جولة تصعيد محدودة ومضبوطة في غزة... واتصالات الفجر تفرمل الحرب

16 مارس 2019
استهدف الاحتلال غزة بنحو مائة غارة (أشرف عمرة/الأناضول)
+ الخط -
عاش قطاع غزة، ليلة الخميس وفجر أمس الجمعة، ساعات قاسية، وأجواء تشبه إلى حد كبير تلك التي عايشها مليونا فلسطيني في الحروب الثلاث السابقة والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وسط قلق من أنّ تتطور الأحداث وتتحول إلى عدوان أوسع. واستهدف الطيران الحربي والمروحي الإسرائيلي بنحو مائة غارة مواقع للمقاومة الفلسطينية. وركز في عدوانه، الذي استمر لأكثر من ست ساعات، بالدرجة الأولى على مواقع تدريبية لكتائب "القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس". وأحدث القصف الإسرائيلي أضراراً كبيرة في المواقع المستهدفة والمناطق المحيطة بها، وأصاب أربعة فلسطينيين، بينهم زوج وزوجته التي أصيبت بجراح خطيرة في مدينة رفح، جنوب القطاع.

ويقول الإسرائيليون إنّ القصف جاء "رداً" على هجوم تعرضت له مدينة تل أبيب الكبرى بصاروخين أطلقا من القطاع. ورغم أنهما لم يحدثا إصابات، إلا أنّهما سجلا سابقة منذ العدوان الإسرائيلي الواسع صيف العام 2014. وهذه المرة الأولى التي يُطلق فيها من غزة صاروخان باتجاه تل أبيب منذ انتهاء عدوان 2014، الذي وسعت المقاومة وقتها من دائرة ردودها على الاستهدافات المتتالية للمدنيين الفلسطينيين، وطاولت صواريخها العمق الإسرائيلي لنحو 52 يوماً.

وضبطت المقاومة الفلسطينية نفسها إلا من بعض الرشقات الصاروخية المحدودة، التي استهدفت مستوطنات "غلاف غزة". وكان العدوان الإسرائيلي "مضبوطاً" أيضاً، فيما تحرك الوسطاء بسرعة لمنع تفاقم الأوضاع وتحول العدوان المحدود والموجه إلى حرب شاملة، لا يريد أي من الأطراف الوصول إليها في هذه الظروف. ووفق معلومات "العربي الجديد"، فإنّ الوسيطين الأممي والمصري ظلا على اتصال دائم مع الأطراف المختلفة لضمان عدم توسع دائرة العدوان والردود الفلسطينية. ويبدو أنهما نجحا في الحيلولة دون حصول تصعيد أكبر، في ظل عدم رغبة الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، بالذهاب إلى مواجهة أوسع في هذا الوقت. وقالت مصادر مصرية على صلة وثيقة بعملية الوساطة التي يقوم بها جهاز الاستخبارات العامة، بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي بشأن التهدئة، إن رئيس جهاز الاستخبارات المصري اللواء عباس كامل أجرى اتصالات مع مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة الإسرائيلية، أدت لوقف إطلاق النار في ساعة مبكرة صباح أمس. وبحسب المصادر المصرية، التي تحدثت إلى "العربي الجديد"، فإن مسؤولين في جهاز الاستخبارات العامة أجروا اتصالات مع كافة الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة، للوقوف على التطور الذي وصفوه بالأخطر في الفترة الأخيرة، كاشفة أن مسؤولاً أمنياً رفيع المستوى في "حماس" أبلغ المسؤولين المصريين في بادئ الأمر بأن "الحركة غير مسؤولة عن إطلاق الصاروخين، قبل أن يعاود الاتصال مرة أخرى في ساعة متأخرة قائلاً إن الحركة أجرت تحقيقاً أظهر أن خللاً فنياً تسبب في خروج الصاروخين عن السيطرة، وإطلاقهما عن طريق الخطأ باتجاه الأراضي المحتلة، قبل أن يغادر وفد أمني مصري برئاسة اللواء أحمد عبد الخالق قطاع غزة في أعقاب الضربات الإسرائيلية".



