هي مفارقات لافتة في التاريخ اليمني، وكأنه يعيد نفسه بعد 52 عاماً، ضمن هدف واحد هو إضعاف الجمهورية اليمنية. ومهما تباعدت السنوات أو تبدلت الظروف تبقى السعودية المعني الأول في تحقيق ذلك. ففي ذاكرة اليمنيين تفاصيل كثيرة عن حرب السعودية ضد اليمن تماشياً مع مقولة مؤسس المملكة عبد العزيز آل سعود بأن "عز السعوديين في ذل اليمن".
وقفت الرياض إلى جانب الملكيين لمنع نجاح ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962. ولم تسلم الجمهورية اليمنية الوليدة في ذلك الحين من محاولات إجهاضها المتكررة عبر دعم السعودية لمن تبقى من الملكيين، ليشهد عهد أول رئيس للجمهورية اليمنية عبدالله السلال سنوات متتالية من عدم الاستقرار، تفاقمت بعد بروز خلافات أيضاً بين الجمهوريين أنفسهم وحول النفوذ المصري حتى تضافرت عوامل وحسابات عدة، لتؤدي إلى إطاحة السلال في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1967. وعقب ذلك لم توقف السعودية تدخّلها في الشأن اليمني يوماً، سواء تم ذلك بشكل مباشر، أو من خلال شراء الولاءات من خلال رواتب شهرية تُسلّم لأسماء كبيرة وشهيرة في اليمن الشمالي، قبل أن تستمر على هذا المنوال بعد الوحدة اليمنية وحتى اليوم على الرغم من تعاقب الرؤساء.
ويستعيد اليمنيون ذكرى هذا التاريخ اليوم بعدما اختير اليوم 5 نوفمبر 2019، موعداً للتوقيع على اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية و"المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتياً، والذي من شأنه شرعنة الانقلاب الذي نفذه المجلس في الجنوب ولو على نحو جزئي، وإضعاف ما تبقّى من الدولة اليمنية المهددة بالتفكك أكثر من أي وقت مضى.
وفيما يعتبر بعض اليمنيين أن التوقيع على الاتفاق بين الشرعية اليمنية و"المجلس الانتقالي"، برعاية سعودية، في هذا التاريخ، مجرد مصادفة لا أكثر، خصوصاً أن توقيع الاتفاق تأجل أكثر من مرة، يرى آخرون أنه محمّل بالدلائل والمفارقات، فيما الرسالة الأهم من كل ما جرى في العقود الماضية وحتى اليوم أن اليمن دائماً يقع تحت رحمة السعودية، ليبدو على نحو واضح أن مملكة تتحكّم في سلطة جمهورية.
اقــرأ أيضاً
يقول الناشط الجنوبي المستقل، فهمي السقاف، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "في عالم السياسة لا مكان للنوايا الطيبة بل للمصالح، وكذلك لا مكان للصدف، فكل شيء يُدرس بعناية فائقة واهتمام بالغ، فكل إشارة او إيماءة أو مكان وموقع أو تاريخ له دلالته". بالنسبة للسقاف، فإن "هذه المقدمة مهمة لفهم ومعرفة ما جرى ويجري في الرياض بين الثلاثي، التحالف والشرعية والمجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً ولاحقاً سعودياً فيما عُرف بتوقيع اتفاق الرياض، وأيضاً للإجابة عن سؤال: لماذا لم يتم التوقيع على الاتفاق الذي أُنجز في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وأُجّل التوقيع عليه بين الأطراف المعنية غير مرة إلى أن أعلن الحاكم الفعلي لليمن، السفير السعودي محمد آل جابر، أن التوقيع سيتم في الرياض بحضور ولي عهد المملكة وولي عهد الإمارات والرئيس اليمني يوم الثلاثاء 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019؟".
ويعتبر السقاف أن "اختيار المملكة تاريخ 5 نوفمبر لم يكن محض صدفة وليس بريئاً، بل قصدت منه السعودية أن توصل رسالة في غاية الوضوح في المعنى والدلالة والقصد والمقصد والرمزية لما تُريد في اليمن. ففي 5 نوفمبر 1967 تم الانقلاب على أول رئيس للجمهورية العربية اليمنية الرئيس عبدالله السلال". وبحسب وجهة نظره فإن "هذا الانقلاب تم برعاية وإشراف وتمويل سعودي، وهو الانقلاب الذي فتح المجال واسعاً أمام النفوذ السعودي في اليمن وأسس له ولما نجم عنه من مصادرة القرار اليمني ورهن سيادة اليمن للسعودية لآماد طويلة، لذا قصدت السعودية من هذا التوقيت أن توصل رسالتها بوضوح لليمنيين أنها تخوض الحرب لاستعادة نفوذها وهيمنتها وسيطرتها على اليمن والقرار والسيادة اليمنية".
