تحضيرات معركة الموصل من الداخل... عدّةً وعديداً

05 أكتوبر 2016
حشود كبيرة تتحضر لبدء المعركة (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
تدل كل المؤشرات على أن معركة الموصل ستكون مختلفة تماماً عن المعارك التي سبقتها لاستعادة مدن عراقية من سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) خلال الأشهر التسعة الماضية، لأسباب كثيرة وتكاد تكون متناقضة، تبدأ من مساحة المدينة وتضاريسها وما تمثله لكلا الطرفين (تنظيم داعش والحكومة العراقية)، مروراً بعدد السكان المتواجدين فيها (حوالى مليون وربع المليون مواطن) والمصير المجهول الذي ينتظرهم، ولا تنتهي عند حجم الاستعدادات الهائل للقوات المهاجمة والتحضيرات التي عكف "داعش" على إعدادها منذ نحو شهرين.
ومع بدء قرع بغداد طبول الحرب وإرسال الألوية القتالية إلى محافظة نينوى، تنساب وحدات البشمركة بهدوء من على سفوح جبال مخمور ومكحول متجهة إلى أقرب النقاط إلى الموصل التي تبعد نحو 20 كيلومتراً، لتلتقي بنحو 3 آلاف مقاتل من العشائر العربية ومتطوعي تحرير نينوى (الحشد العشائري)، بينما من المتوقع أن يبلغ فصيل الضياغم التابع لعشيرة شمر العربية بحلول ظهر اليوم الأربعاء، مشارف الموصل من الاتجاه الشمالي الغربي سالكاً طريق سهل نينوى وتحت حماية جوية من الطيران الأميركي.
يقابل ذلك استعدادات وتحضيرات كبيرة للتنظيم، تمثّلت بتدمير ثمانية جسور حيوية تربط الموصل بمحيطها الخارجي، وزرع العشرات من حقول الألغام ونصب العبوات الناسفة وحفر الخنادق، بينما تنتشر مضادات الطائرات من عيار 157 ملم على محوري الغرب في منطقة الغابات والجنوب عبر بساتين الشورى والنمرود ضواحي المدينة الأبرز التي تمثل الرئة التي تتنفس منها المدينة.
في غضون ذلك، استمر القصف الكثيف لليوم الثالث على التوالي أمس بلا توقف من قِبل الطيران الأميركي والفرنسي والعراقي على حد سواء وسط تقارير تؤكد تدمير العديد من مقرات "داعش" الرئيسية، إلا أن ذلك ترافق مع سقوط عشرات المدنيين بين قتيل وجريح خلال الساعات 72 الماضية.

