فضيحة سوتشي بحجم الحدث

31 يناير 2018
قاطع مشاركون كلمة لافروف: روسيا تقتل السوريين(ألكسندر نيمينوف/فرانس برس)
+ الخط -
كلّ ما رافق مؤتمر سوتشي للحوار السوري، في المنتجع الروسي الواقع على البحر الأسود، أمس الثلاثاء، كان بمثابة الفضيحة. في الشكل وفي المضمون، كانت الصورة أقرب إلى المهزلة التي يصعب إخفاء معالمها إلا بقطع البث المباشر مثلما حصل بالفعل، لكي لا يرى العالم كيف تحصد روسيا نتائج سلوكها المتبني بالكامل للنظام السوري ورموزه. والفضيحة بدأت بطريقة تعاطي السلطات الروسية مع المعارضين الذي حضروا، وجزء منهم تلبية لطلب تركي، وإهانتهم وتركهم ينتظرون في مطار سوتشي لساعات جلوساً على الأرض، وترحيل عدد منهم بتهمة أنهم ينتمون إلى فصائل مسلحة سورية تصنّفها روسيا بأنها إرهابية. استمرت الفضيحة بشعار المؤتمر مزيّناً بعلم النظام السوري، وبرغبة موسكو في تشكيل ست لجان تنبثق عنه، بالمخالفة لما اتفق عليه مع تركيا لناحية تأسيس لجنة واحدة لصياغة الدستور، مروراً بكلمة الرئيس فلاديمير بوتين التي ألقاها وزير خارجيته سيرغي لافروف عن أن الظروف مؤاتية لطي صفحة مأساوية من تاريخ سورية. ولأن كل ذلك لا يكفي، جاءت الفضيحة الأخلاقية بنوعية الحاضرين من بين الـ1600 شخص، مثل مجرمي حرب من صنف معراج أورال (المعروف بـ علي كيالي)، أو "جزار بانياس" الشهير.


وبدا الفشل الذي رافق مؤتمر سوتشي كنتيجة طبيعة فرضتها طبيعة التطورات التي رافقت التحضير الروسي له، وسط تصميم موسكو على تحويله إلى منصة لإعلان انتصارها في فرض وجهة نظرها للحل في سورية القائمة على الحفاظ على النظام السوري بكل أركانه، يتقدمهم بشار الأسد، وإجبار المعارضة على تقديم تنازلات والشراكة مع هذا النظام. وهو ما جعل مؤتمر "الحوار السوري الوطني"، كما تسميه روسيا، الذي تأخرت انطلاقته ساعتين ونصف الساعة، واختزلت مدته من يومين إلى بضع ساعات، يتحول إلى "فضيحة سياسية" مكتملة الأركان للقيادة الروسية، بعدما فضلت موسكو استنساخ مؤتمرات يعقدها النظام السوري من حيث الشكل والمضمون، ما أدى إلى مقاطعته من قبل الدول الفاعلة الرئيسية في المشهد السوري مثل الولايات المتحدة وفرنسا، فضلاً عن إثارته استياء المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، لكن الضربة الأقوى لروسيا أتت بعد مقاطعة أغلب المعارضين المحسوبين على قوى الثورة، فضلاً عن مقاطعة بعض المشاركين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أثناء إلقاء كلمة الافتتاح التي كانت تبثّ على الهواء واتهام روسيا بقتل المدنيين في سورية بضرباتها الجوية. الأمر الذي جعل الصورة التي انتهى إليها مؤتمر سوتشي تعد صفعة قوية للمساعي الروسية التي تحاول فرض مسار بديل لمحادثات جنيف، إذ إن سقوط المؤتمر الأول الذي تقيمه روسيا على أراضيها، يأتي بعد أن كانت قد حققت تقدّماً في اتجاه تقويض جنيف من خلال مسار أستانة الذي عقدت جولاته في كازاخستان، والذي جاء كنتيجة للدور الذي أدته خلال العامين الماضيين في تغيير المعادلة العسكرية على الأرض في سورية لمصلحة قوات النظام، وترافق ذلك مع تراجع دور الولايات المتحدة والدول الأوروبية السياسي في ما يتعلق بالنزاع السوري.

كذلك جعل هذا المشهد التصريحات الروسية، تحديداً تلك الرسالة التي قرأها لافروف بالنيابة عن بوتين أمام من قرروا حضور المؤتمر، تبدو بلا أي صدى أو قيمة، وإن حاول فيها الحديث عن أن موسكو حاولت قدر الإمكان ضمان أوسع تمثيل في المؤتمر والقول إن المؤتمر "يهدف إلى توحيد الشعب السوري بعد نحو 7 سنوات من الأزمة المسلحة التي أودت بأرواح ألوف الأشخاص وأجبرت الملايين الآخرين على مغادرة وطنهم"، متناسياً أن الطيران الروسي قتل آلاف السوريين وشرّد عشرات الآلاف منهم.