في المقابل، تعتبر وجهة نظر أخرى أن ربط ما جرى عام 1967 بـ5 نوفمبر 2019 فيه نوع من التعسف على اعتبار أن التوصيف الأقرب لما تم في عام 1967 كان انقلاب حزب البعث والقوى المحافظة في معسكر الجمهورية ضد السلال والنفوذ المصري. كما أن الاتفاق الجديد كان مقرراً التوقيع عليه قبل أكثر من أسبوع، ثم تحدد يوم آخر له. أما الدلالة فكانت ستكون قوية لو تقرر التوقيع في 30 نوفمبر، تاريخ خروج الاستعمار البريطاني من جنوب اليمن (عام 1967).
ووسط هذا الانقسام بشأن دلالة 5 نوفمبر، يبدو الإجماع واضحاً لدى اليمنيين أن كل ما يجري يكرّس الهيمنة السعودية على اليمن، وأن كل محاولات التخلّص منها على مدى العقود الماضية باءت بالفشل لأسباب عدة تتحمّل مسؤوليتها القوى السياسية والقبلية المتحكّمة بالمشهد اليوم. وبالنسبة للبعض فإن السعودية لم تكن يوماً لتتخلى عن نفوذها في اليمن ولن تقوم بهذه الخطوة مطلقاً. لكن حجم تدخلها يبقى رهن مصالحها. وما جرى في السنوات الماضية دليل واضح على كيفية إدارة السعودية للملف اليمني، وأن أي انكفاء لها يكون مؤقتاً.
وفيما يعتبر بعض اليمنيين أن التوقيع على الاتفاق بين الشرعية اليمنية و"المجلس الانتقالي"، برعاية سعودية، في هذا التاريخ، مجرد مصادفة لا أكثر، خصوصاً أن توقيع الاتفاق تأجل أكثر من مرة، يرى آخرون أنه محمّل بالدلائل والمفارقات، فيما الرسالة الأهم من كل ما جرى في العقود الماضية وحتى اليوم أن اليمن دائماً يقع تحت رحمة السعودية، ليبدو على نحو واضح أن مملكة تتحكّم في سلطة جمهورية.
يقول الناشط الجنوبي المستقل، فهمي السقاف، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "في عالم السياسة لا مكان للنوايا الطيبة بل للمصالح، وكذلك لا مكان للصدف، فكل شيء يُدرس بعناية فائقة واهتمام بالغ، فكل إشارة او إيماءة أو مكان وموقع أو تاريخ له دلالته". بالنسبة للسقاف، فإن "هذه المقدمة مهمة لفهم ومعرفة ما جرى ويجري في الرياض بين الثلاثي، التحالف والشرعية والمجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً ولاحقاً سعودياً فيما عُرف بتوقيع اتفاق الرياض، وأيضاً للإجابة عن سؤال: لماذا لم يتم التوقيع على الاتفاق الذي أُنجز في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وأُجّل التوقيع عليه بين الأطراف المعنية غير مرة إلى أن أعلن الحاكم الفعلي لليمن، السفير السعودي محمد آل جابر، أن التوقيع سيتم في الرياض بحضور ولي عهد المملكة وولي عهد الإمارات والرئيس اليمني يوم الثلاثاء 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019؟".
في المقابل، تعتبر وجهة نظر أخرى أن ربط ما جرى عام 1967 بـ5 نوفمبر 2019 فيه نوع من التعسف على اعتبار أن التوصيف الأقرب لما تم في عام 1967 كان انقلاب حزب البعث والقوى المحافظة في معسكر الجمهورية ضد السلال والنفوذ المصري. كما أن الاتفاق الجديد كان مقرراً التوقيع عليه قبل أكثر من أسبوع، ثم تحدد يوم آخر له. أما الدلالة فكانت ستكون قوية لو تقرر التوقيع في 30 نوفمبر، تاريخ خروج الاستعمار البريطاني من جنوب اليمن (عام 1967).
ووسط هذا الانقسام بشأن دلالة 5 نوفمبر، يبدو الإجماع واضحاً لدى اليمنيين أن كل ما يجري يكرّس الهيمنة السعودية على اليمن، وأن كل محاولات التخلّص منها على مدى العقود الماضية باءت بالفشل لأسباب عدة تتحمّل مسؤوليتها القوى السياسية والقبلية المتحكّمة بالمشهد اليوم. وبالنسبة للبعض فإن السعودية لم تكن يوماً لتتخلى عن نفوذها في اليمن ولن تقوم بهذه الخطوة مطلقاً. لكن حجم تدخلها يبقى رهن مصالحها. وما جرى في السنوات الماضية دليل واضح على كيفية إدارة السعودية للملف اليمني، وأن أي انكفاء لها يكون مؤقتاً.