حشد متبادل
حتى الساعة الخامسة من فجر أمس الثلاثاء، لم تكن صورة القوات التي ستهاجم واضحة بشكل أكيد، قبل أن تبارك واشنطن تشكيلة القوات التي ستشارك وتوافق عليها أربيل والقوى السياسية السنّية مع اشتراطها وجود ضمانات في ما يتعلق بعدم دخول مليشيات "الحشد الشعبي" إلى الموصل وإبقائها خارج أسوارها.
ووفق معلومات خاصة حصل عليها "العربي الجديد" من جنرالات في وزارة الدفاع العراقية، فإن القوات التي ستشارك في المعركة هي: القوات العراقية المشتركة التي تضم: الجيش العراقي ممثلاً بالفرقة 15 والفرقة 16 واللواء المدرع الثالث وكتيبة مدفعية ولواء التدخل السريع واللواء الرابع التابع للفرقة الثامنة، الشرطة الاتحادية، قوات جهاز مكافحة الإرهاب، سلاح الجو العراقي، ثلاثة ألوية من قوات البشمركة، وحدة مدفعية ميدان، الفرقة الهندسية الثالثة (معالجة ألغام)، قوات تحرير نينوى (عشائر ومتطوعين)، فصيل الضياغم التابع لعشيرة شمر، وسبعة فصائل من "الحشد الشعبي" (حزب الله وسرايا السلام وبدر والعصائب وجند الإمام والنجباء وأبو الفضل العباس) مع ملاحظة أن كل فصيل يضم ثلاثة مستشارين إيرانيين.
أما القوات الأجنبية فتتألف من 450 جندياً ومستشاراً أميركياً من الفرقة 101 المجوقلة، و60 جندياً من جنسيات غربية مختلفة ضمن جهود التحالف الدولي، وكتيبة مدفعية أميركية، وكتيبة مدفعية فرنسية، والطيران الأميركي والفرنسي. فيما لم يتأكد، حتى الآن، ما إذا سيشارك سلاح الجو الملكي البريطاني بالهجوم. كما ستتولى القوات التركية في معسكر زليخان شمال الموصل مهمة الإسناد والدعم اللوجستي لقوات البشمركة ومقاتلي العشائر.
في المقابل فإن "داعش" يسجل انفرادة هي الأولى من نوعها منذ بدء الصراع في العراق من خلال عدم الإعلان عن أي تحضيرات له كما اعتاد قبل كل معركة وشيكة من خلال تسجيلات وأفلام فيديو يبثها لمقاتليه وهم يتدربون ويستعرضون الأسلحة الثقيلة والمتوسطة ويتوعدون من يسموهم بـ"الكفرة والمرتدين".

إلا أن معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" من داخل مدينة الموصل، تؤكد تحشيد التنظيم أكثر من ستة آلاف مقاتل بقيادة الشيشاني إسماعيل أحمد، موزعين على محاور المدينة المختلفة، ويشكّل المقاتلون المحليون نحو 60 في المائة من عناصر التنظيم في الموصل، بينما النسبة المتبقية من جنسيات عربية وغربية مختلفة. فيما يُقدّر عدد الانغماسيين والانتحاريين من مجموع عناصر التنظيم الكلي أكثر من 30 في المائة، ما يؤشر إلى نية التنظيم تحويلها إلى معركة استنزاف كبيرة يسعى خلالها لتكرار تجربة معركة الفلوجة التي استهلكت من الجيش والمليشيات أكثر من سبعة آلاف قتيل وجريح قبل اقتحامها.

كما قام التنظيم بقطع كل الجسور والطرق المؤدية إلى المدينة ونصب الأفخاخ والعبوات الناسفة وأنشأ خطاً واسعاً من حقول الألغام التي ستكون حاجز الصد الأول له من أصل ثلاثة خطوط وضعها حول المدينة، هي الألغام والعبوات الناسفة ثم خط من المقاتلين المحترفين بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، ثم خط الانغماسيين والانتحاريين. وفي حال انهيار الخطوط الثلاثة سيكون على المهاجمين التعامل مع حرب شوارع يجهز التنظيم لها بينما تنتشر مضادات الطائرات من عيار 157 ملم على محوري الغرب في منطقة الغابات والجنوب عبر بساتين الشورى والنمرود في ضواحي المدينة الأبرز.


