نظرت الدائرة المتخصصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية في تونس، اليوم الاثنين، في قضية الانقلاب العسكري المزعوم على الرئيس الراحل الذي أطاحته الثورة التونسية، زين العابدين بن علي، أو ما يعرف بقضية "براكة الساحل"، وهي مدينة ساحلية فَبرك فيها النظام أحداث القضية، بعد أن ورط فيها نحو 244 عسكريا بين قيادات عليا ومسؤولين في الجيش الوطني ممن تم التنكيل بهم وسجنهم.
وتعود القضية إلى عام 1991، بعد أن وجّه نظام المخلوع لعدد من القيادات العسكرية تهمة التآمر على أمن الدولة، والتحضير لانقلاب عسكري وتسليم السلطة لحزب سياسي.
ويؤكد رئيس جمعية "إنصاف قدماء العسكريين"، وأحد الضحايا ممن جردوا من رتبهم ونالهم بطش النظام السابق، العقيد محسن الميغري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن أكثر ما يحز في نفسه في هذه القضية وهو يستمع إلى شهادات المنسوب إليهم الانتهاك، عدم اعترافهم بالحقيقة، وادعاؤهم أنهم لا يعلمون شيئا، بدل الاعتذار للضحايا، مضيفا أنه لا شيء يضاهي شعوره بالخذلان يوم نزعت عنه البدلة العسكرية، وخسارته للهدف الذي من أجله قرر الانخراط في الجيش الوطني وخدمة الوطن، إلى جانب التهميش والمطاردات التي لحقته.
يقول الميغري إن المنسوب إليهم الانتهاك هم عسكريون ومسؤولون في الداخلية آنذاك، وأن 6 فقط من القيادات العسكرية حضروا جلسات العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بتونس، فيما تغيّب من هم في الداخلية، إذ لا يزال هؤلاء يرفضون الحضور.
وبيّن المتحدث أن أغلب الضحايا العسكريين ممن زج بهم في هذا الملف زورا وبهتانا، عانوا كثيرا الظلم والتهميش، مضيفا أنه عمل مسؤولا عن إدارة حساسة، وهي الذخيرة والأسلحة، وكان آمر المستودع ويشرف على الذخيرة التي توزع على الجيش في عدة محافظات، من صفاقس إلى برج الخضراء جنوبا، وكان ملما بكم هائل من المعلومات؛ ومع ذلك، وبعد توقيفه قرابة الشهر وإطلاق سراحه، لم يكلف أي مسؤول عسكري نفسه عناء السؤال عما سئل في التحقيقات، مؤكدا أنه كان دوما وفيا لعمله ولكن النظام قرر تركه على الهامش.
ويؤكد الميغري أنه ظل أكثر من 20 عاما بعد الحادثة يعاني تبعات القضية، مبينا أن بعضهم ربما توفي جراء التعذيب ولم تسجل أسماؤهم ضمن الضحايا، وأن آخرين يعانون مخلفات التنكيل، مشيرا إلى أن الانتهاكات لم تطاول شخصهم فقط بل شملت أيضاً أبناءهم وأسرهم.
وتشير محامية الضحايا منية بوعلي إلى أن "جلسة اليوم ليست لاستهداف أي شخص، بل هناك رغبة لسماع المنسوب إليهم الانتهاك، وهي فرصة للتاريخ وكشف ما حصل؛ ومعرفة ما إذا كان النظام السابق، أو أي جهة أخرى، حثهم على استهداف هذه المجموعة بالذات من العسكريين".
وأضافت بوعلي، خلال مرافعتها، أن "قضية براكة الساحل غيرت مسار تونس، وحطمت مسار عديد الأشخاص ممن تمت إقالتهم، وهم اليوم ممنوعون حتى من سماع الحقيقة"، مؤكدة أن "هذه القضية بالذات عرفت عديد التجاوزات والإخلالات؛ فهل يعقل أن يقبض أعوان الداخلية على عسكريين في ثكنتهم وبزيهم العسكري؟".