كذلك جاءت هذه التصريحات متناقضة بشكل حاد مع العنف الذي يجري على الأرض في سورية، إذ أبلغ نشطاء المعارضة وقوع مزيد من الغارات الجوية على محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة. كما نقل لافروف عن بوتين قوله: "يمكن التأكيد بثقة أن الظروف متوفرة اليوم لطي صفحة مأساوية في تاريخ سورية، وفي ظل المؤشرات الإيجابية المتبلورة نحتاج إلى الحوار السوري السوري الفعال في الواقع بما يخدم التوصل إلى تسوية سياسية شاملة بدور الأمم المتحدة المتقدم وعلى أساس القرارات الدولية المطروحة في هذا الشأن، وبالدرجة الأولى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254"، وهو ما يتعارض مع النهج الذي يعتمده النظام السوري، بغطاء روسي، في رفض أي تفاوض حقيقي تقوده الأمم المتحدة أو أي حديث عن انتقال سياسي. 

مقاطعة بدءاً من المطار

وقاطعت المعارضة السورية المؤتمر، إذ عاد وفد مكون من نحو 85 عضواً جلّهم مقربون من تركيا من مطار سوتشي، صباح أمس الثلاثاء، اعتراضاً على عدم تغيير شعار المؤتمر الذي يحمل صورة العلم السوري بنجمتين خضراوين كما وعد الجانب الروسي، إضافة إلى المعاملة غير اللائقة التي تلقاها الوفد في المطار. كذلك تحدثت وسائل إعلام ووكالات عن اعتراض ممثلي الفصائل في المطار على اللافتات الكبيرة وبطاقات التعريف التي وزّعت على المشاركين في المؤتمر وتحمل علم النظام السوري، وهو ما تردد أن موسكو حاولت احتواءه عبر تغيير البطاقات وإطفاء اللافتات، لكن بقيت المشكلة "في اللافتات في قاعة المؤتمر". ولم يفلح الاتصالان الهاتفيان اللذان أجراهما لافروف مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو في احتواء الموقف.

وقال رئيس وفد المعارضة المنسحب، أحمد طعمة، إن أعضاء الوفد توجهوا من أنقرة لسوتشي للمشاركة في المؤتمر "أملاً بدفع عملية السلام قدماً وتحقيق انتقال سياسي جاد ينقل سورية من الاستبداد إلى الديمقراطية، ويحقق للسوريين حريتهم وكرامتهم". وأشار إلى أن "أياً من الوعود الروسية التي قطعتها موسكو لم يتحقق"، مضيفاً في بيان مصور وزع على الصحافيين "لم يتوقف القصف الجوي الروسي الوحشي على المدنيين، كما أن موسكو لم تُزل إعلام النظام عن لافتات المؤتمر وشعاره، فضلاً عن غياب اللباقة الدبلوماسية من قبل الدولة المضيفة".

وأوضح طعمة أن الوفد التركي سيبقى في سوتشي "حاملاً مطالبنا، ساعياً لتحقيقها"، وفق تعبير طعمة الذي سبق له أن ترأس وفد قوى الثورة العسكري إلى أستانة في آخر جولة له، فيما نفى المتحدث باسم هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية يحيى العريضي الأنباء عن تمثيل الوفد التركي للمعارضة في المؤتمر، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنه "لا أحد يمثل الشعب السوري، إلا الشعب السوري".

وتشكل عودة الوفد السوري المعارض رداً مباشراً من تركيا على محاولة موسكو الاستخفاف بأنقرة على الرغم من الجهود التي بذلتها الأخيرة لإقناع المعارضة السورية بالمشاركة. وكان من اللافت وجود شخص تركي متهم بارتكاب جرائم حرب طائفية في سورية يدعى معراج أورال في مؤتمر سوتشي، وهو ما أثار حفيظة الوفد التركي، إذ تطالب أنقرة بتسليمها أورال لمحاكمته. وينتمي أورال الذي يطلق على نفسه اسم علي كيالي إلى الطائفة العلوية، ويقود مليشيا طائفية ارتكبت مجازر في الساحل السوري. 

 استياء أممي وتركي

في موازاة ذلك، كان لافتاً انخفاض التمثيل التركي في المؤتمر، إذ ذكرت مصادر أن أنقرة أرسلت وفداً يرأسه معاون مستشار وزير الخارجية، سادات أونال، ما يؤكد أن الجانب التركي وضع في اعتباره تحفظ المعارضة على هذا المؤتمر ورفضها المشاركة فيه. وقالت مصادر إن هناك خلافاً بين الوفد التركي وروسيا على نقاط تتعلق بالمؤتمر، منها المقترح الروسي، الذي نصّ على تشكيل ست لجان دستورية مناصفة بين المعارضة والنظام، وتكون هي المرجعية، في حين طرحت تركيا والمعارضة تشكيل لجنة واحدة، هي اللجنة الدستورية وتكون مرجعيتها الأمم المتحدة.

