دولة المليشيات في العراق: سباق على التسلح لهيمنة مديدة

31 ديسمبر 2016
تقيم بعض تلك المليشيات استعراضات عسكرية (Getty)
+ الخط -
على الرغم من إقرار البرلمان العراقي قانوناً يُشرّع فيه عمل المليشيات المسلحة ويضعها تحت تصرف رئيس الوزراء حيدر العبادي، إلا أن سباق التسلح بين فصائل مليشيات "الحشد الشعبي" ما زال مستمراً بين قادة تلك الفصائل الذين يسعون للحصول على الأسلحة الثقيلة كالدبابات والمدرعات والصواريخ المتوسطة المدى التي يصل مدى الواحد منها إلى 50 كيلومتراً. ويثير هذا السباق بين المليشيات مخاوف كبيرة في الشارع العراقي من أن يدفع الثمن، فضلاً عن مخاوف التيار المدني وكتل سياسية مختلفة من تحوّل تلك المليشيات إلى كيان عسكري أقوى من الجيش، وبهوية طائفية تعمل تحت إمرة إيران ومشروعها في المنطقة.
وفي الرابع من سبتمبر/أيلول الماضي، أدى انفجار مخزن سلاح يضم متفجرات وصواريخ في منطقة بغداد الجديدة شرقي العاصمة العراقية، إلى مقتل وجرح عشرات المدنيين في المنازل المجاورة وقررت الحكومة على إثرها منع تخزين المليشيات للسلاح والمتفجرات داخل الأحياء السكنية وطالبتها بإخراجها بعيداً عن المدن، بدلاً من أن تقوم بسحبها أو التحفظ عليها في قواعد عسكرية تابعة للجيش. حينها تم إغلاق الموضوع ولم تتابع وسائل الإعلام المحلية الحادثة، إذ تبين وقتها أن المستودع الذي وقع فيه الانفجار يعود لـ"حزب الله" العراقي، وذلك سبب يكفي أن يتوقف عن مهمته من يريد التحقيق والبحث عن الأسباب، سواء كانت جهة أمنية مسؤولة يتطلب منها الواجب أداء عملها بحسب القانون أو وسيلة إعلامية تبحث عن الحقيقة والأسباب، فـ"حزب الله" أحد الخطوط الحمراء التي لا يمكن الاقتراب منها في العراق.

حينها، حاول مراسل "العربي الجديد" معرفة تفاصيل عن الحادث من مصدر أمني في وزارة الداخلية، لكن الأخير قال إن الوزارة سكتت وأغلقت الموضوع، وهم بدورهم كضباط محققين لم يتطرقوا إليه أيضاً، بعد أن عرفوا أن المخزن يعود لحزب الله، واصفاً التدخّل في مثل هذه المواضيع بأنه "لعب بالنار". انفجار مخزن "حزب الله" ليس الوحيد من نوعه، بل يكشف الضابط نفسه، أن سيارة انفجرت وهي تقل عناصر يعودون لمليشيا "العصائب"، مطلع الشهر الحالي، ما أدى إلى مقتلهم ومقتل وإصابة مدنيين كانوا يستقلون سيارة صادف مرورها بجوار سيارة المليشيات لحظة الانفجار العرضي الذي عادة ما ينتج عن سوء التخزين أو النقل. ويؤكد المصدر الأمني أن حالات عديدة وقعت في أوقات مختلفة، بسبب وجود مواد أولية تدخل في صناعة المتفجرات في المكان، منها حصول حرائق، ويُمنع فيها التحقيق لأن تلك الأماكن تعود لمليشيات.

قصة المليشيات في العراق لم تنتهِ بإقرار قانون تشريعها ومشاركتها في معارك داخل العراق وخارجه مثل سورية، إذ إن هوس التنافس بينها بزيادة تسلحها ورفع مدخولها المالي زاد أخيراً بعد إقرار القانون، وباتت المليشيات البالغ عددها 71 مليشيا كلها تنضوي تحت مسمى "الحشد الشعبي" في سباق نحو تسليح أفضل وأكثر ومال أوفر ومساحات نفوذ أوسع. وتتصدر حمى المنافسة مليشيات "بدر و"العصائب" و"حزب الله" و"النجباء" و"سرايا السلام" و"الإمام علي" و"الخراساني" و"أبو الفضل العباس"، التي تنال دعماً من الأحزاب السياسية التابعة لـ"التحالف الوطني" الحاكم للبلاد ومن النظام في طهران وتحديداً من مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي.

