يقلل من أهمية المجلس الجديد، ويطعن في مصداقيته على الأقل في الشارع السوري المعارض.

ولم يسبق أن شهدت المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة و"هيئة تحرير الشام" عمليات انتخاب مجالس أو هيئات مدنية، إذ جرت العادة على تعيين أسماء معينة، وهو ما يفقدها أي أهمية سياسية. ومن الواضح أن "تحرير الشام" تحاول من خلال هذه الانتخابات تسويق نفسها سياسياً، ونفي تهمة التطرف والإقصاء عنها، ولكن من المرجح ألا يحظى المجلس الجديد باعتراف أي من الكيانات السياسية البارزة في الثورة والمعارضة، وفي مقدمتها الائتلاف الوطني السوري. كما أن إعلان الهيئة المشرفة على الانتخابات أنها تخطط للقيام بإجراء مماثل في منطقتي "درع الفرات"، و"غصن الزيتون" في مرحلة لاحقة "في حال تيسرت الأمور"، لتشكيل مجلسين، ليتم دمج المجالس الثلاثة في مجلس واحد يمثل شمال وشمال غربي سورية، لا يُتوقع أن يترجم على أرض الواقع، إذ من غير المرجح أن تتمكّن هذه الهيئة من القيام بانتخابات في المناطق الخارجة عن سيطرة "تحرير الشام" في المنطقتين الخاضعتين للجيش التركي وفصائل المعارضة المرتبطة به.
ويأتي اختيار مجلس شورى الشمال، في خضم تصعيد عسكري كبير من النظام وحلفائه ضد محافظة إدلب، ما يؤكد أن الجانبين التركي والروسي لم يتوصلا بعد إلى تفاهمات تحسم مصير المنطقة، وفق اتفاق سوتشي المبرم بينها في سبتمبر/ أيلول الماضي.

وتعليقاً على ذلك، رأى الباحث في مركز "جسور" للدراسات عبد الوهاب العاصي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "حكومة الإنقاذ" ومن خلفها "هيئة تحرير الشام"، "تحاول من خلال مبادرة تشكيل مجلس الشورى لمقاطعة إدلب، احتواء الإخفاق الذي رافق حكومة الإنقاذ على عدة صعد، إدارية وخدمية وأمنية وتمثيلية، إلى جانب الرغبة في التماهي مع التغيرات السياسية وهو ما عبّر عنه أبو محمد الجولاني (زعيم هيئة تحرير الشام) أخيراً بالإشارة إلى أنّ الحكم في الشمال السوري سوف يوكل إلى جهة مدنية". وأضاف: "مبادرة تشكيل مجلس الشورى تُركّز على جانبين، الأول تجاوز عقدة التمثيل التي لم تستطع حكومة الإنقاذ معالجتها، والثاني الإيحاء بأن قرار السلم والحرب في الشمال يمرّ عبر كيان غير عسكري".
ورأى العاصي أنه "لا يوجد تعويل في هذه المبادرة على قبول الائتلاف الوطني السوري لهذه الخطوات، والبحث معه تفعيل آليات التنسيق والتعاون حول الحكم في مقاطعة إدلب"، مضيفاً: "في الواقع إنّ قبول جهة سياسية لا يكفي لتجاوز المشاكل والعراقيل الحقيقية على الأرض، ودليل ذلك اعتراض عدد من المجالس المحلية في الشمال على مشكلة التمثيل في مجلس الشورى، وقد يؤدي ذلك لاحقاً إلى الدخول في دورة جديدة من إعادة إنتاج القوى المسيطرة وفق الأمر الواقع".


المساهمون