ووفقاً لمسؤول عراقي رفيع المستوى في ديوان الرئاسة العراقية فإن صالح، المكلف بترشيح رئيس وزراء جديد، سيتواصل مع مختلف الكتل البرلمانية، خصوصاً تحالفي "الفتح" و"سائرون"، أملاً بتجاوز جدل الكتلة الأكبر الذي يؤرق الجميع اليوم، ومحاولة البحث عن رئيس وزراء توافقي على غرار الاتفاق الذي أوصل عادل عبد المهدي للحكم في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، واعتبر رئيس وزراء تسوية. وأكد أن المواصفات، أو الشروط، التي تطرحها بعض الكتل ما زالت حتى الآن استعراضية ومحاولة لمغازلة المتظاهرين، من قبيل رئيس وزراء مستقل ومن خارج التشكيلة السياسية الحالية، لكن الظرف الحالي يحتم تنصيب شخصية غير مجربة فعلاً، على أن يراعي الاختيار مطالب الشارع بالدرجة الأولى.
وقال "تطرح أسماء كثيرة منذ مساء الجمعة وحتى الآن، بينهم رئيس جامعة وآخر مستشار سابق ومقرب من المرجعية الدينية وهو علي شكري، وكذلك رئيس مجلس القضاء الأعلى حالياً فائق زيدان، بالإضافة إلى أسماء أخرى مثل وزير الصحة الأسبق صالح الحسناوي وقاضٍ آخر لم يُذكر اسمه، وكلها غير بعيدة عن الوسط السياسي أو المشهد العام بالبلاد. لكن حالياً الجدل لا يتوقف عمن هو المرشح المقبول من الجميع ـ الشارع والقوى البرلمانية وواشنطن وطهران ـ بل كم عمر حكومته، وما المهمة التي سيتولاها قبل الذهاب إلى انتخابات مبكرة باتت على ما يبدو فكرة مطروحة ومفضلة داخل المرجعية الدينية في النجف أيضاً، تماشياً مع رغبة الشارع العراقي". واعتبر أن مهمة ترشيح رئيس وزراء يقف على مسافة واحدة من الأميركيين والإيرانيين تبدو أكثر صعوبة من توافق القوى السياسية نفسها، خصوصاً مع بدء تحرك الإيرانيين من خلال كتل سياسية مهمة. وفيما لم يبد أي تفاؤل بحسم الموضوع، أكد المسؤول، لـ"العربي الجديد"، أن "أي رئيس وزراء جديد سيكون عليه الالتزام بفتح ملفات الفساد وقتل المتظاهرين وإنجاز قوانين الانتخابات ومفوضية الانتخابات الجديدة والتهيئة لانتخابات أيضاً وقانون موازنة 2020".
وأعلن تحالفا "سائرون" "والنصر" نأيهما عن اختيار رئيس الحكومة الجديد. كما أصدر كل من رئيسي الوزراء السابقين نوري المالكي وحيدر العبادي بيانات أكدا فيها عدم نيتهما الترشح للمنصب، وهو الأمر نفسه بالنسبة إلى أبرز مُرشحَين، طُرح اسماهما عبر وسائل الإعلام وتصريحات لسياسيين ومراقبين في الساعات الماضية، محمد شياع السوداني وقصي السهيل. كما نأى عزت الشابندر بنفسه بعد ساعات من طرح اسمه لتولي المنصب، فيما أصدر تحالف "الفتح"، الأكثر التصاقاً بإيران، بياناً، أعلن فيه أن "رئيس الحكومة الجديد يجب أن يكون مقبولاً من المرجعية أولاً ومقبولا شعبياً، ومستقلا وغير متحزب، ومنسجما مع القوات الأمنية والحشد الشعبي، ولا يملك غير الجنسية العراقية، وأن يلزم نفسه ببرنامج إصلاحي بسقف زمني محدد، ومن غير القيادات السياسية الحالية والسابقة".
