المغرب: التصويت على التدريس بالفرنسية يقسم حزب "العدالة والتنمية"

21 يوليو 2019
بنكيران يحذر من ارتدادات الخطوة (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -
أقدم رئيس فريق حزب "العدالة والتنمية" بالبرلمان المغربي، إدريس اليزمي، أمس السبت، على تقديم استقالته في رسالة نصية بعثها إلى القيادة السياسية للحزب وأمينه العام، رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني.


وقال اليزمي، أحد أقطاب تيار رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران في نص استقالته "يؤسفني أن أخبركم أنني قد أبلغت أمس السبت الأخ الأمين العام للحزب برسالة تحمل قرار استقالتي من مهمتي كرئيس لفريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، وستكون لي فرصة بحول الله لأطلعكم على الحيثيات التي ضمنتها بالرسالة".

وتأتي هذه الاستقالة، التي تزيد من حالة الانقسام السياسي داخل "العدالة والتنمية" الذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي، بعد تصويت ممثليه في لجنة التشريع الخاصة بالتعليم والثقافة والاتصال، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون إطار رقم 17.15، يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، والذي قر في أحد بنوذه، اعتماد التدريس باللغة الفرنسية في المواد العلمية، مما يعتبره الحزب الإسلامي، تراجعا عن مبادئه، وإضعافا للغة العربية، وهيمنة للوبي الفرنسي في البلاد.

وفي استباق لجلسة التصويت في البرلمان المغربي التي تعقد غداً الإثنين لتمرير مشروع القانون، وجه بنكيران اللوم لقيادات حزبه، في بث مباشر على صفحته على "فيسبوك"، واعتبر تصويت الحزب على مشروع القانون الإطار الخاص بإصلاح التعليم، تنازلا سياسيا كبيرا، ومعركة خاسرة ضد ما سماه "أتباع للنفوذ الاستعماري في المغرب".

وأكد بنكيران أن التناوب اللغوي في المغرب حق يراد به باطل، لأنه يسعى إلى تكريس هيمنة اللغة الفرنسية، منبها من أن موجة الفرنسة لن تقف عند حدود بندين اثنين من مشروع القانون، بل ستجتاح نظاما تعليميا بأكمله، مما سيكرس التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية لفرنسا.
وأوضح أن استهداف اللغة العربية هو الهدف من وراء الإصرار على تمرير هذا القرار.

وقال بنكيران إنه كان على الجهة التي تفق وراء إقرار هذا المشروع، خيارات أخرى أكثر واقعية وعملية، وعلى رأسها اتباع النهج الأنغلوفوني، باعتماد اللغة الإنكليزية، كلغة تدريس ثانية في المغرب، بسبب موقع الصدارة الذي تحتله اليوم على المستوى العالمي.

وأكد أن تصويت حزب العدالة والتنمية لصالح القانون هو تكريس للأمر الواقع، وتوقع أن يجر هذا الموقف على الحزب انتقادات كثيرة من أنصاره ومحيطه السياسي والانتخابي.

وعاب على رئيس الحكومة الحالي، سعد الدين العثماني، تقديمه تنازلات مجانية، داعيا إياه إلى أن تكون التنازلات التي يقدمها الحزب محسوبة وليس على حساب مصالحه ومرجعياته وأدبياته السياسية والفكرية.

من جهة أخرى، لمّح بنكيران إلى أن ضغوطا كبيرة مورست من جهات لم يذكرها على أعضاء الحزب في لجنة التشريع لتمرير مشروع القانون. وفي توجيهه اللوم للأمانة العامة لحزبه، قال "نحن آسفون لم تتركوا لنا مجالا للتحرك"، في إشارة مبطنة، إلى أن المشروع الذي سيعرض غداً الإثنين، للتصويت في جلسة علنية في البرلمان، سيجري إقراره، آملا في حصول بعض التعديلات في آخر لحظة.

