تحذيرات فلسطينية من موت حل الدولتين:عريقات يزور واشنطن بفبراير

17 فبراير 2017
البديل عن حل الدولتين هو مواجهة مستمرة (نضال اشتية/الأناضول)
+ الخط -
تدرك القيادة الفلسطينية اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن هامش مناوراتها واستراتيجية اللاقرار ضاقت إلى حدها الأقصى، إذ جاء لقاء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، برئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أول من أمس، بمثابة إصدار شهادة وفاة رسمية لحل الدولتين، الميت أصلاً على أرض الواقع، وليطلق يد إسرائيل لإكمال ربع الساعة الأخيرة من الاستيلاء على الضفة الغربية، مع تجاوز الموقف الأميركي مرحلة الانحياز الدائم إلى شراكة مع إسرائيل في عهد ترامب.

بعد ساعات من لقاء ترامب ونتنياهو، بدأت التصريحات الفلسطينية الرافضة لما جاء في الاجتماع، والمتمسكة بحل الدولتين، ورفض الاستيطان، تنهال على وسائل الإعلام، سواء من أعضاء في اللجنة التنفيذية الذين رأوا في تصريحات ترامب، من دون ذكر اسمه، "دفناً لحل الدولتين"، حسب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، أو على صعيد القوى والفصائل الوطنية، فيما عبرت الرئاسة الفلسطينية عن موقفها عبر الوكالة الرسمية، قائلة "مستعدون للتعامل بإيجابية مع إدارة ترامب لصنع السلام".

وارتفعت وتيرة التحذيرات من أن القضاء على حل الدولتين يعني أن المواجهة ستكون طويلة ومؤلمة ودموية. ويقول مستشار الرئيس محمود عباس (أبو مازن) للشؤون الاستراتيجية، حسام زملط، لـ"العربي الجديد"، إن خيار الدولتين لم يكن خيارنا، بل نحن تبنينا خيار الدولتين، وهو خيار دول العالم في العام 1988. والآن إما أن يقرر العالم، ونحن معه، حماية هذا الخيار، أو أننا كقيادة وشعب سنستخدم كل الأدوات الشرعية من أجل الحفاظ على بقائنا ومكتسباتنا". وأضاف: "تبنى الشعب الفلسطيني وقيادته مشروع العالم بحل الدولتين، إيماناً منا بإعطاء السلام فرصة، واليوم نتنياهو بعنصريته يسعى إلى تقويض مشروع تبناه العالم". ويعتبر مسؤول مفوضية الإعلام والثقافة والشؤون الفكرية في اللجنة المركزية لحركة "فتح"، ناصر القدوة، أن "البديل عن حل الدولتين هو مواجهة مستمرة وطويلة ومؤلمة ودموية. إن وجود دولة فلسطينية على حدود العام 1967 أمر مفروغ منه. إذا لم يكن هناك إمكانية للتوصل إلى حل الدولتين سلمياً لن يؤدي إلى اختفاء الشعب الفلسطيني". وقال القدوة، لـ"العربي الجديد"، على هامش مؤتمر عقد في مدينة رام الله أمس الخميس، "سيترتب على المواجهة الفلسطينية المقبلة في ما يتعلق بخيار حل الدولتين تغيرات كبرى، إن حدثت، والشعب الفلسطيني مواقفه واضحة وثابتة، وهو لن يتخلى عنها. سيكون أمام تغييرات كبرى ستشهدها البنية السياسية الفلسطينية والشارع الفلسطيني، وستوجد إفرازات جديدة، ونحن سنرى ما الذي يحدث. الحقيقة الثابتة أنه لا تغيير في الموقف الفلسطيني، والشعب الفلسطيني سيبقى متمسكاً بحقوقه الوطنية وبدولته الفلسطينية".


