رغم تسلم حركتي "حماس" و"الجهاد" لدعوات مكتوبة من رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون منذ أربعة أيام، للمشاركة في أعمال المجلس المركزي المخطط لعقده منتصف الشهر الجاري في رام الله، إلا أنّ أيّاً من الحركتين لم تؤكّد أو يرفض الحضور حتى الآن، في ظلّ جدل سياسي وراء الكواليس عن الجدوى من عقد المجلس الذي لم تنفذ قراراته الأخيرة قبل ثلاث سنوات. وكان الرئيس محمود عباس أعلن نهاية الشهر الماضي وفي الذكرى الـ53 لانطلاق الثورة الفلسطينية، عن عقد جلسة طارئة للمجلس المركزي بصفته "أعلى سلطة تشريعية للشعب الفلسطيني تنوب عن المجلس الوطني الفلسطيني، وذلك لمناقشة قضايا استراتيجية تهم مصير شعبنا وقضيته العادلة، واتخاذ القرارات الحاسمة للحفاظ على القدس وحماية حقوق شعبنا".
ورغم تحديد موعد عقد المجلس المركزي في الرابع عشر من الشهر الجاري في مدينة رام الله تحت عنوان: "القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين"، إلا أنّ خبراء سياسيين يرون أن الاجتماع يحمل صفة رمزية أكثر من كونها صفة عملية، لما تمرّ به القضية الفلسطينية من تصعيد أميركي وإسرائيلي غير مسبوق.
ويتّضح من الحوارات التي تدور في كواليس الفصائل أن القيادة قادرة على القيام بخطوات عملية حقيقية على الأرض لإيصال رسالتها إلى الإدارة الأميركية ودولة الاحتلال، تتمثّل بتسريع إنجاز المصالحة بين "فتح" و"حماس"، وتشكيل حكومة وحدة وطنية وتحديد موعد الانتخابات، وقبل ذلك رفع العقوبات التي فرضتها السلطة على قطاع غزة، وجميعها عقبات كبيرة طال انتظار زوالها، وتترجم الشراكة السياسية، لا سيما بين منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية التي ما زالت خارج المنظمة مثل حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي".
ورغم تأكيد الزعنون في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" أن "الحركتين ما زالتا تدرسان دعوات المشاركة في المجلس المركزي، لكن لم يردّا بالموافقة أو الرفض حتى الآن"، إلاّ أن هناك ترجيحات أن توافق "حماس" على المشاركة. وحول عدم تنفيذ القرارات التي اتخذها المجلس المركزي عام 2015 وما إذا كانت قرارات الاجتماع المنتظر ستلقى المصير نفسه، قال الزعنون: "القرارات المقبلة ستنفذ، وسيكون عدم تنفيذ قرارات المجلس المركزي عام 2015 محلّ سؤال، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ستجيب عن هذا السؤال".
ومن الأمور التي بقيت عالقة من دون تأكيد أيضاً، عملية استخدام تقنية "الفيديو كونفرنس" في الاجتماع، إذ أكّد الزعنون أنّ "المجلس لم يقرّر ذلك بعد". وتعود هذه الأهمية إلى أن قرار استخدام هذه التقنية يتوقّف عليه مشاركة قيادات سياسية وازنة من الفصائل الفلسطينية الموجودة في قطاع غزة من جهة، والشتات مثل لبنان وسورية من جهة أخرى، إذ ينظر المراقبون إلى هذه النقطة كدلالة على توجه القيادة نحو المشاركة السياسية من عدمه.
من جهتها، تصّر حركة "حماس" على أن حضورها اجتماع المجلس المركزي، في حال تمت الموافقة عليه من قبل المكتب السياسي للحركة، لن يكون شرفياً أو رمزياً، بل حضوراً فاعلاً. وأكد رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني عزيز الدويك في حديث مع "العربي الجديد"، تلقيه هو وسبعة أعضاء آخرين في المجلس التشريعي عن الحركة، دعوات من الزعنون، من خلال مناصبهم كأعضاء في التشريعي، لكنه نوّه إلى عدم وجود موقف رسمي صادر بعد حول المشاركة، معتبراً أنّ "عدم الموافقة على ذلك أمر صعب للغاية".
ولفت الدويك إلى أنّ القانون ينصّ على أنّ كل عضو في المجلس التشريعي هو عضو في المجلس المركزي، وكذلك رؤساء اللجان في "التشريعي" هم أعضاء في "المركزي". وقال: "بخصوص أعضاء التشريعي في غزة، لن يستطيعوا الوصول لأن الاحتلال يمنع ذلك، أمّا في الضفة الغربية، فهناك احتمال كبير جداً لأن يحضروا ويشاركوا، وبتقديري في ظلّ المصالحة سيكون هناك حضور". ورفض الدويك فكرة الحضور الشرفي في اجتماعات المركزي، وقال: "الحضور الشرفي غير وارد، ونحن نتفاعل مع الناس بما نعتقد أن فيه مصلحة لأبناء شعبنا، والظروف المحيطة تملي علينا هذا الحضور".
