فصول "اختفاء" أحمد شفيق قبل ظهوره وانقلابه على مواقفه

04 ديسمبر 2017
نفى شفيق أن يكون تعرّض للاحتجاز (مروان نعماني/فرانس برس)
+ الخط -
بين "اختفاء" رئيس الوزراء المصري الأسبق، أحمد شفيق، منذ وصل إلى القاهرة مساء السبت بعد ترحيله من الإمارات حيث حلّ الغضب عليه، و"ظهوره" مساء الأحد، هاتفياً، منقلباً على رغبته بالترشح للانتخابات الرئاسية، وعلى خطابه الرافض لتدخل الإمارات في الشأن المصري، ونافياً رواية أهله ومحاميته عن احتجازه من قبل السلطات المصرية، مرت 24 ساعة كانت مليئة بالغموض والإثارة تكشف "العربي الجديد" بعض فصولها. 

المؤكد أنه تم التحفظ على شفيق في أحد الفنادق الكبرى القريبة من مطار القاهرة، مع انتقال فريق من الشرطة لفرض حراسة مشددة على منزله في ضاحية التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة، وعدم تمكينه من لقاء شقيقته ونجلها، وأعضاء حزبه "الحركة الوطنية" الذين توافدوا لاستقباله في المطار، وكذلك فشل جميع وكلائه القانونيين ومحاميه في التواصل معه هاتفياً، أو اللقاء به.

وزاد الوضع غموضاً خروج ابنتي شفيق، أميرة ومي، في تصريحات صحافية متشابهة لوكالات أنباء للتأكيد على فشلهما في التواصل مع والدهما، وأنهما تعتبران أنه "مختطف" وتنويان تقديم بلاغ للنائب العام المصري لإثبات حالة اختفائه قسرياً. ثم أصدرت محامية شفيق، دينا عدلي حسين، أمس الأحد، بياناً ناشدت فيه السلطات المصرية، بصفتها محامية شفيق والموكلة عنه وعن بناته الثلاث، "تمكينها من لقائه للاطمئنان عليه والتثبت من وصوله فعلاً إلى مصر"، وهو ما ينفي محاولات بذلها إعلاميون مصريون موالون لوصف التعامل مع شفيق فور عودته بأنه طبيعي، وأنه يلقى معاملة كريمة، ويتحرك من دون مشاكل، لحد تسريب صورة له في ساحة الفندق الذي يقيم فيه وهو يأكل الفاكهة.

هذه المحاولات تقاطعت مع تصعيد إعلامي رسمي غير مسبوق، عبر الصحف ووسائل الإعلام الرسمية، وكذلك الخاصة القريبة من النظام أو التي استحوذت عليها أجهزة النظام قريباً، لشيطنة شفيق وتصويره كشخصية سياسية غير مرغوب بها ومتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين، ومسيء للعلاقات بين مصر والإمارات. وكررت القناة الفضائية المصرية في نشرات أخبارها نبأ منسوباً إلى "مصادر مقربة من جماعة الإخوان المسلمين" زعمت فيه أن الجماعة أصدرت تعليمات لقواعدها بالتحفظ إزاء الأحداث الجارية بين النظام المصري وشفيق، والبدء في دعم شفيق بعدما يخوض رسمياً انتخابات الرئاسة. ووضعت النشرة عنواناً عريضاً على الشاشة نصه "عاجل: تنظيم الإخوان: لن ندعم شفيق إلا بعد ترشحه رسمياً للرئاسة". وكانت هذه المرة الأولى التي يبث فيها التلفزيون الرسمي، المتحدث باسم الدولة، خبراً عن شفيق، بالتزامن مع ترحيله من الإمارات، قبل أن يشارك الرجل، ليل الأحد، في اتصال هاتفي مع الإعلامي الموالي وائل الإبراشي على قناة "دريم 2" ليقدم رواية لم يصدقها كثيرون لناحية تفسير ما حصل في الساعات الـ24 المليئة بالألغاز. وقال شفيق إنه ليس مختطفاً أو محتجزاً، وإنه تم استقباله بصورة احتفالية وبحفاوة في المطار فور عودته من الإمارات إلى القاهرة. وبدا أن شفيق يتراجع في ما يتعلق برغبته في خوض الانتخابات الرئاسية عندما اعتبر أن الأمر بحاجة لدراسة متأنية منه. وأكثر ما كان غريباً في رواية شفيق، هو ما يتعلق بالتسجيل الذي أعده لانتقاد الإمارات والذي قال إنه "تم تسجيله لاستخدامه في مرحلة لاحقة، في حالة حدوث وقائع معينة بينه وبين الإمارات"، متهماً قناة الجزيرة بالحصول عليه عن طريق القرصنة على الهواتف.

