رغم نفي ماكرون... تسليط الأضواء على تفشي "العنف البوليسي" بفرنسا خلال الاحتجاجات

09 مايو 2019
تحقيقات الشرطة لم تسفر عن أي نتيجة (غوميز غونزاليس/Getty)
+ الخط -

بينما يصر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أنه ليس من اللائق الحديث عن "عنف بوليسي"، وقد كررها أثناء إحدى مداخلاته في "الحوار الوطني الكبير"، تتوالى حالات "العنف البوليسي"، والتي بدأت ترصدها وسائل الإعلام، بشكل أكبر، مع استمرار حركة "السترات الصفراء"، وتفتح فيها "المفتشية العامة للشرطة الوطنية"، أحيانا، تحقيقات لم تصل إلى أي نتيجة بعدُ.

وقد ساهم دافيد ديفرين، وهو مخرج سينمائي وصحافي متخصص في قضايا "الشرطة والحفاظ على الأمن"، وأصبح راصداً لـ"العنف البوليسي"، ومتتبعا لشهادات جرحى تظاهرات السترات الصفراء، في فضح هذه الظاهرة، التي غفلت عنها وسائل الإعلام الفرنسية لأسابيع، قبل أن تتفجر بشكل واضح. 

ويستخدم ديفرين وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة "تويتر من أجل الإبلاغ عن هذه التجاوزات، وأصبحت علامته الشهيرة في الموقع هي "ألو بلاس بوفو، من أجل إبلاغ"، وهي رسالة إلى وزارة الداخلية لإبلاغها بمستجد، أي بتجاوز آخر من تجاوزات الشرطة.  

كما أن موقع "ميديا بارت"، الذي ساهَم دافيد ديفرين في إنشائه، والذي كان يشرف فيه على قضايا الشرطة والحريات العمومية، قبل أن يغادره، لا يتوقف عن رصد الحالات التي تتورط فيها الشرطة في عمليات عنف وتجاوز وشطط في استخدام القوة.


وهكذا تتوالى الحالات التي تظهر فيها قوى الأمن وجهاً غير الوجه المطلوب، وهو حماية المواطنين والممتلكات، ولا يمر أسبوع دون أن تنفجر فضيحة أو أكثر.

وفي السياق، كشف موقع "ميديا بارت" أنه في 1 مايو/أيار، في عيد العمال، وبينما كانت الشرطة تعتدي بالضرب على عشرات المتظاهرين الذين التجأوا إلى مستشفى بيتييه سالبيتريير، هربا من القمع ومن الغازات المسيلة للدموع، قبل أن تحملهم في باصات لمقراتها، ويطلق سراحهم، جميعا، بعد 23 ساعة، كان أربعة أفراد من الشرطة يطاردون طالباً غير متظاهر ويشبعونه ضرباً، دون تفسير للأمر، داخل الحي الجامعي التابع للمستشفى الذي يقيم فيه، فقد طاردته في طوابق الحيّ، قبل أن يختبئ وينجو بأعجوبة، ولم يَسلم أخوه الذي جاء لزيارته من الضرب. 

وعلى الرغم من وجود الفيديو، الذي يكشف هذا العنف، وأيضا الشهادة الطبية التي تثبت ذلك، وعلى الرغم من رغبة الأم في تقديم شكوى، إلا أن ابنيها لم يُقدما على ذلك، خوفاً من الضغوط، قبل إعلان "المفتشية العامة للشرطة الوطنية"، في وقت لاحق، بعد انتشار الفيديو، عن فتح تحقيق في الموضوع.

ومن آخر مظاهر "العنف البوليسي"، شريط فيديو نشره موقع "ميديا بارت"، ويظهر فيه قاصر (15 سنة) وقد وُضِعَ على رأسه كيسٌ من قماش أبيض، كما وُضعت قيود في يديه من طرف رجال شرطة مدنيين، أثناء عملية رصد بوليسي لعمليات اختطاف وابتزاز أخطأت هدفها. 

وقد تقدَّم الفتى بشكوى، وفتح تحقيق من طرف المفتشية العامة للشرطة الوطنية. ويظهر في القضية أن الشرطة لما طلبت من الفتى أن يتبعها لم تكشف عن نفسها، فتصور، وفق اعترافاته، أنه وقع في براثن عصابات جريمة ومخدرات، وتعرض للضرب على وجهه ولوابل من الشتائم، على الرغم من توسلاته لهم بأنه قاصر.

