مفاوضات حلّ الأزمة الأفغانية: قطر تحتفظ بدور الميسّر بحثاً عن نهاية للحرب

20 نوفمبر 2018
خليل زاد:السلام أصبح أقرب من أي وقت مضى(فرانس برس)
+ الخط -

تنأى قطر بنفسها عن الانخراط المباشر في جولات المحادثات التي يجريها المبعوث الأميركي للسلام في أفغانستان زلماي خليل زاد مع أطراف الأزمة الأفغانية، لكنها تحتفظ لنفسها، وهي المطلعة على التفاصيل المعقدة لهذه الأزمة، بدور "الميسر والمسهّل" لهذه المحادثات، وفق ما أعلنه نائب رئيس مجلس الوزراء القطري وزير الدولة لشؤون الدفاع، خالد بن محمد العطية، في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وردّ العطية وقتها على سؤال في منتدى "عودة المقاتلين الأجانب" الذي عقد في الدوحة، عن الدور القطري في مفاوضات حلّ الأزمة الأفغانية، بالقول إنّ "قطر تلعب دور الميسّر والمسهّل في الأزمة الأفغانية وليس دور الوسيط"، مذكّراً بأنّ "مكتب طالبان افتتح بالدوحة بناء على طلب أميركي سابق". لكنّه لفت بشكل غير مباشر إلى زخم ستشهده محادثات الأزمة الأفغانية، بالقول إنّ "انضمام 5 أعضاء جدد للمكتب السياسي لطالبان أمر جيّد، والأقوياء هم القادرون على الجلوس على طاولة المفاوضات".

وتأتي التصريحات المتفائلة لخليل زاد التي قال فيها إنّه يتوقّع عقد صفقة سلام مع حركة "طالبان" قبل إبريل/ نيسان المقبل، وهو الموعد المحتمل للانتخابات الرئاسية في البلاد، لتؤكّد التوقعات القطرية في هذا الاتجاه. وأكّد المسؤول الأميركي بعد سلسلة من اللقاءات مع مسؤولين أفغان في كابول بالإضافة إلى اجتماعات مع زعماء الأحزاب السياسية والمجموعات العرقية في أفغانستان، وذلك عقب محادثات استمرّت لثلاثة أيام في الدوحة، أنّ إمكانية الوصول إلى اتفاق سلام بين "طالبان" والحكومة الأفغانية أصبحت "أقرب من أي وقت مضى".

وليست معروفة بعد الأسس التي بنى عليها المبعوث الأميركي لأفغانستان توقعاته لتحقيق السلام، لكنه أكّد أنّ بلاده ملتزمة بدعم الأفغان في الوصول إلى نهاية الصراع عن طريق الحوار، وهو المبدأ الذي تنتهجه الدبلوماسية القطرية في ما يتعلّق بملفات الصراع الإقليمية، والذي نجحت عبر تبنيه في السابق في حلحلة العديد من الأزمات المتفجرة. لكنّ اللافت أنّ الجولة الثانية للمحادثات التي أجراها خليل زاد في الدوحة، وفق ترتيب أميركي–قطري، وشارك فيها اثنان من أعضاء المكتب السياسي لحركة "طالبان" مقيمان في العاصمة القطرية، وهما حاكم "طالبان" السابق في ولاية هيرات (غربي البلاد)، خيرالله خيرخوا، وقائد الجيش السابق في طالبان محمد فاضل، لم تحقّق، وفق تصريحات مصادر حركة "طالبان"، اختراقاً يمكن أن يفسّر تفاؤل المبعوث الأميركي، فيما أعلنت "طالبان" أمس الاثنين أن المحادثات مع خليل زاد كانت "مبدئية ولم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن أي قضية".
الحركة رفضت وقف إطلاق النار، كما أنه لم يتم خلال المحادثات الاتفاق على إطلاق سراح أي سجناء أو الاعتراف بمكتب لـ"طالبان" أو رفع حظر السفر المفروض على قادة الحركة، وهي مطالب سبق أن قدمتها الحركة في المفاوضات السابقة، ولم تجد آذاناً صاغية أميركياً أو من قبل الحكومة الأفغانية.

لكن من الواضح أنّ دور "الميسّر والمسهّل" الذي تؤدّيه قطر في المحادثات الأفغانية، نجح في التأثير على قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفتح حوار مع حركة "طالبان" ووضع الطرفين على طاولة المفاوضات، وتفعيل المكتب السياسي للحركة في الدوحة. وكان هذا المكتب قد افتتح بطلب من إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، والذي طالب ترامب بإغلاقه العام الماضي، ما أدى إلى اعتراض مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية، إذ اعتبروا أنّ هذا الأمر يمكن أن يضرّ بالمصالح الأميركية في أفغانستان. واستعاد هذا المكتب المغلق بقرار من حركة "طالبان" زخمه بعد تعيين إدارة ترامب زلماي خليل زاد مبعوثاً للسلام في أفغانستان.

وتعدّ المحادثات التي أجراها مبعوث السلام الأميركي مع أطراف الأزمة الأفغانية أخيراً الثانية له منذ تعيينه في هذا المنصب، إذ سبق أن التقى قادة في "طالبان" مقيمين في قطر خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كما التقى الرئيس الأفغاني وقادة أحزاب أفغانية، ما كشف عن حصول تغيير واضح في السياسية الأميركية تجاه حركة "طالبان"، وهو التغيير الذي بدأ عملياً باللقاء الذي جمع مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون جنوب آسيا، أليس ويلز، في يوليو/ تموز الماضي، مع وفد من الحركة في الدوحة.

ومن الواضح أنّ الدور القطري الذي وصفه العطية بأنّه "ميسّر ومسهّل"، سيبقى مؤثراً وفاعلاً ومستمراً في حلحلة الأزمة الأفغانية التي استعصى حلّها طويلاً وتسبّبت في خسائر فادحة في الأرواح. فالمبادرات القطرية متواصلة، سواء بالدفع نحو إيقاف إطلاق النار، ولو بشكل مؤقّت، كما حصل في شهر رمضان الماضي، إذ أعربت الدوحة عن أملها بأن يمهّد هذا الإعلان لجلوس الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان" إلى طاولة الحوار للتوصّل إلى تسوية سلمية شاملة تسهم في تحقيق الاستقرار وإعادة الأمن إلى أفغانستان، أو من خلال جهود الوساطة القطرية التي قادت إلى إطلاق سراح خمسة من كبار أعضاء حركة "طالبان" من سجن غوانتانمو، بعد مبادلتهم مع الجندي الأميركي بو بيرغدال الذي أسرته "طالبان" عام 2009. ويوجد هؤلاء القادة الخمسة حالياً في قطر بموجب اتفاق مع واشنطن.

المساهمون