قضية حلايب وشلاتين: تبادل منافع مصريّة سودانيّة

14 أكتوبر 2014
جاءت تصريحات البشير قبل زيارته للقاهرة (الأناضول)
+ الخط -



كانت شائعة تنازل مصرعن إقليم حلايب وشلاتين، جنوب البلاد، للسودان، واحدة من أهم الأسلحة التي استخدمتها وسائل الإعلام المصرية في حربها ضد الرئيس المعزول، محمد مرسي. وقد عادت الأزمة لتطفو على السطح مرة أخرى، بعد تصريحات الرئيس السوداني، عمر البشير، الأخيرة، التي أكد فيها أن "الإقليم تابع لدولته".

تصريحات البشير هذه، جاءت قبل أيام من زيارته الرسمية الأولى للقاهرة المقررة في 18 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، منذ تولي وزير الدفاع السابق، عبد الفتاح السيسي، رئاسة البلاد.

ولا يرى الخبير في مركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية"، سامح راشد، في حديث لـ"العربي الجديد"، في كلام البشير "تحدياً أو تشدداً، بل على العكس يجد فيها تراجعاً واضحاً عمّا كانت عليه في السابق، وبمثابة استدراك وخطوة إلى الوراء".

ويستبعد أن "تتسبّب التصريحات في توتر العلاقات بين البلدين، عقب تصريحات الرئيس السوداني التي وصفها بـ"الهادئة والمعتدلة"، على مستوى اللغة والمضمون، إلى حد بعيد، قبل زيارته المُرتقبة للقاهرة". ويضيف: "قبل ذلك، كانت الحكومة السودانية تؤكد دائماً أن حلايب وشلاتين أرض سودانية وأنه لا تراجع أو مساومة ولا تنازل عنها بأي شكل من الأشكال".

ويفسّر راشد، تصريحات البشير، بأن "الأخير توقّع أن تُطرح المسألة للنقاش، سواء في المباحثات المباشرة مع السلطة الجديدة في مصر، أو في وسائل الإعلام، فارتأى أن يطرحها قبل أيام من الزيارة بلغة هادئة ترفع الحرج عن الجميع، حتى لا تتهدّد الزيارة بالفشل".

وتوقع الخبير السياسي أن "يكون هناك توافق ما بين القاهرة والخرطوم حول هذه المسألة"، مستنداً إلى "قرار الحكومة المصرية بفصل حلايب عن شلاتين إدارياً، فأصبحتا مدينتين مستقلتين بعد نحو أسبوعين من زيارة وزير الدفاع السوداني للقاهرة في فبراير/ شباط الفائت".

و"يبدو أن الدولتين اتفقتا على إدارة الخلاف بطريقة لا تشترط التنازل الفعلي عن الإقليم"، بحسب ما يؤكد راشد، فإما "أن تدير كل منهما إحدى المدينتين من الناحية الفعلية على الأرض دون أن يكون هناك اتفاق مكتوب بذلك، أو أن يقتسما إدراتهما على نحو ما غير مُعلن".

و"تحتاج الحكومة المصرية لتأمين حدودها الجنوبية وتهدئة الأوضاع مع السودان في ظل الأوضاع الملتهبة في سيناء وصراعها مع حركة المقاومة الإسلامية، حماس، في قطاع غزة، وتوتر الأوضاع في الغرب الليبي"، وفقاً لراشد.

وتابع: "وهذا ما دفعها للتفكير في تأسيس سوق تجارية مشتركة مع جارتها الجنوبية، وهذا ليس خطأً، إنما حل مناسب للأزمة، بغضّ النظر عن موقفنا من السلطة الجديدة في مصر، التي تحتاج إلى دعم وتأييد كل الدول المحيطة، بما فيها السودان. ولعلّ زيارة البشير تأتي في إطار اعتراف بلاده بالإجراءات التي أعقبت الانقلاب".

وحول موقف وسائل الإعلام من المستجدات، التي طرأت على العلاقة بين البلدين، يوضح راشد أن "وسائل الإعلام كانت ستشن حرباً ضروساً ضد مرسي في حال عقده اتفاقية بإنشاء السوق المشتركة. فلطالما اتهمته ببيع الإقليم للسودان، رغم عدم وجود مؤشرات واضحة تنبئ بإمكانية تنازله، كما هو الحال الآن".

من جهة ثانية، رأى مساعد وزير الخارجية، ومدير "إدارة القانون الدولي والمعاهدات الدولية" الأسبق، السفير إبراهيم يسري، أن "تلويح البشير بهذه الورقة محاولة لتحسين وضعه الداخلي المتأزم"، مؤكداً أن "حلايب وشلاتين أرض مصرية 100 في المئة".

ويوضح أن "تهديد البشير باللجوء للتحكيم الدولي غير مجدٍ بالمرة، وستكون النتيجة في صالح مصر. فالمشكلة ليست حدودية، إنما سياسية بالدرجة الأولى".

ويستند يسري إلى دراسة أعدّها، حين كان في الخارجية، أثبت فيها أن "الإقليم تابع لمصر، والدراسة موجودة في مكتبة الوزارة ويمكن الاستعانة بها".

ويضيف: "أصدر وزير الداخلية وقتها قراراً يسمح للقبائل المصرية والسودانية، التي تقطن في المناطق الحدودية بين البلدين، بالتزاور، وحُلّت الأزمة حينها، لكنها عادت من جديد في عهد الرئيسين الراحلين، جمال عبد الناصر وأنور السادات".

وكان الرئيس السوداني قد أعلن أن "مثلث حلايب وشلاتين أرض مملوكة للسودان"، وأن بلاده "تمتلك الأدلة الكافية بأنها أرض سودانية"، موضحاً أن بلاده "لن تحارب مصر أو تدخل في نزاع معها لحل هذه القضية، لكن سيتم حلها عن طريق التفاوض والحلول الدبلوماسية بين الشعبين الشقيقين". وأضاف البشير: "في حالة العجز التام عن الحل، فإن السودان سيلجأ إلى التحكيم الدولي أمام الأمم المتحدة، كما فعلت مصر مع اسرائيل في موضوع طابا".

ويقع المثلث، الذي تبلغ مساحته 20.580 كيلومتراً مربّعاً، على الطرف الأفريقي للبحر الأحمر، ويضم ثلاث بلدات كبرى، هي حلايب وأبورماد وشلاتين، أكبرها الأخيرة، وتقع في الجنوب الشرقي، وهي محل نزاع حدودي بين مصر والسودان، وبدأ النزاع عام 1958 عندما قام الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، بإرسال قوات إلى المنطقة. يُشار إلى أن هذا المثلث غني بالموارد الطبيعية، خصوصاً البترول.