العراق: حرب باردة بين الصدر والخزعلي تكشف مسلسل فضائح

07 يونيو 2017
تضم مليشيات الصدر نحو 30 ألف عنصر(حيدر حمداني/فرانس برس)
+ الخط -
بعد أشبه ما يكون بهدنة استمرت بين الطرفين لأكثر من عامين، عادت من جديد الحرب الباردة بين زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، ورئيس مليشيا "العصائب" المرتبطة بشكل مباشر مع إيران، قيس الخزعلي، لتكشف عن جرائم جديدة حدثت في العراق وشكّلت مصدر جدل واسع حينها، وذلك من خلال بدء الطرفين بإخراج ما لديهما من فضائح عن الطرف الآخر.

التصعيد الأخير بين الخصمين التقليديين على مستوى الساحة السياسية والأمنية الشيعية، جاء بعد مواقف الصدر التي وصفها البعض بالتطور الإيجابي لنهجه العام خصوصاً في الملف السوري ومطالبته رئيس النظام بشار الأسد بالتنحي، ورفضه تواجد ما وصفها بـ"المليشيات العراقية الوقحة" هناك وطلبه ترك سورية للسوريين، فضلاً عن بيانه الأخير الذي انتقد فيه سياسة إيران في المنطقة والذي جاء تعليقاً على مجريات الانتخابات الإيرانية، وصولاً إلى دعوته لحل المليشيات وعدم السماح لها بالدخول إلى الانتخابات. عادت بعدها حالة الحرب الباردة لتعيد إلى الأذهان مسلسل التصفيات الجسدية بين الطرفين من خلال العبوات اللاصقة والاغتيالات بالأسلحة الكاتمة للصوت بين معسكر مقتدى الصدر ومعسكر قيس الخزعلي، والاشتباكات المسلحة في بغداد وبابل والناصرية بين الطرفين خلال السنوات التي سبقت اجتياح تنظيم "داعش" للعراق وأسفرت عن قتلى وجرحى من الطرفين.

وقال قيادي بارز في التيار الصدري، لـ"العربي الجديد"، إن "تصريحات وبيانات الصدر كانت رداً على قيام مليشيا العصائب باعتداءات عدة في سامراء وبابل وبغداد خلال الأسابيع القليلة الماضية تحمل طابعاً طائفياً وتقوم بانتحال اسم سرايا السلام أو شخصيات تابعة للتيار الصدري، كان آخرها قتل ستة مواطنين من طائفة واحدة ورمي جثثهم قرب مكتب مغلق للتيار الصدري". وأضاف: "نحن متأكدون من أن من قتلهم هم جماعة العصائب، وهذه من ضمن الأساليب الرخيصة التي عُرفت بها".
واعتبر أن "الخزعلي انتهك الاتفاق السابق وبدأ بالتحرك لتجنيد مقاتلين وأنصار من التيار الصدري لصالحه عبر إغرائهم بالمرتبات الشهرية مستغلاً فقر حالتهم المادية، كما يحاول اليوم التغلغل في سامراء على الرغم من وقوعها ضمن سيطرة سرايا السلام، والتدخل بشؤون المراقد المقدسة هناك".
من جهته، أكد عضو "التيار الصدري" في البصرة الشيخ حسين البصري، لـ"العربي الجديد"، أن التصعيد لم يكن من قِبل الصدريين بل من "المليشيات اللاوطنية". وأضاف البصري: "نحن كتيار أرفع من أن ندخل في سجالات مع جهات معروفة التوجّهات ومعروف أيضاً ثقلها وحجمها".

