14 عاماً على أسر البرغوثي: العائلة تعوّل على "حماس"

17 ابريل 2016
رمزية البرغوثي تنبع من رمزية الأسرى جميعهم(عباس المومني/فرانس برس)
+ الخط -
حلّت الذكرى الـ14 على اعتقال القائد الفتحاوي، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" مروان البرغوثي، يوم الجمعة 15 أبريل/نيسان الحالي. 14 عشر عاماً، على ابتعاد البرغوثي عن أبنائه قسّام وربى وشرف وعرب، بعد اعتقاله في عملية إسرائيلية خاصة عام 2002، احتفى بها قادة الاحتلال، مستعرضين إنجازهم بـ"إعتقال الرأس المدبّر" لانتفاضة الأقصى. اليوم، يمضي البرغوثي سنوات سجنه في أكثر المعتقلات الإسرائيلية تنكيلاً وحراسة، المعروف بمعتقل "هداريم"، بعد أن حكمت عليه محاكم الاحتلال بالسجن لخمسة مؤبدات وأربعين عاماً.

ومنذ عشرة أعوام تنشط زوجته وابنه البكر ومئات الفلسطينيين من مناصريه، ضمن الحملة الدولية لإطلاق سراحه، التي تنصبّ جهودها اليوم، على حشد كل الدعم الدولي لترشيح القائد الأسير لنيل جائزة نوبل للسلام، بصفته "مقاتلاً من أجل الحرية"، ويزداد أعداد المنضمين للحملة يومياً، فلسطينياً ودولياً.

في هذا السياق، يقول قسّام إن "الفلسفة التي تبنّتها الحملة الدولية منذ اليوم الأول، تقوم على دعم كل الأسرى الفلسطينيين، ورمزية مروان، تأتي من أن الجميع يعرفه، لكن أي انتصار تحققه الحملة، هو انتصار للأسرى جميعاً، ولا يقتصر على مروان لوحده". ويتابع "هناك قيمة معينة يحملها هذا الرجل، فهو قائد سياسي معروف دولياً وسياسياً وشعبياً. ويتعرّض لحالة مماثلة لآلاف الأسرى الفلسطينيين، من تنكيل واضطهاد، لأنه يدافع عن حرية شعبه، وبالتالي فإن رمزية مروان تنبع من رمزية الأسرى جميعهم".


تواجه الحملة معركة شرسة مع اللوبي الصهيوني في كل العالم، بعد رفع اللوبي قضايا ضد البلديات الأوروبية التي منحت البرغوثي "مواطنة الشرف". ويلخّص قسّام المعركة بالقول إن "معركتنا في روايتنا عن والدي وآلاف الأسرى من مقاتلي الحرية، هي في مقابل الرواية الإسرائيلية التي تسوقها في كل العالم، والتي تعتبر بأن الأسرى الفلسطينيين هم إرهابيون، والمعركة مفتوحة على اتساعها".

لن يشارك قسّام في العديد من الفعاليات التي تحييها القاعدة الفتحاوية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في ذكرى اعتقال والده، لأنه سيكون في فرنسا، مشاركاً في المؤتمر الصحافي الذي تنظمه البلديات الفرنسية، التي منحت المواطنة الشرفية للبرغوثي، ومن المتوقع أن تُنظّم، يوم غد الإثنين، مؤتمراً صحافياً لدعم ترشّحه لجائزة نوبل.

ويحتفي آلاف الفتحاويين في الأراضي الفلسطينية المحتلة بذكرى اعتقال البرغوثي هذا العام، ضمن فعاليات "يوم الأسير الفلسطيني"، في شكل غير عادي، بعد أن ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بدعوات وفعاليات لإحياء ذكرى اغتيال أبو جهاد (خليل الوزير في 16 أبريل/نيسان 1988)، واعتقال البرغوثي، بشكل لافت.

