"البديل" يربك المشهد السياسي الألماني ويكثف الضغوط على ميركل

15 فبراير 2020
المشهد السياسي الألماني يبدو في حالة عدم استقرار (Getty)
+ الخط -

 

وجه حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي صفعةً للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وحزبها المسيحي الديمقراطي بعد فضيحة انتخابات تورينغن، التي أدت إلى استقالة زعيمة الحزب أنغريت كرامب كارنباور، والتي كانت تُعتبر إلى وقت قريب خليفة ميركل المحتملة في مقر المستشارية، بعد أن رتبت ميركل وصولها إلى قيادة الحزب المحافظ العريق.

وذهب البديل إلى أبعد من ذلك عبر رئيس كتلته في البوندستاغ، يورغ مويتن، الذي اعتبر أن انسحاب كارنباور جاء منطقيا وضرورياً، إلا أن "نقطة الهجوم بالنسبة لنا ليست كارنباور، وإنما ميركل".

ضغوط البديل، يبدو أنها فعلت فعلتها داخل حزب ميركل، إذ ذكرت شبكة " إم دي آر"، أنه ومع النجاحات الانتخابية للبديل ازداد الضغط على حزب المستشارة ميركل، وارتفعت أصوات أولئك الذين يريدون على الأقل التفكير في التعاون مع البديل، لا سيما أن المسيحي الديمقراطي يكاد يكون مجبراً على البحث عن حلول جديدة في برلمانات الولايات الشرقية في سكسونيا وتورينغن وساكسونيا أنهالت، حيث الحضور القوي لليمين الشعبوي. 
وفي هذا السياق، قال موقع الشبكة الإخبارية نفسها إن 17 من مسؤولي المسيحي الديمقراطي طلبوا، وبعد الانتخابات البرلمانية في ولاية تورينغن، إجراء محادثات بين حزبهم وحزبي البديل واليسار، من منطلق أن تلك الأحزاب منتخبة ديمقراطياً، حتى أن موقع تورينغشه لاندستسايتونغ أشار مؤخرا إلى أن بين من دعوا إلى ذلك نائب رئيس الكتلة البرلمانية للمسيحي في الولاية ميشائيل هيم، لافتاً إلى أن الأمر أحدث ضجة على مستوى تورينغن.

وفي خضم ذلك، أصبح خطر التحالف بين البديل وأجزاء من المسيحي الديمقراطي بعد ميركل حقيقيا، وليس من المستبعد أن نكون أمام سيناريوهات أخرى، مستشار من حزب الخضر أو حكومة يسارية.
ويأتي كل ذلك وسط تساؤلات عن مدى تمدد البديل في المشهد السياسي الألماني وما إذا كان ينتهج مسارات منتجة أو مدمرة، إذ إن الجميع أمام إعادة صياغة للخطوط العريضة للديمقراطية الليبرالية.

ألمانيا تدخل حالة شلل غير معهودة

وفي هذا السياق، يعتبر محللون أن ألمانيا دخلت في حالة شلل غير معهودة مع دخول اليمين الشعبوي إلى البوندستاغ، وباتت الأحزاب الديمقراطية في حال من الضياع لصعوبة التعامل مع الوافد الجديد بحكم غياب التوقعات الإيجابية على الحياة السياسية في البلاد، إذ يعتمد البديل مساراً متطرفاً، ولم يتحرك صوب الوسط أو يتخذ منحى أكثر اعتدالاً، وهذا ما حتم على الأحزاب الأخرى استبعاده من التحالفات، بل ويصر على إسقاط ميركل ويريد دولة مختلفة، وبذلك يدمرون بسلوكهم الديمقراطية بدلاً من حمايتها.

أمام هذا، اعتبر زعيم "الاجتماعي المسيحي"، الشريك الاصغر في الائتلاف الحاكم ماركوس سودر في حديث مع فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ، أنه لا يمكن أن يكون هناك تعاون أو تسامح أو اتفاقات مع البديل.

إزاء ما تقدم، يبدو أن المشهد الحزبي الألماني بات أكثر ديناميكية، وفي حالة من عدم الاستقرار وهذا ما يخلق المزيد من المخاطر والفرص، إذ يمكن أن يستفيد المنافس التقليدي "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" من سقطة المسيحي الديمقراطي، مع إمكانية أن يتخطى البديل بالمناورة والتكتيك السياسي، بعدما أثبت علو كعبه في مواجهة خصومه من الأحزاب السياسية في خلق مسار جديد يخضعها لضرورة التعاطي معه، لا سيما أن الظروف تخدم مصالحه وتلعب لصالحه بفعل الأزمات الكثيرة التي ترهق برلين، بينها الحديث عن موجة لجوء جديدة في ظل الصراعات في الشرق الأوسط وأفريقيا، فضلا عن اللغط المثار حول النية بإرسال المزيد من الجنود الألمان في مهام خارجية، علاوة على الأعباء المالية التي ستتكبدها الخزينة بعد أن غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي، وحالة عدم الانسجام الكلي بين أطراف الائتلاف الحاكم الذي يهدد ولاية ميركل الرابعة.

ويأتي كل ذلك بعد أن كانت ألمانيا تعتبر، ولعقود خلت، من الديمقراطيات المستقرة والمملة إلى حد ما، بحكم هيمنة أحزاب شعبية كبيرة على السلطة في البلاد من خلال ائتلاف حاكم بين الاتحاد المسيحي والاشتراكي الديمقراطي، وفي مرات قليلة التعاون مع الليبرالي الحر أو الخضر في مرحلة لاحقة.
وكان الجيران الأوروبيون قد اعتادوا على شيء من الاستقرار وغياب الاضطراب السياسي في ألمانيا إلى أن بدأت الأحزاب الحديثة باستقطاب المزيد من المؤيدين والمناصرين للأحزاب التقليدية، حتى أن الزعيم الأسبق للاشتراكي وبعد إعلان كارنباور قرارها بالاستقالة لم يتوان عن القول: "إننا نشهد نهاية حزب الشعب الرئيسي الثاني"، في إشارة منه إلى أن حزبه كان أول من راكم الخيبات وتراجع بقوة في استطلاعات الرأي، بعد أن شهد أيضا العام الماضي هزة استقالة زعيمته السابقة أندريا ناليس.