تركة بريمر الثقيلة: سياسيون يراجعون سيرة الحاكم الأميركي للعراق

12 مايو 2020
17 عاماً على وصول بريمر إلى العراق (Getty)
+ الخط -
لا تعصف أزمة سياسية بالعراق، من دون استذكار ما بات يوصف اصطلاحاً بـ"إرث بريمر"، في إشارة إلى الحاكم المدني للعراق عقب الغزو الأميركي، بول بريمر، والذي وصل في مثل هذا اليوم إلى العاصمة بغداد عام 2003 ليتولى مهام إدارة السلطة المؤقتة هناك.

ويحمّل سياسيّون ومراقبون عراقيون بريمر جملة من الأخطاء التي تسببت بتعثر العراق على طريق الوصول إلى الاستقرار، وأبرزها حل الجيش العراقي والأجهزة الأمنية وقوات حرس الحدود، وسن المحاصصة الطائفية في العملية السياسية عبر مجلس الحكم الذي حوّل أعضاءه إلى أقرب ما يكون بمستشارين له، ودعْم أحزاب وقوى على حساب الأخرى، والبذخ في الإنفاق عليها، وتشكيل لجنة غير كفوءة لكتابة الدستور العراقي، والسكوت على عمليات فساد مالي ضخمة جرت في العراق، عدا عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتشريع قوانين عرفية مؤقتة ما زال حتى الآن معمولا بها، أبرزها حل وزارة الأوقاف وخلق دواوين للوقف السني والشيعي والمسيحي، وإعادة طباعة مناهج تعليمية بنفس طائفي، وترسيخ وخلق أزمة المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل التي تحولت فيما بعد إلى ما يعرف بالمادة 140 بالدستور.

وبمعزل عن أن بعض قوانين بريمر ما زالت نافذة حتى الآن، فإن الحصة الأثقل من تركته كانت في الشق المتعلق بدعم الطائفية السياسية، وإقصاء المدنيين، أو عدم الإيمان بقدرتهم على النهوض بالعملية السياسية. وبحسب شهادة عضو الحزب الشيوعي العراقي علي فاضل، فإن بريمر، ومنذ لحظة وصوله، تعامل مع الحزب الذي يعتنق القيم الماركسية "وكأننا في أيام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي"، في إشارة إلى إقصائه أحزاباً وتقديمه أحزاباً أخرى، واصفًا إياه، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بأنه "من مؤسسي ثقافة الفساد المالي في العراق عبر اختياراته السيئة للأشخاص، كما أنه كان جاهلا بطبيعة المجتمع العراقي".

ويستذكر النائب في البرلمان العراقي، كريم المحمداوي، في حديث مع "العربي الجديد"، بريمر بوصفه "واضع أول لبنة للطائفية السياسية والمحاصصة في العراق"، وأنه "اتخذ خطوات، وخلق فوضوية وفقاً للمصالح الأميركية لا مصالح العراقيين، خصوصاً أن بعض هذه القرارات ما زال نافذًا ومعمولًا به في الدولة العراقية".

وأضاف: "البرلمان العراقي عمل على إلغاء بعض القرارات التي اتخذها بول بريمر، إبان حكمه العراق وسيعمل على إلغاء قسم آخر منها، خلال الدورة التشريعية البرلمانية الحالية، وحتى المقبلة؛ فهناك قرارات لا تصب في مصلحة العراق".

وختم بالقول: "التجربة الأميركية في العراق كانت فاشلة جداً، وهي التي جلبت الحروب والويلات لهذا الشعب، طيلة الـ17 سنة الماضية".

من جانبه، يقول وائل عبد اللطيف، الذي كان عضواً في "مجلس الحكم الانتقالي" الذي اختار بريمر أعضاءه عقب الاحتلال، لـ"العربي الجديد"، إن "بول بريمر عندما أتى إلى العراق، كان يملك السلطة التنفيذية والقضائية والتشريعية؛ فكل السلطات كانت بيده حصراً".

ويضيف: "بريمر أصدر أكثر من 100 أمر وقرار تشريعي تفصيلي، وعمل أكثر مما عمل أعضاء مجلس الحكم العراقي المؤقت في تلك الفترة، من حيث إصدار القرارات والتشريعات".

وشرح قائلًا: "كان يعقد اجتماعاً مطولاً، يوماً في الأسبوع، مع أعضاء مجلس الحكم، لمناقشة القرارات الهامة والتصويت عليها، ومنها أذكر فصل البنك المركزي عن وزارة المالية، وفصل مجلس القضاء عن وزارة العدل، وتأسيس أول لواء للجيش العراقي الجديد بعد حل القديم، الذي هو حالياً الفرقة الذهبية، وغيرها من القرارات".

