ترامب أراد "معاقبة" ميركل فقلّص القوات الأميركية... هل يغادر الـ"ناتو" أيضاً؟

17 يونيو 2020
دبلوماسيون: سياسة ترامب تصب في مصلحة بوتين (فرانس برس)
+ الخط -
إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن نيته سحب حوالي 9500 من قواته المقدرة بنحو 35 ألفاً، والمنتشرة في ألمانيا، يُنظر إليه على أنه في سياق "معاقبة" المسشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، التي شكلت معارضة إلى حد ما لسياسات ترامب الأوروبية.

إعراب ميركل في عدد من المرات عن معارضتها لسياسات ترامب تسبب في توتر بين البيت الأبيض وبرلين.
وبحسب دراسة لمجلس العلاقات الخارجية، فإنه ورغم عدم تقديم الإدارة الأميركية مبررات لسحب القوات، إلا أنه من الواضح أن سبب القرار هو وقوف المستشارة ميركل في وجه ترامب، سواء في اجتماعات حلف شمال الأطلسي أو في مجموعة السبعة الكبار ومجموعة العشرين، فضلا عن غضب ترامب على عدم مساهمة الدولة بنسبة 2 في المائة من الناتج المحلي في موازنة دفاع الحلف.

وعلاوة على ذلك، رأى تحليل مجلس العلاقات الخارجية أن "عدم إيفاء دول حلف الأطلسي، بما فيهم ألمانيا، بوعودها لزيادة مساهمتها في الموازنة العسكرية ظل بمثابة شكوى يكررها ترامب".

ويتضح في السياق أن السفير الأميركي المنتهية مهمته قريباً لدى برلين، ريشارد غرينل، كان محركاً ودافعاً لخطوة ترامب الأخيرة، إذ اتخذ الرجل في العام الماضي خطاً تصادمياً مع برلين حين قال في تغريدة إن "أميركا لا تفهم لمَ لا تفي ألمانيا بالتزاماتها في حلف الناتو لمساعدة الغرب".
وبالرغم من أن خطوة ترامب تُقرأ في سياق تطبيق شعاره "أميركا أولا"، فإن سياساته هذه تثير قلقاً لدى الأوروبيين. ومن بين هؤلاء ما ذهب إليه أمين عام حلف شمال الأطلسي السابق، أندرس فوغ راسموسن، أمس الثلاثاء، إذ قال إن "انسحاب أميركا من القيادة العالمية يفسح الطريق أمام قوى شمولية لملء الفراغ.

واعتبر راسموسن أن "ضم روسيا لشبه جزيرة القرم ومحاولة تغيير الحدود الأوروبية، ولعب الصينيين بعضلاتهم في آسيا وبحر الصين الجنوبي والضغط من خلال الاستثمارات المالية على إضعاف الدول الغربية والديمقراطية تأتي نتاج هذه السياسات الأميركية والفرقة التي تدب بين القوى الغربية". 
ويُعد الأمر مقلقاً أيضا لأمين عام حلف الناتو الحالي "ينس ستولتينبيرغ"، الذي يتحدث عن التهديد الصاروخي الروسي بوجه أوروبا، منذ فبراير/شباط الماضي.

ويرى محللون في الغرب أن "سحب ترامب لجنوده وتخفيض العدد إلى 25 ألف جندي في ألمانيا" لن يؤذي الأخيرة بقدر ما سيؤثر على بقية أعضاء حلف شمال الأطلسي الأوروبيين، فالألمان منذ عامين غير معجبين بسياسات ترامب التي "تتجاهل ألمانيا"، وفقا لتقرير لـ"دويتشه فيلي" في 2018، حين اختار زيارة بولندا وليس بلدهم. 
وعاد السجال اليوم ليطرح أن "الوجود الأميركي في ألمانيا بالأصل ليس لأجل برلين بقدر ما هو ضمن إستراتيجية تاريخية للدفاع عن أوروبا"، وعليه يشعر الأوروبيون ببعض القلق من سياسة الانكفاء الأميركي، وخصوصا مع قراءتهم لما يطلقون عليه "الخطر الروسي"، حيث يلعب التواجد الأميركي في القارة "وسادة حماية".

ومنذ أن بدأت مواقف ترامب بالتذبذب، واعتراف ميركل في 2018 أنه "على أوروبا عدم الاعتماد على الآخرين" في مسألة حمايتها، وتركيزها على ضرورة أن يقوم الأوروبيون بأنفسهم بالدور، تزايدت سياسات توقع أي شيء من ترامب وبشكل مفاجئ، حتى لوزارة الدفاع الأميركية، ودون تنسيق مع الشركاء الألمان والأوروبيين، كخطوته القاضية بسحب آلاف الجنود من البلد الأوروبي المهم، ألمانيا، للجيران شرقا، كبولندا، وشمالاً كدول البلطيق واسكندينافيا، بعد رصد زيادة محاولات موسكو الحضور بقوة في هذه الزاوية من أوروبا.

ويطرح بعض الأوروبيين، ومنهم دبلوماسيون يعملون في حلف شمال الأطلسي، بحسب ما تنقل عنهم صحافة ألمانية واسكندينافية، تخوفات تتعلق بخطوة ترامب القادمة. ويتساءل بعضهم: هل سيكون الانسحاب من الناتو أمراً ممكناً في سياق تطبيق ترامب لشعار "أميركا أولاً" بحذافيره؟

ففي يناير/كانون الثاني 2019، هدد ترامب فعلاً بالانسحاب من تحالف الأطلسي، وهو ما نقلته نيويورك تايمز في الـ14 من ذلك الشهر، وهو تهديد ربطه ترامب حينذاك بقصة الـ2 في المائة.

وإذا ما أعطي دونالد ترامب فرصة أخرى ليتسيد البيت الأبيض لسنوات أربع قادمة، في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، فإن "الأوروبيين يخشون من مسار سلسلة قرارات تضع الضفة الأوروبية للأطلسي في حالة صعبة، وأسوأ ما يمكن توقعه أن يذهب فعلياً للانسحاب من حلف الناتو".
وفي كل الأحوال، يرى الحلفاء الأوروبيون أن أربع سنوات أخرى مع ترامب تعد إضعافا لهم في مواجهة زعيم الكرملين، فلاديمير بوتين، الذي حاول ترامب مؤخراً إعادته إلى اجتماعات الـ جي7، ما يعني عودة روسيا إلى هذا المنتدى الذي أُبعدت عنه بعد احتلال وضم شبه جزيرة القرم.

وعليه، فإن تحذيرات دبلوماسيين وساسة من وزن فوغ راسموسن، الذي بالمناسبة اعتبر انتخاب ترامب أمراً جيداً للغرب، من خطوات الانسحاب الأميركي وانحسار تواجدها في إستراتيجية أوروبا الدفاعية، تذهب في أغلبها إلى اعتبار أن سياسة ترامب تصب في مصلحة بوتين. ولهذا، ينظر هؤلاء بجدية وخطورة إلى خطوة سحب حوالي 9500 من جنود أميركا المتمركزين في ألمانيا منذ سقوط النازية بعد الحرب العالمية الثانية في 1945 وطوال فترة الحرب الباردة.
وعلى الرغم من أن الألمان بدوا غير مكترثين كثيراً بسحب القوات الأميركية، إلا أنهم أيضا يقرؤون بعناية هذه الخطوة باعتبار أن الانسحاب من بلدهم يشكل "نموذجاً لسياسات ترامب"، وفقا لما ذهبت إليه صحيفة "دير شبيغل" أمس الثلاثاء.

المساهمون