"المناديب": مجموعة مسلحة ترهب أهالي سيناء

12 أكتوبر 2018
قيادة الجيش لا مشكلة لديها بالتضحية بهذه المجموعات(فرانس برس)
+ الخط -
لم يتوقّع أحمد جهاد (اسم مستعار)، وهو نجل أحد رجال الأعمال في مدينة الشيخ زويد، أن يكون ضحية لبلطجة إحدى المجموعات المسلحة التي اعتقلته، ويقول أهالي سيناء إنّها تعمل لمصلحة الجيش المصري في مدينة الشيخ زويد، شرقي البلاد، ليضطر والده إلى دفع مبلغ مالي لهذه المجموعة من أجل الإفراج عنه. ورغم خطورة الموقف، إلا أنّ العائلة لم تتحدّث عمّا جرى خوفاً من هذه المجموعات، ومن ردّة فعل الجيش نفسه في حال التشهير بها. لكنّ تزايد مشكلات هذه المجموعات في مدينة الشيخ زويد دفع بالمواطنين إلى التشهير بها والإعلان عن أعمالها، مما دفع الجيش إلى رفع الغطاء عنها، ومصادرة الأسلحة التي بحوزتها، بعد الاستفادة منها على مدار سنوات طويلة في تنفيذ أجندة الجيش والوصول إلى الأماكن التي يصعُب على قوات الجيش دخولها.

وفي السياق، كشفت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد"، أنّ مسؤول هذه المجموعة يدعى خالد الخرافين، وهو نجل عيسى الخرافين، أحد مشايخ سيناء المقربين من الأمن المصري، ويروّج لنفسه على أنه من مجاهدي سيناء الذين قاتلوا ضدّ الاحتلال الإسرائيلي لسيناء. إلا أنّ ذلك زاد من حالة الاحتقان في صفوف المواطنين نحو هذه المجموعة، التي عاثت في مدينة الشيخ زويد فساداً، وطاول أذاها الكثير من سكان المدينة، خصوصاً فئات التجار وأصحاب المحال التجارية والمزارعين الكبار، ودفعتهم بالإكراه إلى دفع ما يشبه "الإتاوات".

وقالت المصادر نفسها، التي رفضت الكشف عن هويتها، إنّ قوات الجيش كانت على علم بتصرفات هذه المجموعات التي تسمى من قبل المواطنين وقوات الجيش بـ"المناديب"، من خلال المتابعة الميدانية لمديري هذه المجموعات، وكذلك من خلال المعلومات التي كانت تصل إلى قيادة كتيبة الجيش بمدينة الشيخ زويد من قبل مجموعات المناديب الأخرى التي تنشط في المدينة. ويشير ذلك، بحسب المصادر، إلى "وجود حالة من الرضا من قبل قوات الجيش عن تصرفات هذه المجموعات تصل حدّ الشراكة معها في الحصول على المبالغ المالية من المواطنين. ولكنّ لاحقاً انتشرت السمعة السيئة لهذه المجموعات وتسرّبت أخبارها إلى مواقع التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى وقف عملها وسحب سلاحها".

وأشارت المصادر إلى أنّ عقاب الجيش اقتصر على الخطوات سابقة الذكر، مع عدم اعتقال أو مراجعة العاملين في هذه المجموعات، فضلاً عن عدم إعادة الحقوق إلى أصحابها. ويقدّر عدد حالات الاعتداء على المواطنين بأكثر من 100 حالة، بينهم من تمّ ابتزازهم وتخييرهم بين دفع الأموال أو التبليغ عنهم لقوات الجيش على أنهم "إرهابيون"، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى اعتقالهم فوراً، وإخفائهم بشكل قسري، كما حصل مع مئات المواطنين في محافظة شمال سيناء على مدار السنوات الماضية. ولأنّ هذا الأمر يمثّل كابوساً بالنسبة لأبناء سيناء، يجبرون على دفع ما تطلبه هذه المجموعات في مقابل عدم تعرّضهم للاعتقال، أو هدم منازلهم، أو مصادرة سياراتهم، أو جرف مزارعهم من قبل قوات الجيش.


