محتجو الأردن يستعدون لتحركات جديدة... وقرارات حكومية للاحتواء

20 ديسمبر 2018
من التظاهرات التي شهدتها عمّان أخيراً (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

تسعى الحكومة الأردنية إلى قطع الطريق أمام المحتجين على سياساتها الاقتصادية والنهج السياسي للدولة، بإصدار قرارات شعبوية، للحدّ من قدرة الحراك الشعبي على استقطاب المزيد من المشاركين في الفعاليات الاحتجاجية التي تُنظّم كل يوم خميس بالقرب من الدوار الرابع حيث مقر الحكومة الأردنية في العاصمة عمّان، والتي بدأت بالمئات وانتهت الأسبوع الماضي بمشاركة الآلاف.
وتحاول الحكومة توظيف قضية جلب المتهم الرئيس في قضية "مصنع الدخان" عوني مطيع، وإطلاق سراح عدد من المحتجين المعتقلين، مثل سعد العلاوين وأحمد النعيمات ومحمد الخرشه، وإصدار قانون العفو العام، في مواجهة الغضب الشعبي والثقة المفقودة بالحكومة للحصول على هدنة مرحلية تطيل عمر الحكومة على الأقل.

وأكدت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام، المتحدثة الرسمية باسم الحكومة جمانة غنيمات، في تصريح صحافي أمس الأربعاء، أن المدعي العام بدأ التحقيق مع عوني مطيع، معلنة أن محاكمة مطيع ستكون علنية ومصوّرة "انطلاقاً من مبدأ الشفافية والمكاشفة الذي تنتهجه الحكومة، وحق الناس في معرفة الحقيقة كاملة بشأن هذا الملف الذي شغل الرأي العام الأردني". وكانت غنيمات قد قالت في تصريحات سابقة إن فجوة الثقة بين المواطنين والحكومة لا تقتصر على ملفات الفساد فحسب، مؤكدة إدراك الحكومة حجمَ الفجوة، ومن أدوات استعادة الثقة "العمل الجاد والحقيقي في ملف محاربة الفساد، وهو أولى أولوياتنا في استعادة الثقة"، معربة عن أملها بأن تكون قضية مطيع رسالة إلى المواطن ليثق بأن الحكومة جادة وتفعل ما تقول.

وتأتي القرارات والخطوات الجديدة بعد أن فشلت الحكومة سابقاً، وبالتحديد نهاية الشهر الماضي، في سحب البساط من تحت أقدام المحتجين، بخفض أسعار المشتقات النفطية خصوصاً البنزين بنسبة 9 في المائة، والإفراج عن ثلاثة معتقلين سياسيين سابقين وهم: كميل الزعبي، خالد فاخوري، وصبري المشاعلة.

ودعا نشطاء الحراك الشعبي الأردني إلى الاعتصام مجدداً، اليوم الخميس، تحت عنوان "خميس تغيير النهج" وحذروا على مواقع التواصل الاجتماعي من التشتيت وتفريق الجهود، مطالبين الجميع بأن يكونوا سداً منيعاً بوجه قوى الفساد التي تستخدم جميع الأساليب من أجل تفريق المحتجين وإفشال خطواتهم المطلبية للحفاظ على فسادها، وفق قولهم.
كما أصدر "ائتلاف حراكات وقوى مش ساكتين"، كما يطلق على نفسه، بياناً قال فيه إن "المعركة مع النهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الجائر، بعمومه، وليست مع الأقنعة التي يتستَّر بها، ولا مع أسماء المنفّذين التي تتغيّر باستمرار". وأضاف البيان: "آن للشعب الأردني أن يتمتع بكل حقوقه المشروعة، وأن يستعيد كل ثرواته ومقدّراته المسلوبة والمنهوبة، وأن يكون حقاً (وليس قولاً فقط) هو مصدر السلطات"، مؤكداً أن "الطموح هو إلى التساوي بالحرية والعيش الكريم، وليس بالفقر والذلّ اللذين تدفعنا إليهما السياسات الجائرة التي تتّبعها السلطة المرتهنة لوصاية صندوق النقد الدولي".

ويطالب الائتلاف بحكم ديمقراطي يقوم على القانون والمؤسسات، واقتران المسؤولية بالمساءلة، والفصل بين السلطات، وإلغاء رفع ضريبة المبيعات على السلع الأساسية التي خضعت للرفع بداية عام 2018، وإعفاء الدواء من هذه الضريبة، وخفض نسبتها على باقي السلع من 16 في المائة إلى 8 في المائة، والعودة عن قانون ضريبة الدخل الذي تمّ تمريره أخيراً، وإلغاء بند فرق أسعار الوقود على فواتير الكهرباء، وخفض الضرائب والرسوم على المحروقات لتتناسب مع السعر العالمي.


ووصف نقيب الصحافيين الأردنيين راكان السعايدة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، خطوات وقرارات الحكومة الأخيرة بالرسائل الإيجابية للشارع، مشيراً إلى أهمية التقاط الشارع هذه الرسائل والبناء عليها، لدفع الحكومة للمزيد من الخطوات الإيجابية. واعتبر أنه "من الصعب استعادة الثقة بين الحكومة والمواطنين بشكل مطلق، لكن على الحكومة الاستمرار بهذا النهج، والتفاعل مع الشارع، وتحقيق مطالبه الإصلاحية"، موضحاً أنه "لا يمكن الحكم على الأثر المباشر لهذه القرارات على الاحتجاجات الشعبية قرب الدوار الرابع".

من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي، زياد الرباعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن القرارات الحكومية الأخيرة خطوات جيدة، لكنها غير كافية لإرضاء الرأي العام، مشدداً على ضرورة أن تقوم الدولة بخطوات على أرض الواقع لاستعادة الثقة المفقودة بالحكومة وأدواتها. ولفت إلى أن استعادة الثقة بين الحكومة والمواطنين تحتاج إلى فترة طويلة من الخطوات والقرارات العملية التي تنعكس على حياة المواطنين بشكل إيجابي، مؤكداً أهمية الخطوات العملية وعدم الاكتفاء بالوعود.
وحول الحراك القائم، رأى الرباعي أنه من الصعب أن يسير أي حراك بانتظام وديمومة من دون إطار تنظيمي وفكري يجمعه، ويسعى معه للوصول إلى تحقيق مطالبه، مشيراً إلى أن الحراك الحالي غير منظّم، ويأتي في ظل غياب حزبي ونقابي وتمثيلي يديره، فالجماعة الحراكية تتباين في الأهداف والغايات كما في القناعات والأسلوب، وهذا الأمر يؤدي إلى صعوبة التوافق مع الأطراف الأخرى، وهو ما قد يضعف الحراك.

المساهمون