تلقّى النظام المصري صفعةً أفريقية في ملف سدّ النهضة الإثيوبي، بعد رفض دول تمثّل ثِقلاً في الاتحاد الأفريقي، تبنّي المخاوف المصرية بشأن السدّ، وانحيازها إلى الموقف الإثيوبي.
وبحسب مصادر دبلوماسية مصرية رفيعة المستوى تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن القاهرة خاطبت عدداً من القوى والدول الأفريقية صاحبة النفوذ في الاتحاد الأفريقي، الذي تترأسه مصر في الوقت الراهن، بشأن طلب دعم مخاوفها وملاحظاتها حول سدّ النهضة، ومحاولة انتزاع موقف رسمي من الاتحاد، الذي تستضيف أديس أبابا مقره، لدفع إثيوبيا إلى التجاوب مع المفاوضات التي بدأت منذ نحو ستة أعوام.
وأوضحت المصادر أن مشاورات مصرية على المستوى الرئاسي جرت على هامش اجتماع قمة السبع الكبار التي استضافتها فرنسا أخيراً، سعى خلالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى استمالة مواقف بعض الرؤساء الأفارقة، في محاولة لتشكيل ضغط على أديس أبابا عبر الاتحاد الأفريقي، وهي محاولات باءت بالفشل، خصوصاً بعدما تلقت مصر أيضاً مخاطبات رسمية من دول أفريقية أخرى حملت مواقف سلبية بشأن الملف ذاته.
وقال مصدر دبلوماسي مصري رسمي: "للأسف تتمتع إثيوبيا بثقلٍ كبير في القارة الأفريقية، وتربطها علاقات مشتركة ووثيقة مع غالبية القوى الأفريقية الأبرز على الساحة في القارة السمراء، وهو النفوذ الذي لم تستطع القاهرة اختراقه على الرغم من التوجهات في الوقت الراهن بالانفتاح بشكل أوسع على أفريقيا". وبحسب المصدر، فإن القاهرة لجأت إلى طلب الدعم الرسمي أخيراً من الجامعة العربية بعد فشل التحركات على المستوى الأفريقي لدفع أديس أبابا للتجاوب مع المطالب المصرية بشأن مفاوضات السد.
وكشف المصدر أن أديس أبابا تتمسك برفضها التام للتصورات المصرية بشأن تشغيل وعدد سنوات ملء خزان السد، موضحاً أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أبلغ نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باستحالة التعاطي مع المقترح المصري الذي يحدد ما لا يقل عن سبع سنوات كفترةٍ محددة لملء خزان السد وربط ذلك بحجم الفيضان كل عام.
وأشار المصدر إلى أن حديث رئيس الوزراء الإثيوبي لنظيره الإسرائيلي جاء بعد تجديد مصر مطلبها من نتنياهو الوساطة ومحاولة إقناع إثيوبيا بالمرونة وفتح آفاق أوسع لعملية المفاوضات، استناداً إلى النفوذ والعلاقات الإسرائيلية القوية لدى إثيوبيا والتعاون المشترك بينهما في مجالات الطاقة والمياه والزراعة. يذكر أن أديس أبابا دشنت أخيراً منظومة دفاع جوي بتكنولوجيا إسرائيلية لتأمين السد، على الرغم من الاحتجاج المصري لدى تل أبيب لمنع تسليم تلك المنظومة لإثيوبيا.
من جهته، لفت دبلوماسي غربي في القاهرة، إلى أن الخطوة المصرية الأخيرة المتعلقة بدعوة الخارجية المصرية عدداً من السفراء الأوروبيين في القاهرة لإطلاعهم على الموقف الإثيوبي المتعنّت في المفاوضات وما سمّته مصر بالمراوغات، جاءت للضغط على تلك القوى الأوروبية ودفعها لدعم الموقف المصري عبر ملفات دولية وإقليمية تعتمد فيها على النظام المصري، وفي مقدمها مكافحة الهجرة غير الشرعية.