وإلى جانب مقاطعة المعارضة وانخفاض التمثيل التركي، رفض المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، في البدء، حضور افتتاح المؤتمر على الرغم من وجوده في غرفة قريبة من قاعة المؤتمر بسبب خلاف مع الجانب الروسي. وذكرت مصادر أنه طالب بترؤس لجنة دستورية من المفترض أن تنبثق عن المؤتمر، وهو ما رفضه الجانب الروسي وفق المصادر. وزعمت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام أن المبعوث الأممي يحاول "السطو" على اللجنة الدستورية، مشيرة إلى أن هذه اللجنة "ستبحث في أفكار ورؤى لتعديل الدستور السوري الحالي يجب أن تتكون من سوريين"، مؤكدة أن النظام لن يقبل تغيير الدستور الذي وضعه في عام 2012. ومن الواضح أن الأمم المتحدة تحاول تجيير مؤتمر سوتشي لمصلحة تطوير مسار جنيف، وليس من المتوقع أن تتبنى مخرجات لا تدعم هذا التوجه.

وأشار رئيس اللجنة العسكرية لوفد قوى الثورة السورية العسكرية لمؤتمر أستانة، العقيد الركن فاتح حسون، أن وقائع افتتاح مؤتمر سوتشي "مشهد يوضح للعالم أجمع عقلية النظام المتمثّلة بالاستخفاف بالعقول"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "إنه يتعامل مع السوريين كقطيع أغنام، فقد ذكرنا افتتاح سوتشي بمسرحيات ما كان يسميه النظام (مجلس شعب) الممتلئ بالمهرجين". وأكد حسون أنه "لم يحدث أي تبدل رسمي بقرار وفد قوى الثورة العسكري الرافض حضور مؤتمر سوتشي"، موضحاً أنه تم تقديم الدعوة بشكل إفرادي لأعضاء الوفد، وغالبية أعضاء الوفد اعتذروا عن المشاركة، وقلة منهم شاركوا بصفتهم الشخصية.

استخفاف روسي

وتوضح قائمة المدعوين مدى استخفاف موسكو بالمأساة السورية وسعيها إلى تمييعها من أجل فرض رؤيتها للحل في البلاد، إذ تم جلب نحو 1500 سوري أغلبهم لا سابقة لهم في العمل السياسي، فيما قالت الخارجية الروسية إن منهم 107 ممثلين عن المعارضة الخارجية، في إشارة إلى منصة "موسكو"، التي يتزعمها قدري جميل، وتيار "قمح"، الذي يتزعمه هيثم مناع، وتيار الغد السوري، الذي يتزعمه أحمد الجربا، وكلها تيارات يعتبرها الشارع السوري المعارض أنها أقرب إلى النظام منها إلى المعارضة. ما يؤكد أن وجودهم "ديكوري"، وأن موسكو أعدت مسبقاً مخرجات المؤتمر.

واختارت موسكو 10 أسماء لرئاسة المؤتمر، بعضهم تحسبه موسكو على المعارضة السورية، ما يؤكد أن المؤتمر "مجرد لقاء إعلامي" مهمته ترسيخ الرؤية الروسية للحل في سورية. 
وأبرز هذه الشخصيات صفوان قدسي الذي ترأس المؤتمر وهو الأمين العام لحزب "الاتحاد الاشتراكي وأحد رموز "قيادة الجبهة الوطنية التقدمية" التي ترأسها حافظ الأسد ومن بعده بشار الأسد لعقود، ويعد من المقربين من النظام والداعمين له. أما أبرز الأعضاء الآخرين فهم قدري جميل، "رجل روسيا المدلل"، كما تصفه المعارضة، ورئيس منصة موسكو المقيم في موسكو منذ عدة سنوات، فضلاً عن رئيسة "منصة أستانة" رندة قسيس وهي مقربة من الروس، وتترأس ما يسمى "حركة المجتمع التعددي"، إلى جانب ميس كريدي، وهي المتحدثة باسم "الجبهة السورية الديمقراطية"، وتعتبر إحدى الشخصيات الإشكالية، إذ إنها شاركت في التظاهرات المطالبة بإسقاط النظام مع بدايات الحراك عام 2011، وتحول منزلها بريف دمشق إلى ملتقى للمعارضين، قبل أن تغادر البلاد بسبب الملاحقة الأمنية كما قالت في مناسبات عدة، إلا أنها سرعان ما عادت إلى البلاد، ويوجه إليها كثير من الناشطين اتهامات بقربها من الأمن، خاصة مكتب الأمن الوطني.

 

المساهمون