لبنان: نزع فتيل عين الحلوة وصيدا بتسويات مع المطلوبين

25 اغسطس 2016
تتواصل عمليات تسليم الممطلوبين في المخيّم (خليل العلي)
+ الخط -
تعمل الدولة اللبنانية على نزع فتيل التفجير من مخيم عين الحلوة، أكبر مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين الواقع في صيدا (جنوبي لبنان) بصفقات تقوم بها الدولة مع المطلوبين في المخيّم لتسوية أوضاعهم القانونية بعد تسليمهم أنفسهم للأجهزة الأمنية. وفي غضون أربعة أسابيع، بلغ عدد المطلوبين الذين سلّموا أنفسهم للأجهزة اللبنانية 24 مطلوباً، وهم من الجنسية الفلسطينية، واللبنانية، والسورية. وتسلّمت معظم هؤلاء استخبارات الجيش اللبناني التي تقوم بالتنسيق مع القوى والفصائل الفلسطينية، لتباشر التحقيقات معهم وتعيد إطلاق سراح أغلبهم نتيجة التسوية "ولعدم ضلوعهم في أعمال أمنية خطيرة"، بحسب ما يقول مسؤولون فلسطينيون لـ"العربي الجديد".

ففي عين الحلوة يقيم مئات المطلوبين، منذ تسعينيات القرن الماضي، منهم المتّهم بتزعم "مجموعات إرهابية"، وتنفيذ أعمال أمنية والتخطيط لأخرى مصنّفة تحت خانة "الإرهاب"، وآخرون متهمون بالانتماء إلى هذه المجموعات فعلياً أو عقائدياً، بالإضافة إلى قسم أكبر من المطلوبين للقضاء بمذكرات اتهام بإطلاق نار على الجيش أو بالإخلال بالأمن وحمل السلاح. فالبيئة الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية والاكتظاظ السكاني (مائة ألف نسمة في ما يقارب كيلومتراً مربعاً واحداً)، والبطالة (تبلغ سبعين في المائة)، وعوامل كثيرة غيرها، جعلت من المخيم ملاذاً للفارين من وجه العدالة، منهم الإسلاميون المتشددون عقائدياً ومنهم الباحثون عن مورد رزق ولو عن طريق حمل السلاح.

ولعلّ أبرز المطلوبين الذين سلّموا أنفسهم، أخيراً، هم من أنصار الشيخ الموقوف أحمد الأسير، المسؤول عن أحداث عبرا (صيدا، جنوبي لبنان، عام 2013)، وتحديداً القاطنين في منطقة "تعمير عين الحلوة"، أي المنطقة التي تقع على تخوم المخيّم والتي تشهد من وقت لآخر مناوشات بين مسلحين والجيش اللبناني، أو حتى بين المسلحين وفصائل فلسطينية. مع العلم أنه من بين أبرز هؤلاء ابن شقيق مسؤول جبهة النصرة (فتح الشام حالياً) في المخيم، أسامة الشهابي، وشقيق الفنان المعتزل فضل شاكر، محمد شمندور، المطلوب أيضاً في ملف أحداث عبرا.

يقول أحد الضباط الأمنيين لـ"العربي الجديد" إنّ "تسليم أنصار الأسير أنفسهم يعود بالدرجة الأولى لكون الأخير قد تم توقيفه العام الماضي وبات يحاكم أمام القضاء. وثانياً لكونهم وجدوا أفق الاستمرار بالعيش بالتخفي مسدوداً، وفي ذلك جهود تعود إلى الفصائل الفلسطينية نفسها". وفي هذا الإطار، يشير قائد القوة الأمنية الفلسطينية في لبنان اللواء منير المقدح لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "ما يحصل نتيجة طبيعية للاتصالات القائمة، وما هو إلا مقدمة لمزيد من الخطوات التي سنتّخذها لضمان أمن المخيم وأمن الجوار، ولتحصين الوضع الأمني، وذلك بالتنسيق الكامل مع الدولة اللبنانية والتعاون المطلق مع أجهزتها الأمنية".


