ولو تجاوب القضاء الأرجنتيني، مع طلب منظمة "هيومن رايتس واتش"، ووجّه ضدّه تهمة "ارتكاب جرائم حرب"، يكون مثل هذا القرار بمثابة منع قانوني لولي العهد من المشاركة. وفي الحالتين تصبح القمة أقرب إلى محاكمة دولية للقيادة السعودية، في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، كما في حرب اليمن.
ولم يكن من غير مدلول، أن تذكر الناطقة الرسمية في الخارجية هيذر ناورت، في اللقاء الصحافي الدوري، الثلاثاء، أسماء الدول التي يعتزم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عقد اجتماعات جانبية مع قياداتها، على هامش القمة في الأرجنتين، من دون أن تكون السعودية من بينها، وقد شملت اللائحة: الأرجنتين وروسيا وألمانيا واليابان، وعشاء عمل مع الرئيس الصيني.
كما ذكرت ناورت أنّ الوزير مايك بومبيو، سيكتفي بحضور اللقاءات التي سوف يجريها ترامب، "ما لم يحصل تغيير في جدول الأعمال"، وفي ذلك نفي غير مباشر لاحتمال اجتماعه بأطراف أخرى؛ ومنها ولي العهد السعودي الذي بقي خارج البرنامج المعلن.
وكأنّ في حصول لقاء من هذا النوع، إحراج يفضّل البيت الأبيض تلافيه، لا سيما أنّ فيض الانتقادات لموقف الرئيس "الحامي لولي العهد"، لم يتوقف بعد وباق إلى حين، مع ما يواكبه من تذكير بالأسباب التي أدّت إلى الهبوط السعودي في الساحة الأميركية، وما ينذر به ذلك من تداعيات لاحقة.
الآن امتد هذا الهبوط إلى قمة الأرجنتين، سواء شارك فيها محمد بن سلمان، أم لم يشارك، ومنها إلى الساحة الدولية، فلن يكون من دون أثر دولي أن تصبح مشاركة ولي العهد السعودي في القمة، مرهونة بقرار قضائي.
كما لن يكون من غير صدى، أن يرسل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي وقعت الجريمة على أرض بلاده، والذي يقول إنّه يملك تسجيلات عن تنفيذها، إشارة مسبقة بأنّه قد لا يصافح بن سلمان في القمة، فرسالة الإدانة التي أراد تسجيلها، قد وصلت إلى متلقيها قبيل القمة، حتى لو عاد أردوغان والتقاه وصافحه، ربما بوساطة ترامبية.
كذلك من المستبعد ألا يتوقف المشاركون في القمة، عند خلو برنامج ترامب من لقاء خاص مع ولي العهد، على غرار الاجتماعات الثنائية التي يزمع عقدها مع غيره من القيادات المشاركة. ربما لأنّ ذلك قد يخرّب على دور التغطية المتواصلة التي يوفرها البيت الأبيض لولي العهد، والتي كان آخر فصولها، الثلاثاء، على لسان مستشار الرئيس جون بولتون، الذي قال إنّه لم ير فائدة من سماع التسجيل التركي "لأنني لا أفهم العربية"، متناسياً أنّ الصرخات الواردة في التسجيل هي لغة عالمية يفهمها الجميع.
ويذكر في هذا السياق، أنّ لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ستعقد جلسة، الأربعاء، مع وزيري الخارجية مايك بومبيو، والدفاع جيمس ماتيس، للاستماع إلى إفادتهما بشأن مقتل خاشقجي.
اللافت في الأمر أنّه جرى استثناء مديرة وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" جينا هاسبل من الجلسة، رغم أنّها تملك المعلومات الأهم في القضية، والتقدير أنّ ذلك تمّ بضغط من البيت الأبيض، بهدف ترك معلوماتها في أضيق دائرة ممكنة.
إدارة ترامب مستمرة في التستر على مسؤولية ولي العهد بجريمة قتل خاشقجي، وقد تسهّل مشاركته في قمة الأرجنتين، بل قد يجتمع به الرئيس على هامشها، كما يتوقع الخبير الاستخباراتي مالكوم نانس، لكن كل ذلك لن يقوى على تلميع الصورة ولا على تخفيف العزلة. والمطاردة التي لاحقت بن سلمان في هذه المناسبة، سواء بالتظاهرات أو بالدعاوى القضائية، قد لا تكون سوى أول الغيث.