فرنسا: فالس "المنبوذ" ينضم لكتلة حزب ماكرون

28 يونيو 2017
الاشتراكيون رفضوا عودة فالس إلى صفوف فريقهم النيابي(ألان بيتون/Getty)
+ الخط -
حسم رئيس الوزراء الفرنسي السابق، مانويل فالس، أمس الثلاثاء، خياراته في الحياة السياسية الفرنسية، وأعلن مغادرته النهائية للحزب الاشتراكي وانضمامه، ولو من موقع ضعيفٍ، إلى الفريق النيابي لحزب الرئيس، إيمانويل ماكرون، "الجمهورية إلى الأمام". والانطباع الذي أعطاه حزب ماكرون بأنه وافق على انضمام فالس إلى كتلته، على مضض، يوحي بأن فالس سيبقى معزولاً سياسياً على المدى القريب والمتوسط، وقد لا يستعيد دوره الحيوي في اللعبة السياسية، على المدى البعيد، بعدما دمّر رصيده بنفسه بسبب مواقفه وتقلباته خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

وقال فالس "لقد غادرت الحزب الاشتراكي أو غادرني الحزب الاشتراكي وطويت مرحلة من حياتي السياسية". وبموازاة ذلك، أعلن حزب "الجمهورية إلى الأمام" أنه وافق على التحاق فالس بصفوف فريقه النيابي بعد جلسة صوت فيها النواب بالغالبية على قبول رئيس الوزراء السابق كنائب تحت لافتة الحزب في البرلمان. ولم يشكل هذا الإعلان مفاجأة كبيرة لكون فالس كان دخل في قطيعة مع الحزب الاشتراكي منذ أن أعلن دعمه لترشح ماكرون قبيل الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية وتخلى عن دعم المرشح الاشتراكي الرسمي، بونوا هامون، الذي هزم فالس في الدورة الثانية من الانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي.

وعلى الرغم من أن فشل فالس في الترشح باسم الاشتراكي كان هزيمة سياسية ثقيلة عصفت بآماله في تصدر المشهد السياسي الفرنسي ونزعت عنه الكثير من المصداقية في الحزب الاشتراكي وخارجه، إلا أن الرجل أصر على البقاء على قيد الحياة سياسياً. وترشح للانتخابات التشريعية التي دخلها باسمه الشخصي، من دون دعم الاشتراكي ومن دون الحصول على تزكية ماكرون وحزبه الذي رفض بشكل قاطع أن يخوض الانتخابات باسمه مع أن فالس لم يوفر أدنى فرصة في إعلان دعمه لماكرون ورغبته في الانضمام لحزب الرئيس الجديد. واكتفى هذا الأخير بهدية رمزية من خلال عدم تقديم أي مرشح في دائرة فالس الانتخابية من أجل عدم إحراجه وتسهيل مهمته.

وحتى عهد قريب، كان فالس زعيماً اشتراكياً في ذروة التألق. وكان كثيرون يساراً ويميناً، يرون فيه مستقبل اليسار المعتدل والرجل الذي سيقوم بثورة لتجديد الحزب الاشتراكي وتكييفه مع مرحلة ما بعد الرئيس السابق، فرانسوا هولاند. وحتى الآن لا تزال ماثلة في الأذهان صورة نواب الجمعية الوطنية الفرنسية من كل الأطياف السياسية وهم يصفقون له وقوفاً بعد خطابه اللاهب غداة اعتداءات يناير/كانون الأول 2015. غير أن فالس تحول في ظرف أشهر قليلة إلى رجل سياسي "منبوذ" يتفاداه الجميع، يساراً ويميناً، بعدما أحرق أوراقه السياسية الواحدة تلو الأخرى، وقام بتصرفات جعلته يدمر مصيره بيده. والانتخابات التشريعية الأخيرة كانت بالنسبة له مخاضاً عسيراً ذاق فيه شتى أنواع الإحراج، وبلغت أحياناً الإذلال. فقد خاض هذه المعركة في معقله التاريخي بدائرة إيفري بجنوب باريس، والتي شغل منصب رئيس بلديتها لمدة 10 سنوات، وسط منافسة شرسة من عدة مرشحين خلال الدورة الأولى للانتخابات التشريعية. ومن بين هؤلاء الفنان المسرحي المعروف باسم ديودونيه، الذي أعلن أنه ترشح لمجرد الاستمتاع بخوض معركة ضد فالس الذي كان سبب متاعبه مع القضاء خلال الفترة التي شغل فيها منصبي وزارة الداخلية ورئاسة الحكومة. وبعد مروره إلى الدورة الثانية، وجد فالس نفسه في مواجهة منافسته الشرسة مرشحة "فرنسا غير الخاضعة"، فريدة عمراني. وفي النهاية نجح بفارق 139 صوتاً فقط بمواجهة عمراني التي اتهمت فالس بتزوير النتائج ورفعت دعوى قضائية ضده.