في هذا الصدد، يقول قسّام إن "الاحتفاء الكبير بأبو جهاد والبرغوثي في هذه المرحلة بالذات، هو دليل على أن القاعدة الفتحاوية لم تبتعد عن أفكار الحركة الأصيلة. وقد منحت في فترات سابقة فرصاً كبيرة لعملية السلام، ولم تحقق شيء، ما أجبر القاعدة الفتحاوية، تحديداً الجيل الجديد، على البحث عن رموز الفداء والتضحية، وهم بالعشرات والمئات، التي يفتخر بهم الجميع وأبو جهاد والبرغوثي منهم".

ويضيف أن "مروان موجود، وأبو جهاد فكر ثوري فتحاوي ممتد عبر الأجيال، والمصادفة أن اعتقال مروان يأتي قبل يوم من اغتيال أبو جهاد، وكلاهما حملا فكرا له علاقة بالبعد الشعبي بالنضال الفلسطيني. أبو جهاد مفجّر الانتفاضة الأولى (1987 ـ 1993)، ومروان قاد الانتفاضة الثانية (2000 ـ 2005). ومن هنا جاء الربط لدى القاعدة الفتحاوية الواسعة، التي تحنّ لفكرها الأصيل بعدم الانحناء أمام المحتل".

وأمام احتفاء القاعدة الفتحاوية بالأسير مروان، يظهر الجفاء الرسمي جلياً من القيادة الفلسطينية، التي أسقطت مرات كثيرة اسم مروان من بياناتها الرسمية، عقب اجتماعاتها التي صادفت أكثر من مرة في ذكرى اعتقاله، أو رسائله الكثيرة من المعتقل، بشكل يظهر عدم حماسة المستوى الرسمي تجاه مروان ورسائله الكثيرة، التي تحمل محددات للعمل الوطني.

ويفسر قسّام ذلك، قائلاً إن "القيادة الفلسطينية بكل ألوانها وعناصرها تمرّ بأزمة ثقة، وأزمة موقف، وأزمة أفق سياسي، وللأسف تدخل في دوائر التنافس السلبي ومعادلة التآمر في بعض الأحيان، وكل هذه الأمور واضحة للشعب الفلسطيني".

ويوضح أنه "منذ اليوم الأول لاعتقال والدي، كان الرهان على الشعب ووفائه، ولم يكن لدينا في أي يوم رهان على القيادة الفلسطينية في ظلّ الفشل في تحقيق شيء للبلد. فكيف ستحقق شيء للأسرى أو لمروان أو لكل الحركة الأسيرة، في وقتٍ يعلم الجميع أن هناك أزمة قيادة وتخبط في بعض القرارات والاستراتيجية المتبعة منذ انغلاق الأفق السياسي؟".

ويتابع "لن يكون هناك أفق سياسي، ولن يكون هناك تغيير في حالة الجمود والتكلس للقيادة إلا بعد إنهاء الانقسام، وهذا ما يتشبّث به مروان ويتلخّص بوحدة وطنية قائمة على استراتيجية ومشاركة من جميع مكوّنات العمل الوطني، وفصل للسلطات. ومن دون هذه المعايير، يجب ألا نلوم أي جهة، لأن المنظومة السياسية ستبقى تعبر من فشل إلى فشل".

وفي إطار الدعم السياسي الفلسطيني، لا تخفي عائلة البرغوثي، تعويلها على حركة "حماس" في إطلاق سراحه ضمن أي عملية تبادل أسرى مقبلة تنجزها الحركة. وفي هذا الصدد، يقول قسام "نعوّل على أي جهة مقاومة، تقوم بأي فعل مقاوم، ومن ضمنه عمليات تبادل أسرى، وطبعاً نعوّل على حركة حماس. وأول موقف صدر عن العائلة في صفقة وفاء الأحرار، كان التعبير عن فرحنا ومباركتنا للأسرى الذين أفرج عنهم، لأنهم أبناء الشعب الفلسطيني ولا يختلف أي أسير عن آخر".

