في مثل هذا الوقت من العام الماضي في اليمن، انتشرت الدبابات والآليات العسكرية في المربع الأخير الذي كان محور نفوذ حراسة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، من منطقة السبعين، مروراً بالحي السياسي وحتى منطقة الثنية (مأرب)، التي يقع فيها منزله. هناك لفظ صالح أنفاسه الأخيرة، ليرث الحوثيون كل ما تركه حاكم اليمن لأكثر من ثلاثة عقود في العاصمة صنعاء على الأقل، بينما تحول أفراد عائلته الموجودون يومها، إلى أسرى وقتلى أو فارين ومُلاحقين. وفيما تخلصت الجماعة بعد قتلها صالح، الذي انشق عن التحالف معها رسمياً قبل يومين من مقتله، من عبء الشريك اللدود وفرضت سلطتها المطلقة في العاصمة صنعاء ومختلف المناطق الخاضعة لها، إلا أنها بعد عام من مقتله تصارع للحفاظ على المنفذ البحري الخاضع لسيطرتها في الحديدة غرباً، وهي المعركة التي تعني الكثير بالنسبة لمناطق سيطرة الجماعة، تحضر فيها من جملة ما يحضر، تبعات المعركة مع صالح.
في هذا السياق، ووفقاً لما كشفته مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، فإن "الحوثيين سعوا على مدى الأشهر التي تلت مقتل صالح، الذي لا يزال مصير جثمانه غامضاً إلى اليوم، إلى تغيير وإزالة معالم كل ما له علاقة به، ابتداءً من تغيير اسم مسجد الصالح، الصرح المعماري الأبرز في صنعاء، مروراً بسلسلة من الإجراءات والقرارات التي أصدرتها الجماعة، على مدى عام مضى. وفيها فرضت ما تريد بعدما تخلصت من الشريك الذي أمّن لها دخول العاصمة صنعاء والانقلاب على الشرعية وخاض إلى جانبها معارك عسكرية قبل أن تنقلب عليه، لتغدو صنعاء اليوم كما لو أنها محافظة صعدة، التي سيطر فيها الحوثيون منذ سنوات وفرضوا قوانينهم وأنظمتهم الأمنية الخاصة. كما قاموا بعملية مراجعة وفصل لعشرات الآلاف من الموظفين، في مقابل عمليات التوظيف والتعيينات المستمرة لعناصر الجماعة".
ولطالما كانت صنعاء مركز نفوذ صالح على مدى سنوات حكمه، وحتى في المرحلة الانتقالية التي تلت الثورة الشعبية في عام 2011، إلا أنه منذ تحالف صالح مع الجماعة تبدلت الأحوال كثيراً. وتُرجم ذلك في أواخر عام 2014، حين اجتمع الحوثيون وصالح في تحالف تكتيكي مؤقت. والحوثيون عبارة عن جماعة مسلحة طامحة إلى بسط سلطتها على عاصمة الحكم في اليمن، والتقت مع الآخر بهدف الانقلاب على سلطة الرئيس عبدربه منصور هادي، ولدوافع انتقامية من الأطراف التي ساندت الثورة الشعبية خلال عام 2011. وفي واقع الأمر، فإن كلاً من صالح والحوثيين، كان يعلم أن بقاءه سيظل مرهوناً بالقضاء على الآخر في المرحلة التالية للانقلاب، لجملة أسباب، ليس أقلها عداوة الحروب الست بين الحكومة اليمنية برئاسة صالح والحوثيين بين عامي 2004 و2010.