لكن قبل هذه التوبة السريعة من قبل شفيق، أفردت صحيفة "الجمهورية"، صباح أمس، عنوانها الرئيسي لاتهام شفيق بالتنسيق مع "الإخوان" عبر محاميته دينا عدلي حسين. وربطت بين الطبيعة العائلية لدينا، باعتبارها ابنة المستشار عدلي حسين، محافظ المنوفية والقليوبية سابقاً في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وبين تنسيق آخر يجريه شفيق مع قواعد الحزب الوطني المنحل. بل واتهمت عدلي حسين بأنه الذي يقف وراء تلك التحركات. وتكررت هذه الرواية على الموقع الإلكتروني لمؤسسة "الأهرام"، كبرى الصحف القومية المصرية، والموقع الإلكتروني لمؤسسة "الهلال"، وكذلك بعض الصحف الخاصة، وهو ما دفع المحافظ السابق لكتابة تدوينات على صفحته على موقع "فيسبوك" يتوعد فيها تلك الصحف بمقاضاتها أمام المحاكم.



وفي ظل حالة الهجوم الرسمي المطرد على شفيق ومحاولة الإساءة إليه، تواصلت "العربي الجديد" مع عدد من المصادر السياسية والقانونية المقربة لشفيق، والتي حصل بعضها على معلومات من أفراد أسرة شفيق المقيمين في الإمارات، لترسم تلك الأحاديث روايات مبعثرة حول ما حدث خلال الأيام الأخيرة، وما تتوقع المصادر حدوثه خلال الساعات المقبلة. مصدر سياسي مقرب من شفيق قال إنه لم يكن يخطط للعودة إلى مصر قبل السفر إلى عاصمة أو عاصمتين غربيتين، وإنه كان ينوي السفر إلى العاصمة الفرنسية باريس أمس الأحد، لقضاء عدة أيام بها، وكان يبحث أيضاً التوجه منها إلى العاصمة الأميركية واشنطن للقاء قيادات الجالية المصرية في الولايات المتحدة الأميركية، وبعد ذلك كان سيحدد مدى إمكانية العودة إلى مصر. واعتبر أن هذه المعلومات "دليل على كذب التصريحات المنسوبة لإعلاميين مصريين وإماراتيين، ومفادها أن شفيق كان يرغب بالتوجه إلى القاهرة مباشرة هذه الأيام".