ويضيف "كعائلة نتشبث بأمل أن يكون اسم مروان على رأس أي صفقة تبادل أسرى قادمة تبرمها حماس، ونأمل ألا تكون حماس أو المقاومة في قطاع غزة، هي الجانب الوحيد الذي يقوم بهذه الجهود لتحرير الأسرى، بل أن تمتد هذه الجهود لكل القطاعات. والجميع معني، الدبلوماسي والكاتب والصحافي والبرلماني. الجميع بإمكانه المساعدة".

لكن ماذا عن حركة "فتح" التي انتمى إليها البرغوثي منذ أن كان على مقاعد المدرسة الإعدادية؟ يردّ قسّام: "على الرغم من أنه هناك بذور لنوايا لإطلاق سراح الأسرى ودعم الحركة الأسيرة، إلا أنه في مجال حرية الأسرى، لا يوجد جهود كافية تقوم بها فتح. وأنا متأكد من أن الحركة بإمكانها أن تقدّم أكثر مما نراه على صعيد الحركة الأسيرة، ولا يجوز ولا يعقل على حركة تحمل كل هذا السجل التاريخي والوطني، عدم بذل الجهود الكافية لإطلاق سراح أسرى وقيادات حركتها وأعضاء لجنتها المركزية". ويرى قسّام كغيره من الفتحاويين الشباب أن "جهود الفصائل ليست كافية، والدليل تعاظم أعداد الأسرى، وعلى السلطة الفلسطينية مسؤولية كبيرة تجاه مواطنيها، ومناضليها ومن أسس هذه السلطة من مقاتلي الحرية".

قسّام وإخوته، في حالة شغف لمعرفة الكثير عن والدهم الذي يتحدث الجميع عنه، فكل ما تجمعه الذاكرة من السنوات القليلة التي عاشوها معه لا يروي ظمأهم، فالرجل الذي كان وطنه اهتمامه الأول والأخير، لم يكن يجد وقتاً كافياً يقضيه مع أبنائه، لتعويضهم عن انشغاله الدائم. وإذا ما أُضيفت سنوات اعتقاله الـ14 منذ عام 2002 إلى سنوات اعتقاله وإبعاده منذ انضمامه لحركة "فتح"، يكون مجموع ما أمضاه البرغوثي في معتقلات الاحتلال، يصل إلى نحو 21 عاماً.

وخلال أعوام الاعتقال والمطاردة والإبعاد، لم يحضر البرغوثي عيد ميلاد أي من أبنائه، ولا تخرّجهم من الثانوية العامة، ولا الجامعات، ولا حفلات زواجهم وخطوبتهم. مع ذلك يجهد عبر الرسائل التي يوجّهها إليهم عبر محاميه، لسؤالهم عن صحتهم، ويناقش معهم تفاصيل حياتهم من الطعام الصحي وحتى الرياضة واختياراتهم في الحياة.

وأكثر ما يتذكره الأبناء هو ابتسامة أبيهم عندما كانوا يستضيفون أصدقاءهم، حيث كان يصل عدد الزائرين إلى حوالي 20 شخصاً، الأمر الذي يستفز الأم المتمسكة بالنظام والترتيب في البيت، في حين يعبّر البرغوثي عن رضاه بابتسامة، تُنسي الأطفال غضب أمهم. وكان لافتاً أن مكتبته الكبيرة في البيت، هي مكان أولاده المفضل للجلوس، ويشير قسّام إلى أنه "نعلم من الأسرى المحررين أن والدي أنشأ مكتبة أكبر في سجن هداريم للأسرى".

أما أكثر ما يتذكره الأبناء ويتمنون لو تسنح لهم الفرصة ليعيشوه ثانية، فهو الساعة التي تسبق أذان المغرب في شهر رمضان، حين كان البرغوثي رغم انشغاله، يواظب على أخذ أبنائه بالسيارة لشراء عصير التمر والليمون والقطايف من أسواق رام الله.
المساهمون