وهذه المرة الأولى التي ستشارك فيها "حماس" في اجتماعات المجلس المركزي بعد عام ٢٠٠٦. وكان مؤسس الحركة وزعيمها الروحي الشيخ أحمد ياسين قد شارك عام 1999، في اليوم الأول للاجتماع، لكن سرعان ما طالبه المكتب السياسي بالانسحاب، إذ لم يحضر اليوم الثاني، وفق ما أفادت به مصادر من حركة "حماس" لـ"العربي الجديد". وحول ما إذا كانت مشاركة الشيخ ياسين حينها فاعلة أم لا، قال الدويك "قطعاً مشاركة فاعلة، ونرفض المشاركة الشرفية كما نرفض أن نكون دمى أو صورا من كرتون"، معرباً عن اعتقاده أن المشاركة هذا العام "ستكون فاعلة" أيضاً.
وحول ما إذا كانت ستشارك قيادات من "حماس" في اجتماعات المركزي عبر "الفيديو كونفرنس" مع غزة وبيروت، أم ستكتفي بمشاركة أعضاء التشريعي فقط، قال الدويك: "إذا أسفرت الشورى في الحركة عن الموافقة على المشاركة، ستكون المشاركة عبر الصعد كافة"، موضحاً أنه "من المفترض أن يتبلور الموقف النهائي والرسمي حول المشاركة خلال أقلّ من يومين".
أما حركة "الجهاد الإسلامي" التي أكّدت تلقيها دعوة الزعنون، وفق ما أكد القيادي في الحركة أحمد العوري لـ"العربي الجديد"، فإن قرارها بالمشاركة "قيد الدراسة وسنعلن عن قرارنا بهذا الشأن لاحقاً"، بحسب قوله.
وأكّدت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، بدورها، موقفها عبر ورقة مستقلة، قدمتها يوم الأربعاء في اجتماع اللجنة السياسية لمنظمة التحرير. ومن جملة ما أكدت عليه، رفضها لأي اجتماع للمجلس المركزي عبر تقنية "الفيديو كونفرنس"، وطالبت بأن يكون الاجتماع خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة بعيداً عن قبضة الاحتلال.
وقال القيادي في الجبهة عمر شحادة لـ"العربي الجديد": "سنشارك في الاجتماع من رام الله، لكن الجبهة الشعبية في الخارج لن تشارك عبر تقنية الفيديو كونفرنس". وأشار إلى أنه: "إذا أردنا أن نحكم على حقيقة موقف القيادة الفلسطينية، فيجب أن نرقب أمرين: الأول مدى التزام الرئاسة الفلسطينية بالتوجه إلى إحالة ملف جرائم الاحتلال، بدءاً بالاستيطان، إلى محكمة الجنايات الدولية والعمل على محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين. ثانياً: الالتحاق بالمؤسسات الدولية الـ22 على وجه التحديد التي كانت الولايات المتحدة تضع على انضمام الفلسطينيين إليهم فيتو، علماً أن ما وقعه الرئيس أبو مازن قبل أيام لا يتضمّن هذه المؤسسات الدولية".
واعتبر شحادة أنّ "هذين الأمرين هما معيار لمدى صدق القيادة الرسمية الفلسطينية وحزمها في ترك المراوحة في فلك المفاوضات والرهان على ما يسمى بعملية السلام والدور الأميركي في ذلك، فضلاً عن المطالبة باستمرار الموقف برفض لقاء أي ممثل أو مسؤول من الإدارة الأميركية في ما يخصّ القضية الفلسطينية، إلاّ في إطار التمسك بالشرعية الدولية إطاراً ومرجعيةً وقرارات".
وأكد شحادة أنّ "الجبهة الشعبية" قدّمت ورقة مستقلة إلى اللجنة السياسية للجنة التنفيذية، سيصار إلى تقديمها إلى المجلس المركزي، وأكّدت فيها أنه "لا حاجة لأي لجان أو توصيات، بل طالبت بثلاثة أمور محددة هي أولا: تنفيذ قرارات الملجس المركزي السابق في مارس/آذار 2015، وقبل ذلك مساءلة اللجنة التنفيذية ورئيسها، لماذا لم تنفذ هذه القرارات؟ لا سيما أنه تم اتخاذها من أعلى هيئة وهي المجلس المركزي. ثانياً: الاستخلاص السياسي الرئيسي الذي يقوم على قاعدة الفشل المطبق لمسيرة أوسلو ومسيرة السلام، والاستخلاص النهائي بضرورة القطع التام مع أوسلو، منهجاً وسياسيةً والتزاماً ومفاوضات، باعتبار أن هذا المسار لا يمكن يستخلص منه أي حلّ وطني. أما ثالثاً، فهو التسليم بأنّ الساحة الفلسطينية باتت أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التسليم بالحل الإسرائيلي الأميركي المعبّر عنه بمجمل السياسات الإسرائيلية والأميركية الأخيرة، أو الانتقال إلى خطاب التحرر الوطني القائم على المقاومة الشعبية بكل أشكالها، وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية".