خلّفت حقبة سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي على محافظة نينوى العراقية التي امتدت لأكثر من ثلاث سنوات بعد يونيو/ حزيران 2014، الكثير من الأزمات في المحافظة، على الرغم من تحريرها وتوطيد الأمن فيها منذ أكثر من عام. ومع أنّ الحكومة تبذل جهوداً لمتابعة ملفاتها، محاولة إعادة الحياة الطبيعية لأهلها، إلّا أن الكثير من الأزمات والتداعيات بدأت تطفو على الساحة، مشكّلة عقداً بحاجة إلى حلول، في ظلّ اصطدام البعض من أهالي الموصل بشروط حكومية وصفت بأنّها "تعسفية".
ويعدّ ملف المفصولين من دوائر الدولة في الموصل إبّان تلك المرحلة، من أهم تلك الملفات، والتي تلامس أسباب معيشة الأهالي، بعدما صدم المئات من هؤلاء الموظفين الذين أجبروا على ترك وظائفهم، بشروط حكومية حالت دون عودتهم إلى وظائفهم، أو عدم الحصول على مستحقاتهم المالية للفترة السابقة. ويحمّل الموظفون الحكومة المركزية مسؤولية منعهم من وظائفهم، مطالبين بخطوات عملية ترفع القيود الحكومية عن عودتهم وعن صرف مستحقاتهم.
وقال مسؤول محلي في المحافظة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أحداث احتلال داعش للمحافظة دفعت بآلاف العائلات إلى مغادرتها، منها إلى خارج البلاد، وأخرى إلى مخيمات النزوح. ما تسبّب بعدم إمكانية المئات من الموظفين أن يستمروا بوظائفهم، خصوصاً ممّن هربوا خارج البلاد".
وأكد أنّه "اليوم، ومع استقرار الأوضاع في الموصل، بدأ المئات من هؤلاء بالعودة إلى المحافظة، محاولين بذات الوقت العودة إلى وظائفهم، لكنّهم صُدموا بشروط حكومية منعت الكثير منهم من العودة، وسلبتهم رواتبهم المتراكمة"، لافتاً إلى أنّ "أهم تلك الشروط وأصعبها هي المطالبة بألا تكون هناك فترة انقطاع لدى الموظف عن دائرته، وأن تكون لديه مباشرة بإحدى دوائر وزارته في بغداد أو أي محافظة أخرى، وأن يؤكد ذلك بالكتب والوثائق الرسمية".
وأكد أنّ "هذا الشرط حال دون عودة أغلب هؤلاء الموظفين، والذين فقدوا أسباب رزقهم"، معتبراً أنّ "المشكلة أصبحت تهدد مئات العائلات، التي تعد بأمس الحاجة لأسباب الرزق". وأشار إلى أنّ "الحكومة المحلية تدخلت بالموضوع، وأجرت اتصالاتها في بغداد، لتسهيل عودة الموظفين، لكن من دون جدوى، فلم تكن تلك الشروط قابلة للنقاش". وذكر مسؤولون في الدوائر الحكومية في المحافظة أنّ "إدارات الدوائر ناشدت الجهات الحكومية بحسم هذا الملف، لما له من أهمية إيجاباً على الحياة العامة".
وقال المسؤول في وزارة التعليم العالي، ماجد الحمداني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الشروط الحكومية أثرت على عمل الدوائر في الموصل، ومنها دوائر وزارة التعليم"، لافتاً إلى أنّ "العشرات من موظفي الوزارة في المحافظة لم يستطيعوا العودة إلى عملهم، ما تسبب بالتأثير السلبي على مستوى العمل، وتعطيل الكثير من الملفات المهمة التي تحتاجها دوائر الوزارة". واعتبر أنّ "الوزارة ودوائر حكومية أخرى خاطبت الحكومة، لأجل اتخاذ خطوات لإعادة المفصولين وصرف مستحقاتهم المالية، في مصلحة الدوائر، ومصلحة الموظفين"، مشيراً إلى أنّ "الحكومة تجاهلت تلك الدعوات الرسمية، ولم ترد بشأنها". وانتقد الموظفون الحكوميون، ممن تسببت الشروط الحكومية بإبعادهم عن وظائفهم، موقف الحكومة، مؤكدين أنّه "لم يراع ظروف أهالي المحافظة، الذين فقدوا كل ما يملكون خلال فترة داعش".
وقال أحد الموظفين في وزارة العدل في الموصل، مخلد الشمري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الشروط الحكومية التي سلبتنا حقوقنا من الرواتب المتراكمة، خلال فترة هروبنا من أحداث الموصل، لم تأخذ الحالة الإنسانية بنظر الاعتبار"، كاشفاً أنه "هربت خلال تلك الفترة إلى خارج الموصل، وسكنت وعائلتي في خيم للنازحين في كركوك، وكانت حالنا معدومة من جميع النواحي داخل الخيام. ما اضطرنا إلى التوجّه للأردن لوجود أقارب لنا فيه، وحصلنا على فرصة عمل ساعدتنا على العيش".
وأشار إلى أنه "بعد أن استقرت أوضاع الموصل عدنا إليها، فلم نجد شيئاً على حاله. منزلنا مُهدّم ومسروق. ولم نحصل على أي مساعدة حكومية لترميمه"، مضيفاً أنه "حاولت العودة إلى دائرتي لأحصل على مرتب، وطالبت برواتبي المتراكمة خلال فترة هربي من الموصل، لكنني لم أحصل عليها".
وأشار إلى أنّ "شروط الحكومة أضافت عبئاً جديداً على الموصليين، وتسببت بمعاناة مئات العائلات، التي خسرت كل ما تملك بسبب احتلال داعش للمحافظة"، مناشداً الحكومة بـ"تخفيف شروطها لعودة الموظفين الموصلين، وصرف مستحقاتهم المالية المتراكمة".
وذكرت جهات حكومية أنّ "الحكومة أعادت أغلب الموظفين في أغلب وزارات الموصل، وأنّ الموظفين يسعون للحصول على رواتبهم التي لم يحصلوا عليها أثناء هجرتهم، أي في الوقت التي لم يقدموا فيها خدمة للدوائر في تلك الفترة".
وقال مسؤول قريب من مكتب رئيس الحكومة، لـ"العربي الجديد"، "لم تكن شروط الحكومة تعسفية، لكن وفقاً لقوانين الدولة ونظام العمل، بأنّ الراتب يجب أن يُصرف للموظف، مقابل خدمة يقدمها لدائرته ضمن تخصصه"، معتبراً أنّ "هؤلاء الموظفين تركوا العمل ومنهم تركوه لثلاث سنوات وأكثر، ولم يباشروا العمل في أي محافظة، واليوم يطالبون بمستحقات". وأكد أن "الحكومة لا تستطيع تجاوز قوانين العمل، وعلى الموظفين أن يثبتوا رسمياً أنّهم لم يتركوا العمل، وأنّهم باشروا في دوائر بمحافظات أخرى".
ولا توجد إحصائية رسمية بأعداد الموظفين الموصليين الذين تضرروا نتيجة الشروط الحكومية، لكن أغلب مسؤولي الوزارات في المحافظات جزموا بأنّ أعدادهم تبلغ المئات، وهم يعيلون عائلات كبيرة. وأثارت تلك الشروط الحكومية انتقاد مراقبين، ممن عدّوها شروطاً لم تغلب الجانب الإنساني للمحافظة التي تعرضت للتخريب والدمار نتيجة احتلال "داعش" لها، وأنّ تلك الشروط لها تأثيرات سلبية على عدم عودة النازحين، وعلى استقرار المحافظة بشكل عام.