"داعش" يتقهقر في الرقة: مصير المقاتلين الأجانب العقدة الأخيرة

15 أكتوبر 2017
مدنيون فارون من الرقة (بولنت كيليك/فرانس برس)
+ الخط -
يُرجَح أن تشهد الساعات المقبلة، طي صفحة سوداء في تاريخ مدينة الرقة السورية، مع قرب إعلانها خالية من تنظيم "داعش"، الذي اتخذها معقلاً أساسياً له، منذ أخضعها لسيطرته إبان معارك طاحنة، أفضت لخروج الجيش السوري الحر وفصائل إسلامية منها في يناير/كانون الثاني 2014. ومرت المدينة بمراحل عدة، قبل البدء بحملة انتزاعها من سيطرة التنظيم في السادس من يونيو/حزيران الماضي، والتي أدت الى مقتل وإصابة آلاف المدنيين، وتشريد نحو 50 ألفاً من سكان المحافظة الى مخيمات في عين عيسى شمال المدينة.

وتحدثت "قوات سورية الديمقراطية" خلال اليومين الماضيين، عن أن معركة الرقة ضد "داعش"، تمضي في ساعاتها الأخيرة نحو الحسم النهائي، الذي سيكون وفقاً لما قاله المتحدث باسم "وحدات حماية الشعب" الكردية نوري محمود، ما بين (أمس) السبت و(اليوم) الأحد.
غير أن هذا الحسم، تداخل في ساعاته الأخيرة السياسي بالعسكري، إذ جرت بحسب مصادر "العربي الجديد"، محادثات في مدينة عين عيسى (48 كيلومتراً شمال مدينة الرقة) بين قيادات من "سورية الديمقراطية"، ووجهاء محليين، يبدو أن لهم صلات قرابة مع قياديين في "داعش". وكانت المحادثات بداية تبحث في إيجاد مخرجٍ آمنٍ لمن تبقى محاصراً من السكان داخل مدينة الرقة.

وأفادت مصادر عشائرية لـ"العربي الجديد" بأن هذه المحادثات "أتت كمبادرةٍ من شخصيات بينها المحامي إبراهيم السلامة وهو من أبناء محافظة الرقة، وشارك سابقاً في مبادرات مماثلة في الطبقة، وتهدف إلى تجنيب مئات السكان المحليين العالقين في مناطق الاشتباكات بين سورية الديمقراطية وداعش مصيراً دامياً"؛ غير أن ذلك "يصطدم بإعاقة داعش خروج هؤلاء المدنيين، الذين يتلطى بهم مسلحو التنظيم، ويرفضون إفساح المجال لخروجهم إلا عبر صفقة شاملة تضمن خروج مسلحي التنظيم معهم"، في حين "يحرج خروج هؤلاء المحاصرين مع عناصر داعش قوات سورية الديمقراطية، لكون روسيا والنظام سيعرقلان صفقة كهذه، على اعتبار أن مسلحي داعش سينقلون نحو جبهات دير الزور المشتعلة حالياً".

وأقرت "سورية الديمقراطية" أمس السبت، عبر المتحدث باسمها مصطفى بالي، أنها تبحث بإيجابية "وساطة" من وجهاء عشائريين لإخراج المدنيين العالقين في مناطق الاشتباكات داخل مدينة الرقة، لكنه نفى أن يشمل ذلك اتفاقيات مع مسلحي "داعش". غير أن وصول حافلاتٍ ليل الجمعة-السبت لمدينة الرقة، ومن ثم إعلان التحالف الدولي صبيحة اليوم التالي عن استسلام نحو 100 من مسلحي التنظيم في الرقة "وإخراجهم من المدينة"، يدحض مزاعم "سورية الديمقراطية" التي نفت وجود اتفاقٍ لنقل مسلحين من التنظيم خارج المدينة.

وكان التطور الأبرز عصر أمس، مع إعلان التحالف الدولي أن قافلة من الحافلات ستغادر (أمس) السبت مدينة الرقة بموجب تسوية توسط فيها مسؤولون محليون، مشيراً إلى أن المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون في المدينة "مستثنون" من الخروج فيها. وقال التحالف في بيان "تم تنظيم قافلة من الحافلات لمغادرة الرقة بموجب تسوية توسط فيها مجلس الرقة المدني وشيوخ العشائر العربية"، موضحاً أن الهدف من الاتفاق هو "تقليل الخسائر في صفوف المدنيين، على أن يتم استثناء الإرهابيين الأجانب في داعش". وهو ما يوحي أن التسوية تتضمن خروج مقاتلين سوريين في صفوف التنظيم.