وبعد دخوله البرلمان، وجد فالس نفسه في عزلة سياسية مطلقة. وعلى الرغم من أنه قدم كل آيات الولاء الممكنة إلى ماكرون ودعا للتصويت له في الانتخابات الرئاسية، إلا أن الأخير وحتى الأمس القريب، كان لا يريد السماع باسم فالس ويرفض انضمامه إلى الفريق النيابي لحزب "الجمهورية إلى الأمام"، بالنظر إلى الكم الهائل من الهجمات التي تعرض لها ماكرون بسببه خلال الحكومة الاشتراكية السابقة. كما أن الاشتراكيين رفضوا بالمطلق عودته إلى صفوف فريقهم النيابي بسبب قائمة من المآخذ الطويلة عليه، من أبرزها نقضه للعهد الذي قطعه على نفسه أمام الحزب في الانتخابات التمهيدية وانقلابه على المرشح الفائز فيها بونوا هامون، بدعوته إلى التصويت لماكرون وهو ما اعتبرته القيادات الاشتراكية "خيانة عظمى". وحاول فالس ترميم ما ساهم بهدمه، وسعى لإيجاد 14 نائباً من أجل تكوين فريق نيابي يكون خليطاً من النواب الاشتراكيين واليمينيين المنسجمين مع أفكار ماكرون، على أن يكون هو زعيمه، لكن محاولاته باءت بالفشل.

وعندما أعلن فالس صباح الثلاثاء انضمامه إلى فريق "الجمهورية إلى الأمام" تزامن ذلك مع الإعلان عن المناصب الرئيسية في هذا الفريق، ومنها المتحدثون الأربعة باسمه والنواب الأربعة للرئيس ريشار فيران، وطبعاً لم يرد اسم فالس في لائحة الأسماء الأساسية في الفريق. وسيكون من الصعب جداً على فالس إسماع صوته وسط فريق ضخم يضم 308 نواب غالبيتهم من الشباب الذين بنوا فوزهم الانتخابي على أطلال فالس وحكومته الاشتراكية.

وعلى الرغم من قبول الفريق النيابي لحزب "الجمهورية إلى الأمام" به في صفوفه، من المنتظر أن يعيش فالس عزلة كبيرة داخل البرلمان الجديد بعدما فقد وزنه السياسي. ولعل تعليق الناطق باسم الحكومة كريستوف كاستانير، على إعلان فالس، كان معبراً عن العزلة الكبيرة التي تنتظر رئيس الوزراء السابق، إذ قال "هناك عنف شديد في الوضعية الحالية التي يعيشها فالس. هناك الكثير من الانتقادات التي نستطيع توجيهها إليه لكنني أرى أن هذا الإجماع ضده فيه كثير من الظلم. لقد أعلن بوضوح أنه يريد دعم حزب الجمهورية إلى الأمام لكنني أظن أنه لن يضطلع بأي دور في سياسته"، وفق تعبير كاستانير.

ويبقى العزاء الوحيد لفالس بعد هذه العودة "الباهتة" و"المذلة" في نظر خصومه، للمشهد السياسي هو أنه رئيس الوزراء السابق الوحيد الذي لا يزال يمارس مهمة سياسية في فرنسا الآن. وحتى الشخص الوحيد الذي كان ينافسه على هذه الصفة، وهو النائب اليميني في مجلس الشيوخ، رئيس الوزراء السابق، جان بيار رافاران، فقد أعلن أمس الثلاثاء، عن اعتزاله العمل السياسي والاستقالة من مجلس الشيوخ مع أن ولايته لا تزال سارية لمدة ثلاث سنوات مقبلة، وعلى الرغم من أن ماكرون كان مصمماً على منحه منصباً سياسياً مرموقاً لو قبِل رافاران بذلك.