ولم يضف تصريح الناطق الرسمي باسم حركة النهضة، عماد الخميري، شيئا حول الموضوع بل ضاعف من حجم التشويق بخصوص خلفيات اللقاء وتداعياته، حيث أشار في تصريح لوكالة الأنباء التونسية، إلى أنّ هذا اللقاء "يندرج في إطار حرص الحركة على التحاور مع كلّ الأطراف الفاعلة في البلاد"، وأنّ "سياسة الحوار واستمراره مع القوى والأحزاب خيار انتهجته النهضة ودعت إليه، حتى حين تم الإعلان عن نهاية التوافق ورغم دعوات البعض إلى القطيعة".
وأضاف الخميري أنّ "الاجتماع تدارس الأوضاع السياسيّة العامّة بالبلاد وتمّ خلاله التأكيد على استمرار الحوار بين الطرفين في الأيام القادمة، لأنّ الوضع بالبلاد دقيق".
مصادر خاصة كشفت لـ"العربي الجديد" أن اللقاء تم بوساطة من أطراف قريبة من الرجلين وجرى ببيت الغنوشي في العاصمة التونسية، ولهذا المعطى رمزيته الهامة، لأن بيت الغنوشي شهد بداية تدهور علاقة الرجلين إثر انتخابات ألمانيا الجزئية وإثر الانتخابات البلدية أيضا، حيث شهدت لقاء متشنجا بينه وبين السبسي الابن قاد إلى نهاية التوافق بين الحزبين.
ويبدو أن الغنوشي كان مستاء جدا من ذلك اللقاء، ولذلك يمثل لقاؤهما من جديد ببيت الغنوشي منطلقا جديدا لمحو آثار اللقاء السابق، على مستوى العلاقة الشخصية قبل السياسية، إذ وقفت النهضة مطولا في صف السبسي الابن و دعمته طويلا قبل ان تنهار العلاقة.
المصادر أكدت أيضا أنه جرى الحديث عن تدهور العلاقة وسقوط التوافق بين النهضة والنداء، ويبدو أن السبسي الابن تحدث عن استفادة كثيرين من هذا الوضع الجديد وانعكاساته الكبيرة على الأوضاع في تونس.
وأشارت إلى أن السبسي الابن استشار والده الرئيس الباجي قايد السبسي قبل اللقاء، وقد يكون الغنوشي أعلم أيضا حليفه رئيس الحكومة يوسف الشاهد باللقاء.
و تؤكد المصادر أن اللقاء بقدر ما أحدث نوعا من الرضا عند السبسي الأب بقدر ما أدخل ارتباكا على القصبة (مقر الحكومة).
لكن الارتباك الذي قد يكون أحدثه هذا الاجتماع المفاجئ لا يتوقف عند دوائر رئيس الحكومة فقط، وإنما يتعداه إلى الحزبين أيضا، نداء تونس والنهضة، وكذلك في صفوف الأحزاب والشخصيات الأخرى التي ستتآثر حتما بهذا التغيير الجديد.
ففي الوقت الذي كان اللقاء منعقدا ببيت الغنوشي، كان القيادي البارز بالنداء وزير التعليم السابق ناجي جلول يؤكد في حوار إذاعي أن الحكم مع حركة النهضة كان خطأ جسيما ولن يتكرّر بعد انتخابات 2019، داعيا المؤتمر القادم لنداء تونس لتقديم توصية بعدم الحكم مع النهضة مجدّدا، وهو موقف تجتمع حوله قيادات كثيرة من نداء تونس، وفي المقابل فإن عددا من النهضويين أيضا سينزعجون كثيرا من هذا اللقاء لأنهم يدافعون بقوة على التموقع الجديد بعد سقوط التوافق ومنهم من يعتبر أن يوسف الشاهد بديل ممكن للمرحلة القادمة.
لكن من المبكر جدا اعتبار هذا اللقاء بمثابة عودة التوافق من جديد، وخروج الشاهد من الحكومة، وهو مطلب رئيسي للسبسي الأب والابن، لأن تغييرا من هذا الحجم يحتاج إلى ضمانات وحسابات جديدة تحتاج إلى وقت وجهد ومناخ من الثقة بين الطرفين، هي في الوقت الراهن غير متوفرة مطلقا، بل إن بعض قيادات النداء سارعت إلى التنديد باللقاء وهاجمته بقوة، بالإضافة إلى أن النهضة ستطرح سؤالا حول مكسبها من تغيير بهذا الحجم في هذا الوقت، عدا تسليط مزيد من الضغط على الشاهد وتذكيره بأنه ليس بمنأى عن توافقات جديدة قد تطيح به في أي وقت.
ويأتي هذا اللقاء المفاجئ أيضا في وقت حساس للغاية، فالوضع الإقليمي متفجر مع التحركات الهامة في الجارتين، الجزائر و ليبيا وعودة التهديدات الإرهابية بشكل جديد من خلال قضية الرسائل المسمومة، بالإضافة إلى الملفات الخطيرة المفتوحة داخليا والتي تقود كلها إلى مناخ انتخابي غير نقي ويمكن أن يزيد من حدة التوتر مع الاقتراب أكثر فأكثر من موعد أكتوبر القادم.