تعود مباحثات أستانة، غدا الإثنين، للانعقاد في جولتها التاسعة على وقع تطورات تشهدها الساحة السورية، من عمليات التهجير القسري التي شملت مناطق محيط العاصمة دمشق، بدءا من الغوطة الشرقية، مرورا بالقلمون وجنوب دمشق، وبعض الأحياء الدمشقية، وانتهاء بريف حمص الشمالي، وريف حماة الجنوبي.
ويتصدر ملف المعتقلين محادثات هذه الجولة، مع انعقاد الاجتماع الأول لمجموعة العمل الخاصة بهذا الملف على هامش اجتماع وزراء خارجية الدول الضامنة، تركيا وروسيا وإيران، في مارس/ آذار الماضي، بحضور من الأمم المتحدة، والصليب الأحمر الدولي، ومن المنتظر أن تتخذ خطوات على هذا الصعيد، بحسب المعارضة السورية.
كما أن ملف تشكيل اللجنة الدستورية، وفق مخرجات "مؤتمر سوتشي"، الذي عقد في يناير/ كانون الثاني الماضي، سيكون حاضرا في هذه الجولة مع إعلان المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، مشاركته فيها، إذ بات معلوما أن أفق الحل السياسي تحت ظل الأمم المتحدة أصبح محكوما بالقرار الروسي، وتشكيل هذه اللجنة من النظام والمعارضة والمستقلين، ربما يحرك المياه الراكدة، رغم اعتراض النظام على ذلك.
وستكون مناطق "خفض التصعيد" التي تم قضمها رويدا رويدا منذ الإعلان عن تأسيسها، حاضرة كذلك في الاجتماعات التقنية التي يعقدها وفود الدول الضامنة، مع التركيز على إدلب التي بقيت للمعارضة.
فهذه المناطق التي أعلن عنها اعتبارا من مايو/ أيار 2017، لم يتبق منها سوى إدلب التي تجمع بها المهجرون قسريا، وأنشات تركيا فيها نقاط مراقبة ولا تزال، هي الأمل المتبقي للمعارضة، وستسعى للحفاظ عليها، فيما مناطق "خفض التصعيد" في الغوطة الشرقية، وريف حمص الشمالي، وريف حماة الجنوبي، آلت للنظام.
أما منطقة "خفض التصعيد" في درعا، فجاءت باتفاق أميركي- روسي- أردني، وهي الأخرى تتعرض لمخاطر، وتهديدات من قبل النظام، بالاعتداء عليها، ويخشى أن تلاقي مصير بقية المناطق.
ويترأس الوفد التركي مستشار وزارة الخارجية التركية، سدات أونال، فيما يقود الوفد الروسي، ألكساندر لافرنتيف، مبعوث الرئيس فلاديمير بوتين الخاص بشؤون التسوية في سورية، ويرأس الوفد الإيراني، مساعد وزير الخارجية حسين أنصاري.
وإضافة إلى وفدي النظام والمعارضة، فإن الأمم المتحدة والأردن والولايات المتحدة ستشارك في هذه الجولة بصفة مراقبين على غرار الجولات السابقة.
وقالت مصادر في المعارضة السورية، لـ"العربي الجديد"، إن وفد المعارضة يشهد حضورا موسعا بإضافة أسماء جديدة، فيما يتغيب العقيد فاتح حسون، القيادي في المعارضة، محتجا على ما يحصل بمناطق "خفض التصعيد"، وكذلك العقيد أحمد عثمان، وهما قياديان بارزان حضرا الاجتماعات السابقة.
وأضافت المصادر، أن أعضاء من وفد المفاوضات بمنطقة ريفي حمص الشمالي، وحماة الجنوبي، يشاركون في الوفد المنتظر وصوله صباح الثلاثاء إلى أستانة من أجل الاجتماع مع الجانب الروسي، وطرح موضوع التهجير الذي فرض كأمر واقع، دون مراعاة الاتفاقات الموقعة في أستانة.
وقال باسل الحاج جاسم، الباحث في الشؤون التركية الروسية، إن "هذه الجولة لها وضع خاص، كونها أول جولة لمسار محادثات أستانة بعد مؤتمر سوتشي، الذي شابه الكثير من العثرات".
وأضاف لـ"العربي الجديد": "كذلك جولة أستانة التاسعة، تأتي في ظل فرملة واضحة في مسار عملية جنيف، وتنتظر جميع الأطراف المشاركة فيها استحقاقات مفصلية، لتشكل تقدما كبيرا في مسار الأحداث السورية، إذا تم تحقيق شيء منها، ولا سيما في ما يخص لجنة العمل الخاصة في ملف المعتقلين، وهو الملف الإنساني الذي تم ترحيله عن أكثر من جولة سابقة، وكذلك ستكون قفزة نوعية إذا تم بحث موضوع وقف إطلاق نار نهائي في بعض المناطق، التي كانت ضمن ما يعرف مناطق خفض التصعيد".
وبخصوص أجندة "أستانة9"، قال الحاج جاسم: "ملف المعتقلين يتصدر المحادثات، وكذلك بحث آخر التطورات وتقييمها في مناطق خفض التصعيد، ووجود المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، له أهمية من حيث الاهتمام الدولي بكل ما ينتج من مسار أستانة، والذي يصب في المحصلة في سلة محادثات جنيف، التي بعد مرور سنوات من انطلاقها لا تزل تراوح مكانها من دون نتائج".
إلا أن الحاج جاسم نبه إلى ضرورة "متابعة مستوى الوفد الأميركي المشارك في هذه الجولة، التي تأتي مباشرة وبعد أيام قليلة من انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، ورؤية هل سيرأس وفد واشنطن نائب وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد كما جرت العادة في جولات سابقة، أم سيكون التمثيل رمزيا؟".
وتابع: "صحيح أن الولايات المتحدة تأخذ صفة مراقب في هذه المحادثات، إلا أن مستوى تمثيلها له دلالات كبيرة، لما تمتلكه من أوراق ضغط داخل الأراضي السورية، والمنطقة ككل، في ظل وجود طهران طرفا ضامنا في محادثات أستانة، حيث سيظهر ذلك مدى انعكاس قرار ترامب الأخير على الملفات الإقليمية ذات الصلة المباشرة بإيران".
ولا بد أن الحضور الأميركي سيكون له تأثير لناحية موقف واشنطن من الأزمة السورية، من جهة قربه من الدول الضامنة، بخاصة إيران، والانسحاب من الاتفاق النووي، حيث تسعى الدول الضامنة إلى جلب أميركا إلى موقف قريب منها، مما يكسب مسار أستانة نجاحا أكبر.
وقال الكاتب والباحث اللبناني علي باكير: "لا أعتقد أن أستانة مسار منفصل بالمجمل عن مسار جنيف، إلا أنه من غير المقدر أن ينجح، من دون أن يأخذ جنيف في الاعتبار".
وأضاف لـ"العربي الجديد": "هذا الأمر اعترفت به الدول الثلاث في آخر اجتماع لرؤسائها في تركيا، ومع أن الملف النووي الإيراني منفصل عن هذا الموضوع، لكن انسحاب واشنطن أخيرا قد يترك انعكاساته على وضع الدول الثلاث في سورية، ولا سيما مع التصعيد الإسرائيلي-الإيراني هناك".
وتبدأ "أستانة9" الإثنين باجتماعات تقنية ثنائية وثلاثية، وتنتهي بالجلسة الرسمية الثلاثاء، على أن تبقى تفاصيل المداولات، حبيسة الغرف المغلقة.