وتتحدث أخته عن ظروف نفسية صعبة يعيشها أخوها، كما اعترفت بأنها لا تستطيع رؤية الفيديو.

ورغم تشكيكها في تحقيقات "المفتشية العامة للشرطة الوطنية"، إلا أنها تصر على المضي في التحقيق حتى النهاية، قائلة "ليس لديها (أي الشرطة) أي وسيلة لإغلاق القضية، لأننا نمتلك الصُوَر مع وجوه أفراد الشرطة".

وليس مفاجئا أن يتحدث ضحايا العنف البوليسي وعائلاتهم عن الحذر، فبينما تتم محاكمات سريعة لمن يعتقل من المتظاهرين، وتصدر أحكام نافذة في حقهم بالسجن وبغرامات، لم تؤد تحقيقات "المفتشية العامة للشرطة الوطنية"، بخصوص شكاوى ضحايا "السترات الصفراء"، وغيرهم، إلى أي نتيجة، لحد الساعة، وهو ما أكدته صحيفة "لوكنار أونشينيه"، بتاريخ 8 مايو/أيار. 

وكشفت الصحيفة أن 227 إجراء مفتوحا من طرف "المفتشية العامة للشرطة الوطنية" (بوليس البوليس)، في إطار تظاهرات "السترات الصفراء" لم تُسفر عن أي شيء، وهو ما يعني أن "المتظاهرين الذين أصيبوا بجروح خطيرة وتقدموا بالشكوى، منذ أشهر، ليس لديهم أدنى جديد حول تقدم التحقيقات التي تستهدف أفراد شرطة". 

           

ولا يهدئ هذا البطء في التعامل مع شكاوى ضحايا العنف البوليسي من غضب المتظاهرين، الذين يتحدث بعض زعمائهم، ومنهم جيروم رودريغيز، الذي فقد عينه اليمنى في إحدى تظاهرات "السترات الصفراء"، عن النظام القضائي الفرنسي باعتباره جديرا ببلد ديكتاتوري، وهو اتهام يعترض عليه الباحث باسكال بونيفاس، مغرّداً: "من السذاجة مقارنة فرنسا بديكتاتورية. ولكن سيكون من الخطير ترك العنف البوليسي، المرئي على مختلف الفيديوهات، من دون عقاب". 

ومن جهة أخرى، وفي إطار التضييق على "السترات الصفراء"، كشفت صحيفة "لوكنار أونشينيه"، في منتصف شهر إبريل/نيسان الماضي، عن وجود قوائم لجرحى "السترات الصفراء"، وبعدما نفت مستشفيات باريس هذا الإجراء، الذي فضحه أحد الجرحى، متقدماً بشكوى للعدالة، اعترفت، أخيرا، بأن زجاجة المريض تضمنت، بـ"شكل غير مناسب"، معلومات ذات طبيعة طبية، من قبيل أن الجرح تسببت فيه رصاصة "إل بي دي" أو عصا، ثم وعدت بـ"تصحيح" الأمور.

واحتجاجا على الإجراء، وقّع مائة طبيب فرنسي، من بينهم مؤسس "أطباء العالم" جاك بيريس، و"أطباء بلا حدود" كزافيي إيمانويللي، ووزير الصحة الأسبق برنار دوبري، والجراح فيليب دينورماندي، بياناً طالبوا فيه بالوقف الفوري لـ"وضع قوائم لجرحى الحركات الاجتماعية"، معتبرين إياها "انحرافا غير مقبول". 

واعتبر الأطباء الموقعون أن "وضع قوائم لا تدخل فيها سوى السترات الصفراء يشكل تناقضاً مع أخلاقية المهنة"، إضافة إلى أن "المعنيين بالأمر لا يتلقون أي معلومة عن هذا الملف، كما أنهم لم يوافقوا عليه"، وهو ما اعتبروه "مأسَسَة لانحراف غير مقبول. وهو ما يشكل خطأً يعاقب عليه القانون"، وطلبوا من الأطباء أن يردوا على هذه "الطلبات غير القانونية" بـ"واجب العصيان الأخلاقي"، وأخيرا طالبوا بـ"فتح تحقيق برلماني لإظهار الحقيقة".​