ودق بنكيران جرس إنذار من أن التصويت قد يفتح أفقا آخر من الصراع داخل "العدالة والتنمية". ولم يتأخر حدوث ذلك، إذ راجت عريضة سياسية داخل الحزب، تطالب العثماني بتحمل مسؤوليته في هذه اللحظة السياسية الدقيقة التي يمر منها الحزب، وفتح المجال أمام كل التعبيرات السياسية الموجودة داخل التنظيم ووقف مسلسل التنازلات، الذي بدأ بعد إعفاء بنكيران من رئاسة الحكومة، وانتهاء بالموافقة على مشروع قانون يعيد الفرنسية إلى صدارة المشهد، ضدا على المنطوق الدستوري، الذي يمنح العربية والأمازيغية الصدارة اللغوية.

وفي تعقيب لها، قالت النائبة البرلمانية عن حزب "الأصالة والمعاصرة" المعارض، فاطمة الطوسي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن استقالة إدريس اليزمي من رئاسة فريق "العدالة والتنمية"، تعكس الموقف المرتبك لقيادة الحزب الإسلامي من مخطط إصلاح التعليم في المغرب.

وأكدت أن فريق "الأصالة والمعاصرة" انخرط منذ بداية مناقشة مشروع القانون الإطار في النقاش بل اقترح تعديل مجموعة من المواد وتمت الاستجابة للاقتراح من طرف وزارة التربية والتعليم. وأوضحت أنه في أطوار المناقشة ركز فريق "الأصالة والمعاصرة" على ضرورة مجانية التعليم وطالب بحذف رسوم التسجيل التي تفرض على التلاميذ في المادة 48 كما طالب في المقابل بإحداث صندوق خاص لدعم التعليم.

وأوضحت أن لغات التدريس ظلت نقطة خلافية، مهمة في مشروع القانون وقد أثارت الكثير من النقاش لحد توقف جلسات اللجنة مرارا.

وتابعت قائلة "كانت الصيغة في المشروع الأول كالتالي: يمكن تدريس بعض المضامين والمجزوءات باللغات الأجنبية، لكن فريق الأصالة والمعاصرة طالب بالحسم في الصيغة واقترح ضرورة تدريس المواد العلمية والتقنية باللغات الأجنبية ليبقى أصل الخلاف هو المادتين 2 و31 حيث تشبت العدالة والتنمية بالصيغة المعروضة بينما طالب الأصالة والمعاصرة بالتعديل وهو ما جرت الاستجابة له. وهذا هو ما أحدث ارتباكا في موقف فريق البجيدي (العدالة والتنمية) حيث صوت البعض بالامتناع والبعض الآخر بالرفض فيما امتنع حزب الاستقلال بأكمله عن التصويت".

إلى ذلك، قال المستشار التربوي محمد أقديم في تصريح لـ "العربي الجديد" إن "العودة إلى فرْنَسةِ التدريس بالمدرسة العمومية المغربية، أتى في سياق فشل كل حلقات مسلسل الإصلاح الذي خضعت له منظومة التربية والتكوين الذي انطلق مع بداية الألفية الثالثة بإصدار وتفعيل ما عرف بـ "ميثاق التربية والتكوين"".

وأكد أنه خلال هذه المدة تحول حقل التعليم في المغرب إلى فأر تجارب، وقال "تمّ تجريب العديد من الوصفات الإصلاحية، التي تكشف السياقات الوطنية والدولية التي أتت فيها، على أنها عبارة عن برامج ومشاريع كانت في أصلها توصيات وخلاصات لمجموعة من التقارير التي تصدرها بعض المنظمات الدولية (اليونيسكو – اليونيسيف..) وبعض المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي..) منذ منتصف التسعينيات الماضية".


وخلص إلى أن "الدولة المغربية أفشلت التدريس باللغات الأجنبية وفشلت في البحث العلمي لاعتماد لغة أجنبية متجاوزة عالميا في البحث العلمي، فألقت اللوم على التدريس باللغات الوطنية".