مؤتمر "استراتيجية المقاطعة ضد الاحتلال": قراءات في الجوانب التاريخية

06 اغسطس 2016
المؤتمر ناقش نجاحات وإخفاقات حركة المقاطعة للاحتلال (شادي حاتم/الأناضول)
+ الخط -
تواصلت، الجمعة، في مدينة الحمامات بتونس، أعمال المؤتمر الدولي الذي ينتظم تحت عنوان: "استراتيجية المقاطعة ضد الاحتلال الإسرائيلي ونظام الأبرتهايد: الواقع والطموح"، بمبادرة من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، بالتعاون مع فرع المركز في تونس.

وفي الجلسة العلمية الصباحية، حاضر الأستاذ عبد اللطيف الحناشي، من تونس، حول موضوع "مقاطعة الحركة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي، قراءة في الأبعاد التاريخية"، إذ أشار إلى أن "المقاطعة كشكل احتجاجي ضد سياسات الاستبداد الاستعماري تواجدت منذ العصور القديمة، وظهرت تقريبا في كل الحقبات التاريخية، وفي مختلف أنحاء العالم، غير أن الدراسات المقارنة تكاد لا تذكر إلا تلك التي نشأت في العصور الحديثة (الهند وجنوب أفريقيا والأرجنتين)، مبينا أن الفلسطينيين اعتمدوا في البداية المقاطعة وسيلة ضغط ونضال لمواجهة تمدد الحركية الصهيونية وتوسعها على أرضهم".

وأضاف الحناشي أن حركة المقاطعة عرفت الكثير من التطورات والمسارات، وأدت، وفق الكثير من التقييمات والدراسات التحليلية، إلى تحقيق بعض النجاحات، خاصة بعد أن انخرطت فيها الأوساط الرسمية العربية، ومنها جامعة الدول العربية، "غير أن السنوات الأخيرة، وما حملته في طياتها من متغيرات إقليمية استراتيجية وسياسية واقتصادية، أدت لحصول بعض الإخفاقات، لا سيما بعد اعتماد بعض الأوساط الفلسطينية والعربية لسياسات التسوية السياسية مع الكيان الصهيوني".  

وزاد أن "الثابت أن المجتمع المدني الفلسطيني والعربي واصل حراكه الرافض للتعامل مع إسرائيل على جميع المستويات، ذلك أن كل التطورات التي حصلت إقليميا لم تنسه مواصلة اعتماد المقاطعة كأسلوب للتصدي لكل أشكال التطرف والتمييز التي ينتهجها الكيان الصهيوني، ونجح هذا الحراك الشعبي في توسيع أشكالها لتشمل مجالات أخرى، علمية وأكاديمية وثقافية، وبرز ذلك، بوجه خاص، إثر الاتفاقيات السياسية التي أبرمت بين العرب والكيان الإسرائيلي".

وفي مداخلة ثانية بعنوان "المقاطعة ومناهضة التطبيع، التراجع الرسمي العربي والاندفاع المدني الفلسطيني"، أوضح الباحث الأردني أحمد قاسم حسين أن "المقاطعة كانت إحدى الأسلحة التي اعتمدها الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاعتداءات الإسرائيلية. ولأن حركة التحرير الوطني الفلسطيني لم تكن معزولة عن محيطها العربي والإسلامي والإقليمي، وحتى الدولي، فإنها تأثرت وأثرت في هذه البيئات، وأخذت من حركات التحرر الوطني فيها، على غرار تلك التي شهدتها جنوب أفريقيا والهند وكوبا وغيرها".

وفي هذا الإطار تمكن الإشارة، وفق تقدير الباحث، إلى أن "تجربة جنوب أفريقيا كانت الملهم الأول لماهيات وآليات حركات المقاطعة والتصدي لسياسات التمييز العنصري التي تنتهجها مؤسسات الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الأعزل"، قبل أن يؤكد أن "المقاطعة اتخذت أشكالا جديدة ثقافية وأكاديمية ورياضية وعلمية. ورغم المساندة الرسمية العربية، وكذلك دعم جامعة الدول العربية لهذه الحركة الشعبية والرسمية الفلسطينية، فقد تراجعت في السنوات الأخيرة، بفعل تغير المواقف الرسمية العربية وتداعيات الأزمة السورية، ومع ذلك فإن الثابت أن حراك المجتمع المدني والشعبي الفلسطيني ضد كل أشكال التطبيع مع إسرائيل قد أعطى نتائج جد مهمة".

الأستاذ والباحث الفلسطيني، أشرف عثمان بدر، قدم، بدوره، عبر السكايب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، مداخلة بعنوان "حركة المقاطعة ومقاومة التطبيع.. قراءة في الضغوطات وعوامل النجاح"، حيث شدد على أن "حركة المقاطعة الفلسطينية، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات التي تدخل اليوم عقدها الثاني، تواجه العديد من التحديات الداخلية والإقليمية، من أسبابها التطورات السياسية في المنطقة والضغوطات الكبيرة والمتعددة الأطراف التي تعترض هذه الحركة، ونجاح إسرائيل في كسر الطوق الذي ضربته حولها حركة المقاطعة الفلسطينية".