بعد سيطرة الحوثيون وأنصار صالح على صنعاء وطرد الحكومة الشرعية، كان اليمنيون يترقبون انفجار الوضع بين الطرفين في أي لحظة، قبل أن تأتي عمليات التحالف العسكرية لتطيل من عمر تحالف الحوثيين وصالح، إذ اجتمعا تحت إطار مواجهة خصم مشترك، وبمجرد أن بدأ التحالف يعطي إشارات بالحوار مع صالح خلال عام 2017، بدأ الحوثيون بإعداد العدة للمعركة التي لطالما أيقنوا أنه لا بد منها. واعتباراً من مايو/ أيار 2017، بدأت الخلافات تتفاقم على نحو غير مسبوق، وصولاً إلى الثاني من ديسمبر/ كانون الأول 2017، عندما دعا صالح للانتفاضة ضد الحوثيين. وكانت الجماعة حينئذٍ قد اتخذت جميع الاحتياطات العسكرية، وتمكنت من حسم المعركة وقتل الرجل القوي الذي عجز خصومه على مدى عقود عن الوصول إليه، بل إنه كان قد قام بتفصيل المؤسستين العسكرية والأمنية والتحالفات القبلية في محيط صنعاء بما يحميه، ليبدو وحيداً أمام الحوثيين الذين سهل اجتياحهم للعاصمة صنعاء، واعتقد أنهم حصان طروادة الذي سيعيده إلى الحكم، بينما كانوا الأسرع وصولاً إلى رأسه. وبات أقصى ما يستطيع فعله مناصروه، هو كتابة بعض العبارات على الجدران تهاجم الحوثيين، فيما بقي معظم المحسوبين على حزب المؤتمر الشعبي العام في حكومة الحوثيين، في وضع يشبه الإقامة الجبرية ويمارسون مهامهم ولو شكلياً، تحت إمرة وتوجه الجماعة، التي أفرجت عن المئات ممن اعتقلتهم خلال أحداث ديسمبر الماضي، وما زال مصير آخرين، من القادة العسكريين على وجه التحديد، مجهولاً حتى اليوم.
في هذا السياق، قال الصحافي فتحي أبو النصر، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد مقتل صالح، استفرد الحوثي في الشمال وانقسم المؤتمر؛ ثم سعت قوى قبلية أو من بقايا الحرس المحسوبة على صالح وابن شقيقه طارق للبحث عن توازنات تستوعبها". وأضاف أن "المهم في هذا كله هو أن القوى التي سيطرت على صنعاء والمحتفظة بملفات إدارة صالح لليمن على مدى قرابة أربعة عقود، هي التي تساوم بهذه الملفات الأمنية والسياسية الحساسة الآن مع الرياض وواشنطن".
وبصورة مجملة، بدا أن الحوثيين وبعد عام على قتلهم صالح، نجحوا في إزالة الخطر الذي كان يهدد سيطرتهم في العاصمة اليمنية، وراهن عليه التحالف السعودي الإماراتي، في أيامه الأخيرة، بتغيير المعادلة عسكرياً بصنعاء ضد الحوثيين. وعلى مدى العام الماضي، تبخرت الادعاءات والتصريحات عن تحضيرات التحالف وقوات الشرعية للتحرك نحو صنعاء، بالاستفادة من وجود الحوثيين كطرف وحيد لا يتمتع بالقبول لدى الغالبية من اليمنيين.
في مقابل صنعاء، كان الحوثيون بعد قتلهم صالح على موعدٍ مع كابوس التصعيد العسكري في الحديدة، والذي حشدت له القوات الحكومية المدعومة من التحالف بواجهة إماراتية، وانضم إليه العسكريون الناجون من قوات صالح، بقيادة العميد طارق صالح (نجل شقيق الرئيس الراحل)، والذي كان قائداً لقواته لحظة الهزيمة، وتمكن من المغادرة إلى عدن، وهناك دعمته الإمارات بلملمة ما استطاع من القوات التي كان يقودها والتجنيد من أنصار حزب المؤتمر، لينضم إلى معركة الساحل الغربي، ولكن من طرف التحالف.
ومع بدء معركة الحديدة، اتهم الحوثيون قوات موالية لطارق صالح كانت في صف الجماعة، بالمسؤولية عن تسليم مديرية الخوخة، أولى مناطق الحديدة المحاذية لسواحل تعز، والتي خسرها الحوثيون في ديسمبر العام الماضي، وبعد عام من المعركة الكبرى في صنعاء، وصلت القوات المدعومة من التحالف إلى الأطراف الشرقية والجنوبية لمدينة الحديدة، إلا أن الجماعة في المقابل، استماتت ودفعت بتعزيزات مستمرة للحفاظ على سيطرتها في المدينة، المصنّفة شرياناً حقيقياً بالنسبة لبقية مناطق شمال البلاد. واستفادت الجماعة في السياق، من الضغوط الدولية، التي رأت أن هجوم الحديدة مغامرة مجهولة العواقب، هددت وصول المساعدات الإنسانية والواردات التجارية. مع ذلك، فإن الواضح حتى اليوم، هو أن الحوثيين باتوا سلطة مطلقة في صنعاء بما هي مركز الدولة وحاضرة اليمن الأبرز، ومهددين بفقدان الحديدة، كثاني أهم المدن شمالاً بعد العاصمة.