الاحتلال يغيّر وصف جنوده بغزة: مقدمة لتفاوض وتبادل

12 يونيو 2016
محاكاة لسجن "القسّام" لجنود الاحتلال (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

بعد نحو عامين على أسرهما في قطاع غزة، غيّرت وزارة الأمن الإسرائيلية تصنيف الضابط هدار غولدن والجندي شاؤول آرون من "قتيلين" إلى "مفقودين أو أسيرين"، وهو ما يرى فيه كثيرون تقدماً لجهة إقرار الاحتلال بضرورة البدء في عملية تفاوض حول جنوده مع حركة "المقاومة الإسلامية" (حماس).

وعلى الرغم من أنّ التصنيف الجديد اختلف بسبب عدم توفر معلومات عن حالة الأسر والفقدان، إلا أنّ التدرّج في عملية تغيير الوصف، يوحي برغبة إسرائيل في تجاوز تعنّتها حول القضية، إذ سبق أنّ رفضت كل محاولات الحديث عن القضية، لعدم الدخول بمفاوضات مع "حماس" حول جنودها المفقودين في غزة.

وجاء التغيير نتاج مساعٍ بذلتها عائلتي الضابط غولدن، والجندي آرون في هذا الصدد، وقام بعد ذلك جيش الاحتلال بتسليم رسالة إلى عائلتيهما تفيدهما بتغيير التصنيف المعتمد تجاههما في سجلات الجيش، مشيرة إلى أنه "سيعمد إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة لما سيترتب عليه هذا التغيير في حالة الجنديين".

وكانت "كتائب القسام"، الذراع العسكرية لـ"حماس"، قد أعلنت خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في عام 2014، عن أسرها آرون، بعد هجوم على قافلة عسكرية توغلت شرقي حيّ التفاح، شرق مدينة غزة. كما أعلنت إسرائيل أن الحركة أسرت غولدن في عملية شرق رفح. ولم تعلن القسام رسمياً وجوده لديها في حينه، لكنها نشرت صورته أخيراً في خطاب للناطق العسكري، أبو عبيدة، إلى جوار اثنين آخرين، ليصبح ما تعترف به "القسام" أربعة جنود إسرائيليين.

من جهته، يعتبر الناشط السياسي في حركة "حماس"، حازم قاسم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تغيير توصيف الجنود من قتلى إلى أسرى ومفقودين، شأن صهيوني داخلي، يعتمد على ترتيبات في العلاقة ما بين جيش الاحتلال وعائلات الجنود المفقودين".

ويوضح قاسم أنّ "تغيير التوصيف له تبعات إدارية في كيفية التعامل مع الملف إسرائيلياً"، مؤكداً أنّ "حماس تعتبر جنود العدو الصهيوني أسرى ينبغي لإسرائيل أنّ تدفع ثمن الإفراج عنهم كاملاً، ومجدداً إنّ مبدأ التفاوض حول الجنود لم يتغير، ويشترط لبدئه الإفراج عن أسرى صفقة وفاء الأحرار (شاليط) الذين أعيد اعتقالهم".


ويؤكد قاسم أنّ "الإفراج عن الأسرى واجب وطني من الدرجة الأولى، يستحق الصبر والتضحية الوطنية، وأنّ هذا الملف يجب أن ينتهي بصفقة مشرّفة كما عوّدتنا كتائب القسام"، مشدداً على أنّ "كل محاولات الاحتلال الإسرائيلي لكسب الوقت حول الملف لن تجدي نفعاً".

كما يُشدّد الناشط السياسي في "حماس" على أنّ "الاحتلال لن يحصل على جنوده إلا بدفع الثمن كاملاً، وأنّ المقاومة ليست في عجلة من أمرها، وإنّ كانت تريد إخراج الأسرى بأسرع وقت، لكنها لن تستعجل حتى تحقق صفقة مشرفة". ويشير إلى أن "كل الجهود الأمنية والاستخبارية لإعادة الجنود الإسرائيليين لن تنجح، لأنهم أمانة الآن عند رجال وحدة الظل القسامية".

من جهته، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي حاتم أبو زايدة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "القرار الإسرائيلي الجديد بشأن جنوده المفقودين في غزة، يأتي في إطار محاولة التدرّج في إيصال المعلومات التي جرى إخفاؤها خلال العامين الماضيين عن الشارع الإسرائيلي، ومحاولة لنزع عنصر المفاجأة من المقاومة الفلسطينية".

ويلفت أبو زايدة إلى أنّ "إسرائيل حاولت المراوغة في حيثيات إعلان القرار، والتذرّع بأنه جاء بفعل الضغوط التي قامت بها عائلات الجنود المفقودين في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة صيف 2014، لضمان عدم تحقيق المقاومة أيّ إنجازات أو رفع الروح المعنوية لديها".

ويتوقع أنّ "تشهد الفترة المقبلة إفراج الحكومة الإسرائيلية عن المزيد من المعلومات الخاصة بملف الجنود الأسرى لدى حماس ومحاولة كشف المزيد من الحقائق الخاصة بهذا الملف، والذي عمد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى إخفائها منذ انتهاء الحرب الأخيرة على القطاع".

ويرى أبو زايدة أن "نتنياهو اختار الفترة الحالية لفتح ملف الجنود الأسرى المفقودين لدى حركة حماس في غزة، جراء حجم القوة التي تتمتع بها حكومته حالياً مع دخول وزير الأمن الجديد أفيغدور ليبرمان وحزبه للحكومة، وزيادة عدد المقاعد التي تتمتع بها الحكومة في الكنيست الإسرائيلي".

ويستبعد المحلل السياسي الفلسطيني أنّ "تشهد الفترة القليلة المقبلة إتمام صفقة تبادل بين حركة حماس وإسرائيل، على الرغم من بدء الأخيرة بسلسلة من الاعترافات الخاصة بخسائرها في حرب غزة، خصوصاً تلك المتعلقة بملف الجنود الأسرى والمفقودين في القطاع".

من جانبه، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، ناجي شراب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "تغير الوضعية الخاصة بالجنود الأسرى، يؤكد على مصداقية المقاومة الفلسطينية في غزة، بالإضافة إلى إمكانية وصول معلومات لدى إسرائيل عبر وسطاء عن حالة هؤلاء الجنود".

ويوضح شراب أنّ "توقيت القرار يؤكد وجود تحركات من أجل البدء في مفاوضات عملية بين حركة حماس وإسرائيل من أجل استعادة الجنود المفقودين في غزة، مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين على غرار صفقة تبادل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط".

وبالنسبة لشراب، فإنّ "الإعلان يشير لوجود وسيط نقل معلومات خاصة عن طبيعة وحالة هؤلاء الجنود الأسرى الموجودين في غزة لدى حركة حماس، ما استدعى الإعلان الإسرائيلي عن وضعية جديدة خاصة بالضابط هدار غولدن والجندي شاؤول آرون".

ويشير إلى أنّ "دخول ليبرمان إلى الحكومة، وهو الطامح لتحقيق إنجاز سياسي متمثل في استعادة الجنود المفقودين في غزة سواء أكانوا أحياء أم جثثاً، سيكون بمثابة دافع جديد لفتح قنوات التفاوض مع حركة حماس، ومحاولة عدم الدخول في مواجهة جديدة معها".

ويتكهّن شراب أنّ "تشهد الفترة المقبلة إتمام صفقة تبادل جديدة على غرار صفقة شاليط بين حركة حماس وإسرائيل في ظل التحديات التي تواجه الطرفين، لا سيما حركة حماس في غزة، بفعل الحصار المفروض على القطاع منذ عشر سنوات".