ورغم تحميل جيش الاحتلال حركة "حماس" المسؤولية عن إطلاق الصاروخين، إلا أنّ وسائل الإعلام الإسرائيلية سارعت إلى تخفيف هذا الاتهام، بالقول إنّ الصاروخين ربما أطلقا بالخطأ. وربما يكون هذا الأمر منطقياً، وخصوصاً أنّ إطلاق الصاروخين تزامن مع اجتماع مغلق كانت تعقده قيادة "حماس" مع الوفد الأمني المصري الذي جاء للقطاع حاملاً الرد الإسرائيلي على مطالب الفصائل والمعروفة باسم تفاهمات الهدوء على الحدود. وغادر الوفد الأمني المصري القطاع على عجل بطلب إسرائيلي. وبقي في تل أبيب ليساعد في منع تطور الأحداث وتحولها إلى عدوان واسع. ورفضت مصادر قيادية في "حماس" التعليق على الرواية الإسرائيلية، ورواية المصادر المصرية، قائلة إن هناك اتصالات تجري في الوقت الراهن للوصول إلى حقيقة ما حدث.

ولغزة مبرراتها في عدم الذهاب إلى حرب واسعة، فالحصار أطبق على كل شيء، والظروف الإقليمية لن تساعد الفصائل الفلسطينية، خصوصاً "حماس" التي تعاني من تضييق إقليمي وعربي ودولي وتجفيف لمنابع تمويلها، ووصلت أزمتها المالية وأزمة السكان المحليين إلى وضع "لا يطاق". أما رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، فهو أمام مأزق حقيقي، وقد أراد من خلال القصف وعدد الغارات أنّ يظهر للإسرائيليين أنه "لا ينصاع للتهديدات من غزة"، بعكس ما كان يروج له خصومه في الانتخابات المقبلة وعلى رأسهم وزير الأمن السابق أفيغدور ليبرمان.

وفي ردود الفعل على العدوان، أكد الناطق باسم "حماس"، فوزي برهوم، في تصريح عُمم على الصحافيين، أنّ "التصعيد الإسرائيلي على غزة، وقصف واستهداف المدنيين ومواقع المقاومة، جريمة إضافية تضاف إلى سجل الاحتلال الإجرامي بحق الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة". وحمل برهوم الاحتلال الإسرائيلي تبعات ونتائج هذا التصعيد الذي "يهدف إلى تصدير أزماته الداخلية وخلط الأوراق وصناعة أزمات جديدة لأهلنا في القطاع". وشدد على أنّ "المقاومة الفلسطينية تعرف طريقها في التعامل مع هذا الكيان المجرم وكسر معادلاته، ولن تتخلى عن واجبها الوطني والأخلاقي في حماية أبناء شعبنا والدفاع عنه، ولن تسمح مطلقاً بأن تكون الساحة الفلسطينية، والدم الفلسطيني، مادة للتنافس الإسرائيلي على كسب الأصوات، وعلى الكيان الصهيوني أن يعيد قراءة المشهد جيداً". وأكدت حركة الجهاد الإسلامي التزامها "بتفاهمات وقف إطلاق النار" في غزة، محملة إسرائيل "مسؤولية التصعيد الخطير" في قطاع غزة.

وفي الميدان، قررت الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار تأجيل فعاليات المسيرة، أمس، بشكل استثنائي، والتي كانت تحمل اسم جمعة "المسيرات خيارنا". وذكر بيان الهيئة أن القرار جاء تقديراً للمصلحة العامة وحرصاً على أبناء شعبنا واستعداداً لمليونية الأرض والعودة في الثلاثين من مارس/ آذار الحالي. وأكدت الهيئة، التي تضم معظم الفصائل الفلسطينية، "استمرار المسيرات وعدم تراجعها والسعي الدؤوب من أجل تحقيق أهداف المسيرات المتمثّلة في العودة وإنهاء الحصار الظالم".

المساهمون