وكانت "العربي الجديد" قد كشفت في تحقيق صحافي نُشر في إبريل/نيسان الماضي، أنّ الجيش المصري عمِل على تشكيل "المجموعة 103" أو "مجموعة الموت" في بداية عام 2015 بعد تصاعد الهجمات ضدّ قوات الجيش والشرطة، وهي عبارة عن مجموعة مكونة من عشرات الشبان، خصوصاً من مدينة الشيخ زويد، مهمتهم مساعدة الجيش في عملياته العسكرية في الشيخ زويد ورفح. وقد كان لهذه المجموعة الدور الأبرز في جرائم قتل عدد من المعتقلين رمياً بالرصاص، بحسب ما أظهر مقطع فيديو مسرّب قبل أشهر.

يشار إلى أنّ هذه المجموعات تتشكّل من أفراد معروفين لدى المواطنين، ويفرضون قراراتهم على التجار وأصحاب المحلات، ويرافقون قوات الأمن في مهماتها بشكل علني. وبسبب كثرة أخطائهم، وتهجُّمهم على التجار، واستغلالهم مكان عملهم، نشر الجيش أكثر من مرّة أوراقاً ينفي فيها مسؤوليته عن أفعال العشرات من هذه المجموعات، ورفع الغطاء عنها، في وقت يسجّل على هذه المجموعات تنفيذ عمليات إعدام ميدانية لمواطنين من سيناء بينهم أطفال دون سن الثامنة عشرة.

وفي التعقيب على ما سبق، قال أحد وجهاء سيناء الذين اضطروا لمغادرتها بعد رفضهم تقديم الولاء للجهات الأمنية، إنّ ما يجري في مدينة الشيخ زويد "يمثّل وصمة عار على جبين الأمن المصري الذي دفع بالمجموعات المدنية للعمل ضدّ المواطنين، مما أوجد حالة من الفتنة في أوساط أبناء سيناء، وجعل لهذه المجموعات القوة اللازمة للبلطجة على المواطنين على مدار السنوات الماضية"، مضيفاً أنّ ذلك "أوصل الأوضاع إلى هذه النتائج المخزية، والتي تزيد من سوء صورة الأمن المصري في عيون أبناء سيناء منذ عقود".

وتابع الشيخ القبلي أنّ "من يدّعون الوجاهة من مشايخ سيناء، أصبحوا أوراقاً في يد الأجهزة السيادية، يستغلونهم وقتما يريدون، مقابل فتات من المغانم، كما حصل مع الشيخ عيسى الخرافين، الذي أصبحت سيرته المشوبة بالأعمال السيئة على لسان كل أبناء سيناء، وهذا ما ينطبق مع عدد من المشايخ الذين انحازوا للأمن على حساب أهاليهم في سيناء". ولفت إلى أنّه "بدلاً من الوقوف إلى جوار الحق السيناوي الذي يراد له الضياع من خلال تهجير أهالي سيناء وتدمير كل ما يتعلّق بالمحافظة من خلال مخطط كبير، يقفون إلى جوار الأمن، وباتوا يعملون بإخلاص أكثر من أبناء المؤسسة الأمنية ذاتها".

وأشار الشيخ القبلي إلى أنّ قيادة الجيش "لا مشكلة لديها في أن تضحّي بهذه المجموعات العسكرية في لحظة انكشاف أمرها، كما حصل في أكثر من مرة خلال السنوات الماضية، حين شهّرت بأسماء دفعة من أفرادها قبل عامين، وحينما رفعت الغطاء عن آخرين بعد انكشاف أخطائهم للعامة. ففي كل مرة يكون هناك كبش فداء من هذه المجموعات المدنية التي تعمل لصالح الجيش بصورة علنية". ودعا الشيخ العاملين في هذه المجموعات "إلى تركها فوراً، والانحياز إلى أبناء مناطقهم، ووقْف حالة الظلم القائمة في سيناء، بأيدي الأمن وأعوانهم".