وقال بدر إن "إسرائيل حققت العديد من المكاسب في حربها ضد حركة المقاطعة الفلسطينية، بفعل استراتيجيتها المضادة، والتي انتزعت بها زمام المبادرة من هذه الأخيرة، ونجحت في التأثير في الأوساط الشعبية والرسمية في أميركا وأوروبا، وأربكت بوجه عام الجهود الفلسطينية والعربية على هذا المستوى".

الباحث الأردني عمرو سعد الدين تحدث، في مداخلة بعنوان "حركة مقاطعة إسرائيل في محيطها العربي: قراءة في القيم والمسارات"، عن أن هذه "الحركة أثرت وتأثرت في محيطها العربي والإقليمي والدولي، على اعتبار أنها روجت لقيم جديدة ركزت بالأساس على إبراز الأبعاد العنصرية لسياسات الكيان الصهيوني تجاه الفلسطينيين".

وخلص إلى أن حركة "بي دي إس" نجحت نسبيا في انتزاع تأييد قطاعات مهمة من الرأي العام العالمي، خاصة بعد أن أخذت من بعض التجارب الناجحة في مقاومة سياسات التمييز والفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وخلال حرب التحرير الوطني الجزائرية".

الباحث الكويتي عايد عتيق الجريد تحدت عن مبادرات الكويت شعبيا ورسميا في مقاطعة الكيان الصهيوني منذ بدايات القرن الماضي، وقال: "لم تدخر الكويت حكومة وشعبا جهدا إلا وبذلته لمقاطعة إسرائيل اقتصاديا وعلميا وثقافيا ومؤسساتيا، وأن الكويتيين انحازوا منذ اللحظات الأولى لبداية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى جانب الفلسطينيين، ودافعوا عن قضيتهم بكل شراسة في المحافل الإقليمية والدولية".

وذكر المتحدث أن "الكويت اتخذت العديد من الخطوات العملية لتفعيل المقاطعة، منها إنشاء مكتب مقاطعة إسرائيل، وتأميم البريد، ورفض التعامل مع الشركات الاقتصادية، وكذلك شركات الطيران والنقل البحري التي تتعامل مع الكيان الصهيوني"، ملاحظا أن "هذا الحراك الشعبي والرسمي نجح في زعزعة إسرائيل، وسبب لها مشاكل اقتصادية كبيرة"، وفق تقديره.


كما قدمت الباحثة الأردنية، منى عوض الله، محاضرة بعنوان: "أشكال مقاطعة الكيان الصهيوني وأساليبها في الأردن، دراسة ميدانية"، تناولت فيها بعض أوجه نشاطات حملات مقاطعة الكيان الصهيوني التي بدأت في الأردن مباشرة بعد التوقيع على اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية، من خلال تأسيس لجنة وطنية لمقاطعة إسرائيل، والتي حظيت بتأييد شعبي كبير، ومن نشاطاتها تنظيم الاعتصامات الشعبية، وبعضها دام نحو خمس سنوات، وكان من مطالبها إلغاء الاتفاقية وإغلاق السفارات، وردت عليها السلطات الرسمية باعتقال عدد من الناشطين، وأوردت عوض الله أن مقاطعة إسرائيل شملت، أيضا، المجالات العلمية والأكاديمية، ورفض دخول الإسرائيليين إلى الأردن، و"تطور هذا التوجه لاحقاً ليتحول إلى جبهة رافضة لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني".  

وتم خلال هذه الجلسة التأكيد على أهمية التفريق بين الصهيونية واليهودية، "لأن هذا الخلط أدى إلى ما يمكن تسميته بـ"تديين" الصراع العربي الإسرائيلي، الأمر الذي استغله الكيان الصهيوني وانعطف بجوهر الصراع إلى مناحٍ دينية، ما أثر كثيراً على صورة الصراع العربي الإسرائيلي".

كما تمت الإشارة إلى أن القضية الفلسطينية وجهود كل الفعاليات والشعبية والمدنية والرسمية قد تأثرت كثيرا بالتطورات الإقليمية، خاصة السورية، ما ساهم في حصول انقسام في الموقف العربي من القضية الفلسطينية، رسميا وشعبيا. وقد تساءل أحد الحاضرين: "هل مقاطعة  إسرائيل اليوم تعد وسيلة للوصول إلى نتائج معينة، كتغيير المواقف وتعبئة الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية، أم هي غاية وجب إدراكها، مع ما يتطلبه ذلك من تكييف للمواقف، أو حتى القيام بتنازلات أو غيرها للوصول لهذه الغاية؟".

كما استفسر بعضهم عن آفاق حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات في السنوات القادمة، خاصة أمام تنامي تأثير تيارات التطبيع في الدول العربية، وكذلك الضغوطات التي تتعرض لها هذه الحركة من الداخل العربي، وحتى الفلسطيني، و"هذا من أبرز التحديات التي تواجهها المقاطعة التي قد تكون معرضة لمحاولات اختراق محتملة".



المساهمون