وقال الدبلوماسي الغربي لـ"العربي الجديد"، إن الخارجية المصرية طرحت خلال الاجتماع رؤية أشمل ومنظوراً مختلفاً للأزمة وتأثيراتها على استقرار دولة بحجم مصر، وما يمكن أن يسبّبه ضرب هذا الاستقرار من أزمات دولية. كذلك طرحت القاهرة مسألة إمكانية انشغالها أيضاً عن مكافحة الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا نظراً لحجم الأزمة الذي من الممكن أن يسبّبه نقص الحصة المصرية من المياه، والذي من شأنه التأثير بشكل مباشر على نحو مليون أسرة مصرية تعمل في مجال الزراعة، بحسب قوله.
وكشف الدبلوماسي الغربي أن "هناك تقديرات استخبارية غربية لا تستبعد إمكانية لجوء مصر إلى عمل عسكري أو تخريبي للسد". وأكد أن الموقف المصري على مستوى التفاوض يعد ضعيفاً، خصوصاً "بعد توقيع الرئيس السيسي على اتفاق المبادئ عام 2015 في السودان، الذي أكسب إثيوبيا قوة دفع هائلة مكّنتها من امتلاك زمام الأزمة".
وقال الدبلوماسي إن "ذلك الاتفاق كان مكسباً كبيراً لإثيوبيا، في حين كان حسن نيّة مبالغاً من القيادة المصرية، إذ سمح المفاوض المصري للجانب الإثيوبي بحلول وضمانات كافية لإكمال بناء السد من دون السماح باللجوء لأي تحكيم دولي في حال الاختلاف، وحدد الاتفاق آليات يمكن اللجوء إليها وحصرها في الذهاب إلى مفاوضات بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا".
وكان نائب وزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية السفير حمدي لوزا، قد دعا في 12 سبتمبر/أيلول الحالي، سفراء الدول الأوروبية المعتمدين لدى القاهرة لإطلاعهم على آخر مستجدات المفاوضات الخاصة بسد النهضة الإثيوبي، معرباً بحسب بيان رسمي صادر عن الخارجية عن عدم ارتياح مصر لطول أَمَد المفاوضات، موضحاً أن مصر قدّمت للجانب الإثيوبي طرحاً عادلاً لقواعد ملء وتشغيل السدّ يحقق أهداف إثيوبيا في توليد الكهرباء منه ويحفظ في الوقت ذاته مصالح مصر المائية، وهو طرح مبني على المناقشات التي تمّت بين البلدين في هذا الشأن، وعلى الالتزامات الواردة في اتفاق إعلان المبادئ الموقع في 23 مارس/آذار 2015 في الخرطوم، الذي يقضي باتفاق الأطراف الثلاثة على قواعد الملء والتشغيل لسد النهضة.
وأكد لوزا أهمية سير المفاوضات بحسن نيّة في مناقشة كافة المقترحات، بما فيها الطرح المصري، وأن رفض ذلك يعني الإصرار على فرض رؤية أحادية من دون الاكتراث بمصالح الآخرين أو الاهتمام بتجنُّب الأضرار التي ستقع على دولتيّ المصب، وبالأخص مصر التي تعتمد على نهر النيل كشريان للحياة للشعب المصري.
كما كشف الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، خلال مؤتمر صحافي عقده في ختام الدورة الـ152 لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري، أن وزير الخارجية المصري سامح شكري تقدّم بإحاطة للمجلس الوزاري بنتائج المفاوضات المصرية الإثيوبية حول سدّ النهضة. وأضاف أبو الغيط أن شكري طرح الصورة، وأشار إلى الصعوبات التي تواجه مصر في هذا الموضوع.
وفي التاسع من سبتمبر/أيلول الحالي، أكد وزير الري المصري محمد عبد العاطي، أن "عدم وصول مصر لاتفاق مع إثيوبيا حول سدّ النهضة، سيؤثر سلباً على الأمن الغذائي المصري"، مشيراً خلال الجلسة الافتتاحية لورشة العمل الإقليمية، إلى أن السد قد يخفض حصة مصر من المياه بنسبة 2 في المائة، ما يهدد ببوار 200 ألف فدان، وحدوث مشاكل لما يوازي مليون أسرة تقريباً.