انهزام عربي حتى الاستسلام

14 فبراير 2020
يرفض الشارع التطبيع مع الاحتلال (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

ربما كنا نحتاج عربياً إلى علم النفس الاجتماعي والسياسي، لتفسير الانهيار القيمي لدى بعض القادة والنخب، وهم يجمعون بين الشعور بالدونية وعقدتي "قابيل" و"الإله". هذا الانهيار لا يتعلق فقط بفلسطين، بل بشتى قضايا العرب. فالمشهد السوري المأساوي، وتدخل القريب والبعيد فيه، يفضح عُقَد النقص "العربية" أمام الغرب، والنرجسية الاستعلائية على عرب آخرين، واستسهال تحويل الجماهير إلى الفرجة، وخضوع لمرض سلطوي-عصاباتي، مؤلِّه لذاته.

النظر إلى حال الجامعة العربية اليوم يكشف مستوى المرض الرسمي، أقله بترؤسها من وزير خارجية مصري أسبق (أحمد أبو الغيط)، كان قد خاطب بداية 2008 المُحاصَرين في غزة: "كل من يعبر خط الحدود سنكسر رجله". وعليه، في سياقات متراكمة، يبدو أن تلاميذ مؤسس الفاشية الصهيونية، زئيف جابوتينسكي، ومنهم بنيامين نتنياهو، درسوا جيداً الجانب النفسي عند "الزعامات" العربية. ففي كتابه المترجم "مكان تحت الشمس" (صدر في 1993، ويعد مرجع جاريد كوشنر لصياغة صفقة القرن) وضع نتنياهو لمعسكره خريطة طريق تستند، بدءاً من الصفحة 490، إلى استراتيجية الخداع، بعد فصول من الأكاذيب والخرافات النافية لوجود شعب فلسطين، وولع بالبطش وازدراء جماعي للعرب، تشتد وتنقص وتيرته بحسب قابلية تبني السردية الصهيونية، حتى تصير جزءاً من الإيمان الغيبي عند جمهور "عقدة الإله الحاكم".

الآن، إذا قرأنا تركيز نتنياهو (في السنوات الأخيرة من حكمه) على توسيع انهزامية نفسية عربية، بلقطة لقاءات علنية مع "قادة عرب"، فلأن ذلك من صلب ما يؤمن به، بدعم أميركي-صهيوني وموقف روسي مائع، لفرض "السلام"، بالإتيان بالفلسطينيين "مستسلمين"، بعد عزلهم عن عمقهم العربي، وتحت طائل الأبرتهايد، حصاراً وقتلاً وترغيباً، وبـ"قيادة مطواعة". في الاتجاه نفسه، وإيماناً بأنه "حان وقت الحصاد النفسي" بعد عملية طويلة لاستهداف الوعي الجمعي، في بعض دول تطبيع الأسرلة، يجيء تركيز نتنياهو على توسيع اللقطة العلنية بلقاء وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، وغيره. لكن أمام مشاهد قابلية الهزيمة النفسية الرسمية، ثمة مشاهد أخرى، أكثر وعياً وإدراكاً ببوصلتها، ومنها رفض تطبيع الشارع لـ40 سنة خلت. وأخرى، وإن كانت تعاني أمراضاً كثيرة، ظلت فيها الشوكة الفلسطينية عالقة في حلق الاحتلال. ولكن يبقى سؤال يحتاج إلى إجابة: أين دور حركة التحرر الوطني الفلسطيني؟
المساهمون