ولفت القدوة، خلال مؤتمر صحافي في رام الله، إلى أن ترامب أعطى، خلال مؤتمره مع نتنياهو، إشارة إلى حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة، وأنه مع ما يتفق عليه، مشيراً إلى أنه إذا "كان المقصود أن يقال للجانب الإسرائيلي أنكم إذا لم تقبلوا بحل الدولتين فهناك حل الدولة الواحدة، بمعنى إذا كان المقصود هو رفض استمرار الأمر الواقع والذهاب بأي من الاتجاهين، بالنسبة لنا أمر مقبول، أما إذا كان المقصود في المقابل هو طرح خيار آخر غير حل الدولتين، بهدف التخلي التدريجي عن حل الدولتين، فهو أمر خطير للغاية، وسيمثل تطوراً يعصف بالجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والمنطقة ككل". لكن المفاوض السابق وعضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، محمد اشتية، له رأي آخر. وقال إن "ما يجري يستدعي عقد اجتماع طارئ للقيادة الفلسطينية لإجراء دراسة معمقة للمتغيرات الجديدة، والخروج بتوصيات بحجم التحدي"، مشدداً على ضرورة تنفيذ ما يتم التعهد به. واعتبر، في تصريح، أن "الحديث عن تحميل المجتمع الدولي مسؤولياته مجرد حبر على ورق، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى استراتيجية جديدة تستند إلى الواقع الجديد الذي أدخلتنا فيه إسرائيل والولايات المتحدة".
لكن موقف الرئاسة الفلسطينية الخالي من أي مواجهة أو قرار، يتوافق تماماً مع الموقف المعروف لعباس، خصوصاً في آخر اجتماع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، الإثنين الماضي، والذي وُصف بـ"الصاخب"، إذ رفض أبو مازن جميع المقترحات التي قدمت له للرد على الخطوات الإسرائيلية والدعم الأميركي لها، وأهمها التحلل من اتفاق أوسلو، وتنفيذ قرارات المجلس المركزي، التي صدرت في مارس/آذار 2015، وأبرزها وقف التنسيق الأمني، وإحالة القضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية بشكل عملي.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن عباس رفض بشكل قاطع إعلان أي إضراب أو تنظيم تظاهرات في المدن الفلسطينية، بالتزامن مع لقاء ترامب ونتنياهو، حسب ما أكد مصدر مسؤول، لـ"العربي الجديد". الانتقادات وصلت إلى أوجها من أعضاء اللجنة التنفيذية ضد زيارة رئيس جهاز الاستخبارات الفلسطينية، اللواء ماجد فرج، مع وفد اقتصادي، إلى الولايات المتحدة. ووصف أبو مازن تقرير فرج عن الزيارة بـ"الممتاز"، رافضاً تزويد أعضاء اللجنة التنفيذية بنسخة منه، في ظل رفض العديد منهم أن يتم اختصار التواصل مع الإدارة الأميركية على القنوات الأمنية والاقتصادية فقط، وهو الأمر الذي نص عليه بيان الإدارة الأميركية بعد لقاء ترامب ونتنياهو، وتحديداً تشكيل لجان اقتصادية. لكن يبدو أن هذه القنوات، وتحديداً الأمنية، هي التي ستمهد لزيارة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، إلى واشنطن نهاية فبراير/شباط الحالي، للقاء وزير الخارجية الأميركية، ريكس تيلرسون، حسب ما أكد مصدر مطلع لـ"العربي الجديد"، ما يفسر تمسك عباس بها. وفيما ترتفع وتيرة الانتقادات التي تطالب القيادة الفلسطينية بموقف واضح وقرارات حاسمة، تجاه الموقف الأميركي الإسرائيلي، فإن اللاموقف هو سيد الموقف. ويرى مراقبون ومحللون سياسيون أن السلطة الفلسطينية تعي تماماً أن هناك عهداً أميركياً أكثر سوءاً مع رئاسة ترامب، لكنها لا تريد الاعتراف بذلك، لأن الاعتراف يتطلب خيار المواجهة، وهو الأمر الذي لن يذهب إليه عباس.

وأكدت وزارة الخارجية الفلسطينية أنها "ستواصل العمل من أجل خلق أوسع جبهة دولية لحماية حل الدولتين، بصفته الأساس الوحيد لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وذات سيادة". ورأت أن الحديث عن "اختلاق مسارات جديدة للحل" مضيعة للوقت ومحاولة إسرائيلية للتهرب من استحقاقات السلام، ومحاولة لكسب المزيد من الوقت لمواصلة سرقة الأرض الفلسطينية والإجهاز على حل الدولتين. ويقول المحلل، هاني المصري، لـ"العربي الجديد"، إن "السلطة تعي أن إسرائيل، في عهد ترامب، حصلت على دعم لتطبيق مشاريعها، لكنها لن تعترف بذلك، لأن أبو مازن اختار طوال سنوات حكمه عدم المواجهة، وعمل على تجنبها قدر الإمكان، مفضلاً التحرك بشكل دبلوماسي محسوب، وعدم الموافقة على الشروط الإسرائيلية من يهودية الدولة والاستيطان، لكنه الآن أمام خيارين، إما أن يواجه أو يخضع. إن هامش المناورة يضيق جداً أمامه". وأضاف أن "المقدمات لا تدل على أنه مستعد للمواجهة. لو كان يريد مواجهة، لأرسل أكثر من إشارة. على سبيل المثال لم يكن ليهمل وجود مروان البرغوثي في توزيع مهام اللجنة المركزية لحركة فتح، أو قرر عقد مجلس وطني فلسطيني، وعمل جدياً على الوحدة الوطنية، وأعلن تحلله من اتفاقية أوسلو، لكنه لم ولن يفعل". وتابع أن "السلطة ستتكيف مع الوضع الجديد، وتصريحها أمس، يؤكد ذلك".

المساهمون