لكن عبد اللطيف لا يعتقد، في الوقت نفسه، أن لبريمر "علاقة بقضية بناء منظومة المحاصصة والطائفية أو تشريع الفساد"، معلّلًا ذلك بأنه "كان غير راضٍ على أغلب أعضاء مجلس الحكم، باستثناء ثلاثة أو أربعة منهم، لكن كان هناك حينها تقسيم آخر؛ وهو معارضة الداخل ومعارضة الخارج، وأيهما أحق بالتصدر أو العمل والدخول بمجلس الحكم".

وأضاف: "بعض القرارات التي اتخذها بول بريمر، ربما يجب أن تعدل وتلغى، وفق مرور الزمن، وهذا القرارات جاءت لتأمين سلامة الدولة العراقية، وتأمين سلامة العملية السياسية في العراق آنذاك".

من جانبه، يرى القيادي في جبهة الإنقاذ والتنمية أثيل النجيفي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "بريمر، كان مجرد سفير يمثل استراتيجية بلاده، في تلك المرحلة"، ويدّعي أن "الولايات المتحدة الأميركية لم تكن لديها خطة لبناء الدولة، وتركت مشروع بناء الدولة على عاتق الشخصيات والقوى التي شاركت بالعمل السياسي مع انطلاق العملية السياسية بعد سقوط نظام صدام حسين".

ويضيف أن "هذه الشخصيات والقوى السياسية لم تكن متفاهمة في ما بينها، وكانت الغلبة لأتباع المشروع الإيراني، الذين يمثلون الأحزاب الإسلامية؛ فهم الوحيدون الذين امتلكوا مشروعا سياسيا في وقتها، وباقي الأطراف كانت لها رؤى وأحلام، لكن هؤلاء لم تكن لديهم أدوات للعمل؛ فالأدوات كانت بيد القوى الإسلامية".

وتابع أن "القوى الإسلامية استطاعت ركوب موجة الفوضى الخلاقة، التي استخدمتها الولايات المتحدة الأميركية في العراق، ثم ما أكمل هذه الفوضى هو المشروع الإيراني، وهذه المشاريع ضربت بنية الدولة العراقية، ووصلنا إلى الوضع الذي نحن عليه حالياً، بسبب الأحزاب الإسلامية التي حكمت العراق".

وأشار إلى أن "بول بريمر، ليست له علاقة بقضية بناء النظام في العراق وفق المحاصصة والطائفية، لكن القوى السياسية العراقية، اتفقت على هذا الأمر، عندما كانت في الخارج، قبل حتى سقوط نظام صدام حسين، من خلال المؤتمرات والاجتماعات، التي كانت تعقدها خارج البلاد".

وختم القيادي في جبهة الإنقاذ والتنمية حديثه، بالقول إن "قرارات كثيرة أصدرها بول بريمر، لم تكن موفقة. والإبقاء على هذه القرارات حتى الآن، دليل على فشل وعجز الدولة العراقية، عن معرفة ما يصلح لها من قرارات... البقاء على نفس القرارات الخاطئة، يعني أننا نعيش في دولة عاجزة".

بالمقابل، قال المحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي، لـ"العربي الجديد"، إن "بول بريمر، أساء إدارة ملف حكم العراق، لكن هذا لا يعني أنه يجب على القوى العراقية الاستمرار في هذه الإساءة، طيلة السنوات الماضية، فكان على القوى السياسية التي قادت العراق تصحيح المسار الخاطئ، الذي أسسه بول بريمر".

وبيّن أن "القوى السياسية العراقية، عندما استلمت ملف إدارة العراق، ازداد سوء إدارة البلاد والفساد والطائفية والمحاصصة، خصوصاً أن هذه القضايا هي نزعة حزبية لدى الأطراف السياسية العراقية، والدليل أنهم لغاية الآن متمسكون بهذه الأمور رغم مرور 17 سنة على ترك بول بريمر حكم العراق".


واعتبر أن "القوى السياسية هي التي أسست المحاصصة والطائفية، وحتى الفساد، ولم يكن لديها أي مشروع وطني، منذ بدء العمل السياسي بعد سقوط نظام صدام حسين، ولهذا فإن القوى المعارضة، هي التي تتحمل بناء منظومة الفساد والمحاصصة والطائفية".

المساهمون