خارطة المواجهات وخطوط التماس

وأفاد موفد "العربي الجديد" في محافظة نينوى نقلاً عن ضباط في الجيش العراقي، بأن الخط الجنوبي المحدد بمحور القيارة سيكون بيد الجيش العراقي والمليشيات، والخط الشرقي المحدد بمحور خازر والكوير ومخمور سيكون بيد قوات البشمركة والعشائر العربية، فيما الخط الشمالي المحدد بمحور بعشيقة وشيخان والشلالات المعروف باسم سهل نينوى سيكون تحت سلطة قوات البشمركة بمشاركة العشائر العربية، فيما يبدو المحور الغربي من مناطق البعاج وسنجار وصولاً إلى الحدود السورية شبه هادئ.
ويمكن ملاحظة اختيار الجيش الأميركي لجبل بعشيقة لإنشاء معسكر لقواته هناك، إذ تحوّل إلى أشبه ما يكون بحاجز بين الأكراد المتواجدين شرقاً وشمالاً، والعشائر العربية من جهة، وبين مليشيات "الحشد" التي تتواجد جنوباً مع الجيش العراقي من جهة أخرى، تحسباً لأي احتكاك بين الطرفين. وبحسب المشهد خلال ساعات متأخرة من عصر أمس الثلاثاء، فإن أقرب نقطة تتواجد فيها القوات المشتركة تبعد نحو 20 كيلومتراً عن أسوار الموصل (شرقاً) وهي بيد قوات البشمركة، بينما يبعد الجيش العراقي 29 كيلومتراً جنوباً. وشاهد مراسل "العربي الجديد" قوات أميركية في المحور الشرقي إلى جانب القوات الكردية وهم يتشاركون الطعام في أحد المواقع.
وقال العقيد الركن فلاح البياتي من قيادة الفرقة الخامسة عشر في الجيش لـ"العربي الجديد"، إن "الطيران الأميركي مستمر بعمليات التصوير والمسح اليومي لمدينة الموصل من ارتفاعات عالية، ما يوفر لنا صورة جيدة عن الوضع داخلها، كما أن هذه العمليات تحصل بتقنية عالية ما يسمح لنا بملاحظة المواطنين في الأسواق والشوارع وعددهم كبير جداً". وأضاف أن "داعش يستمر بتغيير مواقعه بشكل يومي خوفاً من استمكان الطيران له وهذا تحدٍ آخر".
فيما قال مجلس محافظة نينوى (الحكومة المحلية للمحافظة) إن "القوات المشتركة والتحالف الدولي أنهوا استعدادات معركة تحرير مدينة الموصل". ونقل موقع عراقي مقرب من الحكومة عن عضو مجلس محافظة نينوى حسن شبيب قوله "كل ما على الأرض يعطي إشارات ايجابية بأن معركة تحرير نينوى قد اقتربت، وأن خلاص أهلنا من ظلم داعش قريب". وأضاف شبيب أن "كل القوات مستعدة للمعركة بما في ذلك التحالف الدولي"، لافتاً الى أن "تحرير المدينة سيتم خلال المدة المقبلة".

وحول ساعة الصفر أو بدء عملية الهجوم، أوضح البياتي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الهجوم سيكون مباغتاً وقد يعلن رئيس الوزراء ذلك بأي وقت"، مشيراً إلى "المعركة قد تطول لأكثر من شهرين بسبب التضاريس والمساحة والمقاومة التي سنتعرض لها خلال تقدّمنا، لكن الأميركيين يؤكدون أنها ستكون سريعة، وستكون هناك مظلة فوق قواتنا على مدار الساعة لكن هذا غير مؤكد فلكل معركة مفاجآتها" على حد قوله.

مصير مجهول للمدنيين
من جهته، قال رئيس منظمة السلام العراقية لحقوق الانسان محمد علي، لـ"العربي الجديد"، إن الحديث عن بدء القوات المشتركة بفتح ممرات آمنة غير صحيح ولا يوجد شيء على الأرض حتى الآن، موضحاً أن "القصف بات كثيفاً على المدينة وهناك تجاهلاً تاماً للضحايا الذين يسقطون، ونتوقع أن يسقط عدد أكبر، فربح المعركة بات الهدف الأهم لكل الأطراف". ولفت إلى أن "دور الأمم المتحدة يقتصر حالياً على نصب الخيام لمن سينجو من العاصفة"، داعياً سكان الموصل "للمباشرة بحفر خنادق داخل منازلهم أو في فنائها واللجوء إليها أثناء القصف الدولي أو الصاروخي وتخزين المياه والضمادات بكميات تكفيهم"، مضيفاً: "هناك تجاهل للمدنيين وعلينا أن نطلب معجزة من الله حتى يتحلى طرفا الصراع بقليل من أخلاق الفرسان" على حد وصفه.