وقال المصدر إن "شفيق تواصل مع عدد من السياسيين والإعلاميين المصريين خلال أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني الماضيين، وطلب منهم النصيحة بشأن الموعد المناسب لإعلان ترشحه إلى انتخابات الرئاسة، فطلب منه بعضهم التروي ومراجعة الموقف وجس نبض قيادات الجيش أولاً، فذكر لهم إنه يحظى بتأييد بعض الدوائر داخل أجهزة وصفها بأنها أهم من الجيش، وأنه يرى أن ترشحه هو الفرصة الوحيدة ليتمكن للعودة إلى مصر". وأضاف المصدر "تلقى شفيق تساؤلات صريحة من محدثيه المصريين عن مدى إمكانية إعلان ترشحه من الإمارات، في ظل الاتفاق غير المعلن بين (الرئيس عبد الفتاح) السيسي وحكام أبوظبي على عدم مناقشة عودته إلى مصر إلا بعد الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل. فذكر شفيق، من دون مواربة، أنه لن يعلن ترشحه من الأراضي الإماراتية احتراماً لما قدمه له حكام أبوظبي على مدار 5 سنوات، وأنه سيسافر للإعلان من إحدى العواصم الأوروبية، وأنه تواصل بالفعل مع دبلوماسيين فرنسيين وبريطانيين للاستفسار منهم عما إذا كانت دولهم تمانع في اتخاذه هذه الخطوة". وأشار المصدر إلى أن ما جرى بعد منع شفيق من السفر بحجة حمايته هو وليد تدخل ابنته أميرة في الموقف وتأثيرها القوي عليه، نظراً لحرصها على إقامة علاقات صداقة مع إعلاميين وسياسيين مصريين مقيمين في الخارج، وأنها من دفعته لتسجيل مقطع الفيديو الخاص بتحميل الإمارات مسؤولية منعه من السفر، وأبلغته بأن هذا المقطع سيظل معها إلى حين التأكد من استحالة سفره إلى باريس للالتقاء بمراسلي "رويترز" وإعلان ترشحه للرئاسة في حوار من هناك.

ورجح المصدر أن تكون قناة "الجزيرة" قد حصلت على المقطع المذكور، الذي يستخدم حالياً كدليل اتهام لشفيق بالتعامل مع قطر، من خلال أشخاص وثقت فيهم أميرة ابنة شفيق، وتعاملوا مع الأمر بغرض إحراج النظام الحاكم في مصر وحكام الإمارات في وقت واحد. وأوضح المصدر أن الإمارات كانت قد طلبت من مصر عدم التعرض له وحماية حياته وعدم تقييد حريته إلا بقرارات قضائية مقبولة، ما يطرح على السطح احتمال تحريك إحدى قضاياه قريباً ليصبح التحفظ عليه قانونياً، وبالتالي تبتعد المعركة عن المجال السياسي. وهذه الرواية تدعم سيناريو أن يكون شفيق قد تحرك منفرداً دون الحصول على موافقة إماراتية أو مصرية، سواء عليا أو من أجهزة داخل كل نظام، وأنه اضطر لذلك لرغبته في العودة لمصر، ولأنه منع بالفعل من مغادرة الإمارات، فلم يجد إلا هذه الطريقة للضغط على الطرفين والسماح له بالمغادرة، ريثما يستطيع مواءمة أوضاعه مع دولة أجنبية أخرى أو أجهزة مصرية، كالجيش والاستخبارات.

أسلحة قضائية

وفي سياق آخر، كشف مصدر قانوني عمل مع شفيق لفترة خلال تواجده في الإمارات، أنه طلب من وكلائه القانونيين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي حصراً كاملاً بالبلاغات المقدمة ضده أمام النيابة العامة والنيابة العسكرية والملفات الموجودة لدى قضاة التحقيق والأحكام السابق صدورها في القضايا الخاصة به، وكذلك حصر جميع الدعاوى القضائية والبلاغات التي قدمها بنفسه أو بواسطة محاميه، وذلك ليكون على علم كامل بالأدوات القانونية التي قد يستخدمها النظام ضده في المرحلة المقبلة. وأضاف المصدر أن شفيق تواصل أيضاً مع مسؤولين في وزارة الدفاع، وطلب منهم بيانات تفصيلية عن قضية الكسب غير المشروع وقضية مخالفات وزارة الطيران وتقارير الرقابة الإدارية في كل منهما، لكنه لم يحصل على بيانات شافية، ما جعله متأكداً من إمكانية تحريك هاتين القضيتين له في أي لحظة، وهو ما اعتبره دليلاً على نية النظام المبيتة للتصدي لترشحه المحتمل للرئاسة. واعتبر المصدر القانوني أن اكتشاف شفيق وجود أدوات قانونية للتضييق عليه، وعدم عرضها عليه أو على محاميه، كان نقطة تحول في تعامله مع الأزمة، وأنه لم يفكر في التوجه إلى عاصمة أوروبية لإعلان ترشحه بدلاً من الرهان طوال الوقت على إمكانية العودة للقاهرة، إلاّ بعد تأكده من سوء نية النظام تجاهه وعدم حصوله على دعم إماراتي كافٍ، من وجهة نظره.

