دخل الرئيس العراقي برهم صالح على خط أزمة تشكيل الحكومة، خاصة أنه لم يبق سوى أسبوعين فقط على انتهاء مهلة رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي لتشكيل حكومته أو اللحاق بسلفيه المكلفين محمد علاوي وعدنان الزرفي، في ظل استمرار الخلافات بينه وبين القوى السياسية الرئيسة المسؤولة عرفاً وليس قانوناً عن ملف تشكيل الحكومة، وفقاً للمحاصصة الطائفية التي بُنيت عليها العملية السياسية في العراق، والتي تتركز على إصرار الكتل السياسية العربية الشيعية على تغيير الكاظمي تشكيلته الوزارية، واعتماد أخرى تراعي ترشيحات الكتل السياسية لكل منصب، وتحفظاتهم أيضاً.
وفي جديد مشهد أزمة تشكيل الحكومة العراقية، التي تدخل شهرها الخامس على التوالي، أكدت مصادر سياسية في بغداد لـ"العربي الجديد" دخول برهم صالح على خط الأزمة كطرف وسيط لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، محذراً، في الوقت ذاته، من خطورة إفشال مهمة الكاظمي على غرار رئيسَي الوزراء السابقين اللذين كُلِّفا في الأشهر الثلاثة الماضية، محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي، وملوحاً في الوقت نفسه بخيار طلب حلّ البرلمان العراقي، وإجراء انتخابات مبكرة إذا لم تتشكل الحكومة.
وأخفق الكاظمي في الأسبوعين الماضيين في التوصل إلى اتفاق مع القوى السياسية بشأن تشكيلته الوزارية، إذ رفضت غالبية القوى السياسية الشيعية أغلب أسماء وزرائه المرشحين في اجتماع عقده معهم نهاية الأسبوع الماضي.
وتجاوز رئيس الوزراء العراقي المكلف نصف المهلة الدستورية المحددة له لتقديم تشكيلته الحكومية إلى البرلمان للتصويت عليها، إذ كلفه الرئيس العراقي، في التاسع من شهر إبريل/نيسان الحالي، بحسب الدستور، فإن أمام الكاظمي شهراً واحداً لتقديم تشكيلته للبرلمان من أجل التصويت عليها، ينتهي في التاسع من الشهر المقبل، وسط مخاوف من تكرار سيناريو محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي معه.
وقالت مصادر سياسية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، إن "برهم صالح بدأ بالتحرك نحو زعامات سياسية مختلفة، بهدف حلحلة الأزمة بينها وبين رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي، إذ لا تزال كتلتا "دولة القانون"، و"الفتح"، على وجه التحديد، أبرز الرافضين لكابينة الكاظمي الوزارية، وتشترطان مرشحين للوزارات من خلالهما، فضلاً عن الخلافات الحاصلة بين الكتل نفسها حول الوزارات، وما تعتبره أحقيتها بها، مثل وزارة الداخلية التي تتصارع عليها ثلاث كتل سياسية، هي "بدر"، و"سائرون"، و"دولة القانون"، ووزارة الدفاع التي تشهد خلافات حادة بين القوى والكتل السنية من جهة، وبين كتلة "الوطنية"، بزعامة إياد علاوي، فضلاً عن وزارات الخارجية والنقل والصناعة والتربية".
وبينت المصادر أن "صالح عقد في الساعات الماضية اجتماعات مختلفة مع زعماء وقيادات سياسية للتوصل إلى حل سياسي، محذراً من خطورة الأوضاع في العراق وضرورة وجود حكومة كاملة الصلاحيات، ونبّه إلى خطورة إفشال مهمة الكاظمي، ملمّحاً في الوقت نفسه إلى أن إخفاق ثالث رئيس وزراء مكلف يعني أن الخلل بات بالكتل البرلمانية وليس برئيس الوزراء، وعليه يكون خيار حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة أسلم الطرق".
من جانبه، عبّر النائب عن تيار "الحكمة"، علي البديري، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، عن خشيته من "وجود سيناريو للكاظمي يشابه سيناريو الزرفي ومن قبله علاوي"، مبيناً أن "إفشال مهمة كل رئيس وزراء مكلف يُرشَّح قد يكون متعمداً ومتفقاً عليه من أجل إبقاء الحكومة الحالية، برئاسة عادل عبد المهدي، وإبقاء الوضع على ما هو عليه".
وذكر البديري أن "هناك أملاً بعد تحرك رئيس الجمهورية برهم صالح، نحو الكتل السياسية، لإقناعها بتقليل شروطها وطلباتها من الكاظمي".
وتابع بأن "اليومين القادمين سيكونان حاسمين لحل الخلافات والاتفاق والتوافق على تمرير حكومة الكاظمي، أو إفشال هذه الجهود، وتقديم الكاظمي اعتذاره، لكن نتوقع أن يغير تدخل الرئيس العراقي الكثير من المواقف دعماً للكاظمي".
من جانبه، قال سعد المطلبي، القيادي في ائتلاف دولة القانون، بزعامة نوري المالكي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "أغلب القوى السياسية السنية والشيعية اتفقت على أن تكون الترشيحات في الكابينة الوزارية لحكومة مصطفى الكاظمي من خلالها وعلى مسطرة واحدة"، مبيناً أن "عدم التزام رئيس الوزراء المكلف هذه القواعد مع القوى السياسية من مختلف المكونات سيواجه برفض منحه ثقة البرلمان".
وأوضح المطلبي أن "الكاظمي ما زال يسعى إلى إقناع القوى السياسية المعترضة، لكن في توقعي هناك شكوك في أن ينجح في مهمته".
وأضاف أن "تدخل رئيس الجمهورية لحل الخلافات أمر إيجابي، ويمكن أن يحصل بعض التغيير بالأزمة، خصوصاً أن القوى السياسية ليست متشددة لدرجة التزمت بمواقفها تجاه الكاظمي، لكنها تريد منه التعامل بعدالة وبذات المسطرة مع الجميع".
وتدخل حكومة تصريف الأعمال العراقية، برئاسة عادل عبد المهدي، شهرها السادس يوم الخميس المقبل، بالتزامن مع خلافات سياسية تواجه تشكيلة الكاظمي، الذي يعد المكلف الثالث لتشكيل الحكومة منذ استقالة عبد المهدي في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، بعد محمد توفيق علاوي الذي فشل في تمرير حكومته في البرلمان، وعدنان الزرفي الذي انسحب بسبب المعارضة السياسية الكبيرة لتكليفه تشكيل الحكومة.