الناشط الإعلامي، مهاب الناصر، الذي يتحدر من الرقة، قال إنه اطلع على جانبٍ من الاتصالات حول محادثاتٍ جرت لإنهاء معركة الرقة، وأكد لـ"العربي الجديد" أمس، أن "سورية الديمقراطية كانت ضالعة في المحادثات، وأبدت مرونة كبيرة لإنجاز صفقة إخراج مسلحي داعش من مدينة الرقة، لكن التحالف الدولي رفض الصفقة قبل أربعة أيام، وهدد خلال المحادثات بأنه سيستهدف أي سيارة أو حافلة تقل مسلحين من داعش إذا حصل اتفاق لم يوافق عليه". وأضاف الناصر أن "التحالف رفض إخراج مقاتلي داعش، وشدد على أنه يريد أن يسلم المقاتلين الأجانب أنفسهم له"، مشيراً إلى أن "37 حافلة وشاحنة تحركت ليل الجمعة-السبت من الطبقة نحو مدينة الرقة، لنقل مدنيين محاصرين".

وكان المتحدث باسم التحالف الدولي رايان ديلون، قد صرح لـ"رويترز" السبت، أن نحو 100 مقاتل من "داعش" استسلموا في الرقة خلال الـ24 ساعة الماضية، و"تم إخراجهم من المدينة"، متوقعاً "قتالاً صعباً في الأيام المقبلة ولن نحدد توقيتاً للموعد الذي نظن أن إلحاق الهزيمة التامة بالدولة الإسلامية سيحدث في الرقة".

ووفق المعطيات المؤكدة، حتى مساء السبت، يصعب التكهن بالمسار الذي ستطوى عبره صفحة "داعش" في الرقة؛ فالتنظيم الذي هُزم سابقاً، ونُقل مسلحوه عبر صفقاتٍ في عدة مناطق كالطبقة، كان يملك عندها أوراق قوة فاوض القوات المهاجمة عليها، وهو ما لا يتوافر للتنظيم الآن في معركة مدينة الرقة، التي كانت أطلقتها "سورية الديمقراطية" في السادس من يونيو/حزيران الماضي.

ففي معارك الطبقة خلال مايو/أيار الماضي، كان "داعش" يُحكم السيطرة على سد الفرات، ما دفع التحالف الدولي و"قوات سورية الديمقراطية" التي يدعمها على الأرض لقبول صفقة توفير ممرات آمنة لمسلحي التنظيم، بهدف تجنّب معارك إضافية كانت قد تؤدي لانهيار السد، وهو ما سيُخلف كارثة ضخمة. أما في معركة "فجر الجرود" عند الحدود السورية اللبنانية ضد "داعش" أواخر أغسطس/آب الماضي، فإن التنظيم وبعد تقهقره عسكرياً فيها، فاوض على كشف مصير عسكريين لبنانيين كانوا بحوزته، فضلاً عن تسليمه جثث مقاتلين من "حزب الله"؛ وبناءً على ذلك، تم نقل أكثر من 250 مسلحاً من التنظيم ومدنيين آخرين، عبر حافلاتٍ نحو محافظة دير الزور السورية.

أما في معركة الرقة الحالية، فلا يملك التنظيم فعلياً أوراقاً يفاوض عليها، لتوفير ممراتٍ آمنة لمقاتليه، في حين تتباين المعلومات، حول أنه سيُسمح للعناصر من الجنسية السورية بالخروج نحو دير الزور، فيما يبقى مصير العناصر الأجانب مجهولاً؛ إذ يبدي التحالف الدولي وفق تقاطع المعلومات المتوفرة، رغبة في الوصول إليهم أحياء، أو أن القتال معهم سيتواصل حتى النهاية داخل الرقة، وهو ما ألمح إليه المتحدث باسم التحالف بقوله أمس السبت "ما زلنا نتوقع قتالاً صعباً في الأيام المقبلة".

المساهمون