القيادي في تحالف القوى العراقية حيدر الملا قال لـ"العربي الجديد"، إن "على رئيس الحكومة العراقية الجديد الاصطفاف مع المتظاهرين وإحالة عادل عبد المهدي ووزير الداخلية ياسين الياسري ووزير الدفاع نجاح الشمري، وكل القيادات العسكرية التي تورطت بقتل وقمع المتظاهرين، إلى القضاء، وبخلاف ذلك سترتفع وتيرة التظاهرات". وأضاف "لغاية الساعة لا يوجد طرح لأي اسم في مشاورات القوى السياسية التي انطلقت فعلياً، وكل الأسماء التي طرحت في الإعلام هي لغايات معينة، إما لحرقها أو لجس نبض الكتل الأخرى". واعتبر أن "المهمة الأولى للحكومة الجديدة يجب أن تتمحور حول إعداد برنامج يهيئ لانتخابات مبكرة نزيهة عبر إشراف أممي وتقويض النفوذ الخارجي، وتحديداً الإيراني. إن البرنامج الحكومي متقدم على شخص رئيس الوزراء الجديد". وأكد أن "كل هذه المعطيات ما زالت محل نقاش بين الكتل السياسية، خصوصاً أن أغلب القوى السياسية في مأزق حالياً، فهي لا تصدق أن الحراك الشعبي أصبح له إرادة، وأن قسما من هذه القوى السياسية لا يريد الخضوع لمثل هذه الإرادة، فيما قسم آخر يناغم هذه الإرادة، وقلة قليلة تبنّت وجهة نظر المتظاهرين".
أما القيادي في جبهة الإنقاذ العراقية أثيل النجيفي فأكد، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أنه "إذا كانت القوى السياسية تريد تلبية مطالب المتظاهرين، فيجب أن تقوم الحكومة المقبلة بمهمة واحدة فقط، وهي إجراء انتخابات مبكرة يقتنع بها الشارع العراقي. وهذا يعني أن الحكومة الجديدة، بحسب رأي الشارع العراقي، لن تستمر بعملها أكثر من ستة أشهر، والأشخاص في تلك الحكومة لن يكون لهم أي مستقبل سياسي. هذه الطريقة الوحيدة التي ترضي الشارع". وتابع أن "القيادات الكبيرة تدرك أنه ليس من مصلحتها الدخول في الحكومة الجديدة. من يقبل برئاسة الحكومة أو المشاركة فيها هم فقط المغامرون، الذين يتصورون أنهم يستطيعون تغيير مسار الشارع، أو أنّ وجودهم سيمنع حصول انتخابات مبكرة، ولأن القيادات الكبيرة تعرف أن هذا غير ممكن، فقد رفضت ترشيحها، كما رفضت المشاركة بترشيح رئيس الوزراء الجديد". واعتبر النجيفي أن "من يقوم بذلك سيقع، مثل ما حصل مع عبد المهدي، وسيكون مصيره أسوأ من مصير عبد المهدي. لكن بعض الشخصيات في البرلمان وبعض الكتل السياسية لا تريد أن تغادر المشهد، ولهذا فإنها تحاول جذب أي شخصية تقبل بمغامرة رئاسة الحكومة المقبلة، وتقبل أن تسوف على الشارع العراقي، ولا تجري انتخابات مبكرة".
في المقابل، أكد رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، لـ"العربي الجديد"، أن "القوى السياسية والزعامات رفضت منصب رئاسة الوزراء لوجود مؤشر يفيد بأن رئيس الوزراء الجديد سيكون لفترة محدودة. ولهذا فإن الشخصيات التي رفضت المنصب تدرك أنها لا تستطيع فعل شيء خلال مدة قد تكون ستة أشهر". وأكد أن "القوى السياسية تعيد ترتيب نفسها استعداداً للانتخابات المبكرة، خصوصاً أنهم وضعوا مدة ستة أشهر لإنجاز قانون انتخابي وتغيير مفوضية، وتمرير بعض الملفات الأخرى التي يمكن أن تعمل على تهدئة الشارع، الناقم على الطبقة السياسية". وكشف أنه "حتى قبل استقالة عبد المهدي، كان هناك اجتماعات لإيجاد بدلاء عنه، وتم طرح بعض الأسماء لكن جميعها رفضت لكونها قريبة من الكتل والأحزاب السياسية. وأصبح هناك اتفاق على دعم شخصية مستقلة تكون مقبولة لدى المتظاهرين، وفي الوقت ذاته تحظى بقبول ودعم الطبقة السياسية".