وخلال يومين فقط أطلقت عشرات الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، غالبيتها بأسماء وهمية، حملة واسعة تضمّنت وقائع وأحداثاً وفي بعض الأحيان تسجيلات وصوراً لجرائم ارتكبتها مليشيا "العصائب" في العراق، كالسرقة والقتل والاغتصاب والسطو المسلح والابتزاز والتطهير الطائفي. قابلت ذلك حملة مماثلة لمليشيا "العصائب" التي بدت لا تملك الكثير أمام آلة "التيار الصدري" الإعلامية. ويمتلك الخصمان التقليديان محطات فضائية، بواقع ثلاث لـ"التيار الصدري"، هي قنوات المنهج والطيف وشذرات الفضائية، بينما تمتلك مليشيا "العصائب" محطتين فضائيتين فضلاً عن إذاعة محلية، هي قناة العهد الأولى والعهد الثانية ومحطة راديو الأهوار، وتبث كل تلك الوسائل من مكاتب في بغداد وطهران.


مليشيا "العصائب" التي تأسست نهاية عام 2006 بانشقاق المئات من أفراد "جيش المهدي" التابع لمقتدى الصدر بقيادة قيس الخزعلي، تُعدّ إحدى أقوى الفصائل المسلحة التابعة لإيران، هي مرتبطة بمكتب المرشد علي خامنئي، ويبلغ عدد أفرادها نحو 12 ألف عنصر غالبيتهم يتركزون في بغداد والبصرة وميسان وذي قار وواسط، ولها مكاتب رسمية وعلنية، أما مسؤول ملفها فهو الجنرال في الحرس الثوري جلال رزمي. وهي تقسم إلى ثلاث وحدات، هي وحدة الاشتباكات المباشرة، ووحدة الخطف والتصفية، ووحدة العمليات الخارجية الموجودة حالياً في سورية. في المقابل، يبلغ قوام المليشيات التي يملكها الصدر، وهي "سرايا السلام" و"لواء اليوم الموعود" و"لواء التدخل السريع" وفصائل صغيرة أخرى مثل الوحدات الخاصة، نحو 30 ألف عنصر مسلح.

والأسبوع الماضي قال الصدر في لقاء مع محطة تلفزيون عراقية، إن "أحد الأشخاص قتل 1500 شخص من مذهب معروف بسبب مقتل أخيه عام 2007"، في إشارة إلى قيس الخزعلي وعمليات الإعدام الجماعية التي نفذتها المليشيا في بغداد بدوافع طائفية خلال أيام عدة. واعتبر الصدر أن "هذه المليشيا الوقحة ما زلنا نحمل وزرها ونحن متهمون بها، لكن الحقيقة أن من نفذ الجرائم هو من انشق عنا (قيس الخزعلي)، لكن لا أحد يصدق ما نقول"، وفقاً لوصفه.
هذا الأمر دفع بالخزعلي إلى مهاجمة الصدر والكشف عن جرائم منسوبة لمليشيات تابعة للصدر، كتطويق مطار النجف الدولي والسيطرة على آبار نفط وتهجير أهالي العامرية وخطف سائقي شاحنات من مكون طائفي وقتلهم داخل نقطة تفتيش تابعة لـ"سرايا السلام"، معتبراً في بيان، أن "هناك استهدافاً سياسياً للعصائب". ومن المعروف لدى العراقيين أن لـ"العصائب" و"جيش المهدي" سابقاً، المعروف حالياً بـ"سرايا السلام"، يداً في كبرى جرائم التطهير الطائفي التي حدثت في ديالي وبغداد وبابل والبصرة وواسط والمثنى ومدن عراقية أخرى تسببت بمقتل نحو 100 ألف مدني، وفقاً لتقارير محلية عراقية، جميعهم من مكوّن واحد، فضلاً عن عمليات تهجير وتفجير المنازل وسرقة الأموال واستهداف المساجد.

ورجح الخبير في شؤون الجماعات المسلحة في العراق، صلاح العمارة، أن تبقى الحرب باردة على ما هي عليه في الفترة الحالية ما لم تحرك إيران مليشيا "العصائب" تجاه الصدر، كما حدث عام 2009 عندما وجدت مناكفة من الصدر لها، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "إيران تستخدم المليشيات كلها لكن بدرجات متفاوتة، وفي الوقت نفسه من الممكن أن تجعلها تصطدم في ما بينها لإحداث ارتباك في العراق أو استعراض قوتها".