ويُقدّر عدد المدنيين المتواجدين في الموصل، وفقاً لمحمد الحمداني مختار حي الزنجيلي في المدينة، بأكثر من مليون وربع المليون "الذين لا حيل لهم سوى البقاء في منازلهم واستقبال الموت"، وفق قوله. وأضاف الحمداني في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المدينة باتت منذ أيام كطاولة صغيرة يهزها طفل من الأسفل فهي ترتج على مدار الساعة بفعل القصف المستمر"، مشيراً إلى أن "الضحايا المدنيين يُنقلون إلى المقابر بصمت بفعل الغارات اليومية". ولفت إلى أنه "يتم قتل عدد من المسلحين، ويمكن القول 3 مسلحين مقابل سبعة أو ثمانية مدنيين يسقطون من نساء وأطفال وشيوخ، فهذه معادلة الطائرات الأميركية في الموصل".
وتشير التقارير الطبية إلى أن عدد من سقط بفعل القصف الجوي للتحالف الدولي خلال العام الحالي فقط بلغ أكثر من 900 قتيل وجريح في الموصل وحدها، يُشكّل الأطفال والنساء أكثر من نصفهم. ووفقاً لطبيب تحدث مع "العربي الجديد" عبر الهاتف من داخل الموصل وطلب عدم الكشف عن اسمه بسبب منع التنظيم الأطباء التحدث لوسائل الاعلام، فإن 386 مدنياً قُتلوا منذ مطلع العام بفعل الغارات الجوية وأصيب أكثر من 520 آخرين بجروح. ولفت إلى أن أكثر من نصف الضحايا من النساء والأطفال، ملقياً بجزء من اللوم على "داعش" الذي يتجول أو يقيم بين منازل المواطنين ويجذب الصواريخ والطائرات.

دمار البنى التحتية
وأظهر مسح أجراه ناشطون في الموصل دماراً كبيراً في البنى التحتية جراء الضربات الجوية لطيران التحالف الدولي والعراقي خلال العامين الماضيين. وبحسب المسح فإن أبرز البنى التحتية التي دُمرت في الموصل بفعل الغارات الجوية هي: معمل أدوية نينوى والمخازن التابعة له، معمل الغزل والنسيج، محطة الماء الجديدة (مشيرفه)، محطة كهرباء القيارة، معمل كبريت المشراق، معامل الإسمنت، المحطة الحرارية، جزء كبير من جامعة الموصل، ورش ومعامل المعهد التقني الموصل، أربعة جسور، جزء كبير من خطوط نقل الطاقة الكهربائية، جزء كبير من شبكة المياه الصالحة للشرب، جزء كبير من شبكة الاتصالات الداخلية (السلكية)، معامل الحديد الصلب، 212 معمل وورشة حكومية وخاصة، مصفى النفط، دائرة البريد والاتصالات، كابل الألياف الضوئية، بناية المحافظة (القديمة والجديدة) وما حولها من عمارات، 6 ملاعب كرة القدم، نحو ألف مبنى سكني بين بيت وعمارة سكنية ومجمع حكومي وخاص، وغيرها.
فيما أدرج المسح أبرز البنى التحتية والمواقع التي دمّرها "داعش"، وهي 22 مسجداً وكنيسة ومرقداً أبرزها جامع النبي يونس، قبر النبي شيت، جامع ومرقد النبي جرجيس، ضريح الأب إسحاق. أما المواقع الأثرية التي سرق التنظيم محتوياتها ودمرها فأبرزها: مدينة النمرود والحضر، بوابة نركال، سُور نينوى، متحف نينوى التاريخي. كذلك قام التنظيم بتدمير تسعة مصارف مختلفة، أبرزها بنك الرافدين وبنك ومصرف الرشيد وبنك الشرق الأوسط وبنك الخليج وبنك الموصل ومصرف بغداد، بعد سرقة ما فيها من أموال وايداعات وأمانات.

المساهمون