وفي ما له صلة أيضاً بالملف القانوني ومدى إمكانية استخدامه سريعاً لتقييد حرية شفيق وإنهاء أحلامه السياسية، كشف مصدر قضائي في النيابة العامة عن أن "تعليمات شفهية وردت من النائب العام إلى جميع النيابات العادية والنوعية، وكذلك نيابة أمن الدولة العليا، بإعداد حصر شامل لجميع البلاغات المقدمة ضد شفيق منذ 2011 وحتى الآن، وتقديم بيانات تفصيلية بما جرى فيها بالحفظ أو التحريك والبراءة أو الإحالة للنيابة العسكرية، أو عدم فتح تحقيق حتى الآن"، مرجحاً أن "يتم الإعلان خلال ساعات من بدء التحقيق مع شفيق في إحدى تلك القضايا". وأضاف أن "المؤشرات تؤكد إصرار النظام على قوننة الوضع التحفظي الذي يعاني منه شفيق حالياً، من خلال تحريك قضايا قديمة ضده"، مرجحاً أن يكون هذا الأمر "بسبب خلافات بين القاهرة وأبوظبي حول التعامل مع شفيق ودوره السياسي المحتمل".

وكشف المصدر عن أن هناك قضيتين أساسيتين ما زالتا متداولتين في مرحلة التحقيقات يمكن تحريكهما "فوراً" ضد شفيق، إلى جانب القضايا الأخرى الخاصة بالكسب غير المشروع والموجودة في النيابة العسكرية. الأولى هي القضية 260 لسنة 2014، بشأن حصول شفيق وأفراد أسرته على الأراضي المبنية عليها مساكنهم الحالية في منطقة غرب الغولف بالتجمع الخامس بالمخالفة للقانون، والتي طلب فيها قاضي التحقيق، من جهاز مدينة القاهرة الجديدة، بياناً بشأن إجراءات تخصيصها لشفيق وظروف تسجيلها بالشهر العقاري، ومدى ملاءمة السعر المدفوع للمنطقة. والثانية هي القضية 753 لسنة 2012 حصر أموال عامة عليا، بشأن عدم أحقية شفيق وأعضاء مجلس إدارة صندوق دعم وتطوير الطيران المدني في صرف مكافآت بما يجاوز مليوني جنيه لكل منهم، إذ أقر الصندوق في ديسمبر/كانون الأول 2015 ببطلان صرف هذه المبالغ، وتعهد للنيابة بإعادتها على دفعات من حسابه لدى البنك المركزي، ولم يتم حفظ القضية بالتصالح حتى الآن. وتدعم محاولات النظام لأخذ أزمة شفيق إلى المعترك القانوني احتمالات أن يكون نظام السيسي غير واثق تماماً من نوايا الإمارات وراء إعادة شفيق لمصر في هذا التوقيت تحديداً، وقلقه من ضغوط إماراتية مستقبلية لدفعه إلى ساحة الانتخابات كمزاحم للسيسي كورقة ضغط، أو كمرشح مفضل لخلافته. وربما يترجم هذا الاحتمال على جانب آخر لغة لوم شفيق أخلاقياً وتعييب ما فعله بدعوى الحرص على التقاليد الداخلية للإمارات التي يتحدث بها الإعلام المصري المقرب للنظام.

المساهمون