ويؤكد المقدح أنّ "معظم من سلّموا أنفسهم هم من أنصار الأسير ومن الذين دخلوا التعمير بعد أحداث عبرا"، كما لو أنّ المطلوب أولاً إبعاد شبح التهديد الأمني عن المنطقة الفاصلة بين المخيم وخارجه أولاً، لتعود الجهود وتنصبّ على تفكيك باقي الملفات العالقة في المخيم نفسه. فهذه الموجة الأمنية سبقتها قبل شهر تماماً موجة تحذيرات اجتاحت الإعلام اللبناني من إمكانية وقوع أحداث أمنية في عين الحلوة، ومعلومات تحدثت عن نشاط بعض المجموعات المتشددة فيه لتنفيذ أعمال إرهابية انطلاقاً منه. هذا الأمر دفع بعض المتابعين إلى القول إنّ "التهويل الأمني الذي حصل قبل أسابيع ساهم إلى حدّ كبير في تسريع حركة تسليم المطلوبين لأنفسهم، وذلك من خلال وضع الضغوط عليهم وعلى الفصائل الفلسطينية بغية وضع تفكيك الملفات الأمنية في المخيّم على نار حامية".

من جهته، يقول نائب المسؤول السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في لبنان، أحمد عبد الهادي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "حركة تسليم المطلوبين تعود لجهود الفصائل والقوى الفلسطينية ومن العمل الحثيث على واقع الشباب المتطرفين الذين يميلون إلى التشدد، ومواجهة ذلك تكون بعدم السماح بإيجاد بيئة حاضنة، خصوصاً لهذا النفس داخل المخيم". ويؤكد عبد الهادي على أنّ "الاتصال والتنسيق يتم بشكل رئيسي مع قيادة الاستخبارات العسكرية في الجيش ومدير استخبارات الجنوب في الجيش اللبناني، العميد خضر حمود. وتظهر الوقائع أنه لا يتم التعامل مع من يسلّمون أنفسه بكيدية أو بانتقام وهو ما يجب أن يساعد على مضاعفة المطلوبين وتعاونهم بغية إنهاء الملفات القضائية بحقهم".

ويشير إلى أنّ الهدف الرئيسي "هو تخفيف عدد المطلوبين وحصر بيئة المخلّين بالأمن وتوضيح من هم بشكل كامل وواضح"، فيساهم ذلك أيضاً بنبذ أهالي عين الحلوة لتلك البيئة أيضاً. ويأمل بأن يصل عين الحلوة إلى مرحلة "يكون فيها خالياً من كل المطلوبين". وعلى الرغم من تأكيده "وجود مطلوبين خطيرين في المخيّم لكن عددهم ليس كما يتمّ التداول به، فهو مبالغ به كثيراً".

ويمكن القول إنّ الدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية تحاول اليوم حصر دوائر المطلوبين في عين الحلوة، وتحديد نقاط القلق الأمني فيه، وذلك من خلال التسويات التي تحصل. لكن هذه التسويات قد يبدو صعباً الوصول إليها مع أسماء ومجموعات إسلامية بارزة في المخيّم، مثل مسؤول كتائب عبد الله عزام، الجناح اللبناني لتنظيم القاعدة، توفيق طه، أو مسؤول فتح الإسلام في المخيم، أسامة الشهابي، وعماد ياسين وبلال بدر ومجموعات مثل "عصبة الأنصار" و"الحركة الإسلامية المجاهدة". ويضاف إلى ذلك خلايا أخرى صُنّفت بأنها مقرّبة من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وغيرها. ولو أنّ أحد قياديي الفصائل الفلسطينية يشدّد لـ"العربي الجديد" على أنّ "الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت على صعيد بعض الأسماء التي ستسلّم نفسها للقضاء".

على صعيد آخر، يبدو أنّ صيغة التسويات بدأت تطبق أيضاً على مقاتلين تابعين لسرايا المقاومة في محيط عين الحلوة، أي المجموعات المسلحة التي يدعمها حزب الله في معظم المناطق اللبنانية لبسط سيطرته عليها والتلويح بها عند أي استحقاق. وفي هذا الإطار، تؤكد المعلومات الأمنية أنّ "استخبارات الجيش والأمن العام تسلّموا أكثر من عشرة مقاتلين من سرايا المقاومة في صيدا، في خطوة مشابهة لما يحصل في المخيّم". وبالتالي يمكن القول إنّ تفكيك فتيل التفجير في عين الحلوة وجواره مستمر، بدءاً من النقاط الأضعف.