وتعتمد تلك المليشيات على مصادر تسليحها من طرق مختلفة، أبرزها المساعدات العسكرية الغربية للجيش العراقي أو صفقات التسليح التي ترد للجيش، إذ تأخذ ما نسبته 30 في المائة من تلك الأسلحة من مخازن الجيش وثكناته من دون تسجيل قيد أو توثيق، وهو ما يمثّل مشكلة حالية بين وزارة الدفاع وهيئة مليشيات "الحشد الشعبي"، فضلاً عن الدعم الإيراني المفتوح في مجال التسليح، وهو ما يوجب على تلك الفصائل تقديم فروض الطاعة والولاء للمرشد الإيراني للحصول على أكبر كمية من السلاح تدخل العراق عبر الحدود بين البلدين. أما المصدر الثالث فهو ما تغنمه المليشيات من سلاح خلال معاركها مع تنظيم "داعش"، فيما المصدر الرابع هو شراء أسلحة من السوق السوداء أو من ضباط فاسدين في الجيش العراقي يقومون ببيع جزء من الأسلحة والصواريخ، وهو ما بات واضحاً من استخدام المليشيات أسلحة ومعدات أميركية وصلت منتصف العام الحالي إلى البلاد وتسربت لتلك المليشيات.


يقول مسؤول في الحكومة العراقية لـ"العربي الجديد"، إن "تنافس المليشيات لم يعد على قُطع الرشاش أو القاذفات، فهي اليوم تتفاخر في ما بينها بعدد الدبابات والمدرعات وكاسحات الألغام والصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، وهناك أكثر من 50 مستودع سلاح تابعاً للمليشيات فقط في بغداد وضواحيها". ويضيف: "الحكومة غير قادرة حالياً على فعل شيء وحتى قانون تشريع عمل المليشيات فُرض عليها فرضاً".

الثراء الذي تعيشه قيادات تلك المليشيات، لم يعد غريباً على العراقيين، إذ باتت هذه القيادات تمتلك منازل فخمة في مناطق راقية من أحياء بغداد، فضلاً عن شركات ومزارع وعقارات. وتكشف مصادر في مؤسسات حكومية متخصصة لـ"العربي الجديد"، أن الشركات الخاصة التي تنال حصة الأسد من المشاريع الحكومية، فضلاً عن شركات الاستيراد التي تعمل بشكل واسع ومن دون قيود، أغلبها تابعة لمليشيات، أيضاً المقاولات المختلفة التابعة للبلديات تُحال إلى عناصر وقادة في المليشيات، ما جعل المليشيات تسيطر على عدد من مصادر المال في البلاد.

مصادر الأموال تلك تعتمدها المليشيات في التسليح، بالإضافة إلى استغلال عناصرها نفوذهم للحصول على مقاولات ونسب وفوائد، جعلت منهم أثرياء في فترات قصيرة، بحسب موظفين في دوائر بلدية تابعة لأمانة بغداد. ووفقاً لمصادر مطلعة، فإن من الخطأ الاعتقاد بأن إيران تدفع تكاليف تسليح المليشيات، وهو ما يعتقده كثيرون ممن يرون أن وجود المليشيات في العراق وتمتعها بالقوة يصب لصالح إيران، إذ تشير المصادر لـ"العربي الجديد" إلى أن المليشيات بالإضافة إلى كونها "ذراعاً يعمل لصالح إيران في العراق والمنطقة، فهو أيضاً مصدر دخل لها".

وتوضح المصادر أن المليشيات تعمل على إتاحة الفرصة لسيطرة البضائع الإيرانية في السوق العراقية، كما تُدخل العملة الصعبة إلى إيران من خلال مشاريع مختلفة، من بينها شركات السياحة، التي تدفع بالعراقيين لزيارة إيران من خلال عروض مغرية. كذلك عملت المليشيات على نشر الخوف بين شركات الاستثمار الأجنبية، من خلال الترهيب والتهديد وعمليات الابتزاز، ما فتح الساحة واسعة للشركات الإيرانية التي صارت مشاريعها تحتل كل القطاعات في البلاد. وتضيف المصادر أنه وفقاً لذلك فإن إيران تجهز المليشيات بالسلاح بمقابل مادي، بعد أن دعمت المليشيات لتكون المسيطر على الأمن في العراق، ما يجعلها تسيطر من خلالها على كل شيء، وأهمها الموارد المالية.

وتكشف المصادر أن ما يجري من عمليات تهجير واعتقالات تقودها المليشيات، في مناطق خالية من وجود "داعش"، لإخلائها من سكانها الأصليين، وهو ما تهدف إليه خطة التغيير الديموغرافي، سعياً لتحويل مناطق معينة لتكون ذات غالبية سكانية من طائفة محددة، وهو ما يجري منذ سنوات في محافظة ديالى شمال شرق بغداد، ومناطق حزام العاصمة، وعدد آخر من المدن. ويكشف ضابط في وزارة الداخلية، طلب الإشارة له باسم أبو أحمد، حفاظاً على حياته، أن المليشيات تصنع أيضاً الأسلحة، وذلك في منشآت خاصة، داخل معسكرات مهجورة كانت تعود للنظام السابق، ومزارع في مناطق جنوبي البلاد. ومن بين هذه الأسلحة، القنابل والصواريخ، كما تملك مخازن بعضها قريبة من مناطق سكنية.

المساهمون