ويحاول ترامب التنصل من المأزق الجديد، إذ نفى بشدّة، الإثنين، ممارسته الضغط على أوكرانيا، في محاولة لإيذاء بايدن. وقلل من أهمية التهديد بإطلاق إجراءات عزله، على الرغم من الدعوات المتزايدة بهذا الشأن في صفوف الديمقراطيين، خصوصاً بعد أن دخلت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي على الخط.
كما أعلن ترامب، الثلاثاء، أنّه لا يأخذ هذا الاحتمال "أبداً على محمل الجد". وقال، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، "لم أمارس أي ضغط" على أوكرانيا، بعدما أقر بأنه تطرق في حديث مع زيلينسكي إلى قضية الفساد المزعومة التي تلاحق بايدن ونجله.
وفي مسعاه للانتقال إلى الهجوم، حاول الرئيس الأميركي أيضاً تسليط الضوء على بايدن، صاحب الحظوظ بالفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي. وبنبرة بدت غاضبة، قال ترامب إنّ "جو بايدن ونجله فاسدان". وتابع "لو قال جمهوري ما قاله جو بايدن، لاستحق الكرسي الكهربائي على الفور".
وكان بايدن، علق يوم الأحد الماضي على اتصال ترامب بنظيره الأوكراني، وقد بدا عليه الغضب أثناء تجمع انتخابي في ولاية أيوا، "هذا يبدو استغلالاً للسلطة بصورة فجة. أن تتصل هاتفيا بزعيم بلد يتطلع للحصول على مساعدات من الولايات المتحدة وتتحدث بشأني... هذا تصرف مشين".
ويتهم الديمقراطيون ترامب بأنّه استغل منصبه خلال المحادثة مع زيلينسكي لدفعه نحو التحقيق بشأن بايدن ونجله، وبأنّه استخدم مساعدة عسكرية كأداة ضغط. لكن الرئيس الأميركي يتمسك بأنّ محادثته الهاتفية مع نظيره الأوكراني، في يوليو/تموز الماضي، كانت "صادقة جداً". وسبق أن أعرب عن "الأمل" بنشر مضمونها. وردّ بايدن على ذلك بالقول "إذن، انشروا مضمونها". ويطالب الديمقراطيون، بالإضافة إلى ذلك، بأن يسلّم البيت الأبيض الكونغرس نص البلاغ الذي وجّهه في أغسطس/آب الماضي عنصر في الاستخبارات الأميركية إلى المسؤولين عنه.
وبعد أن كان الديمقراطيون في الكونغرس قد فتحوا ملفات عدة بشأن ترامب في السابق، يبدو أنّ ما تسرّب عمّا قد يكون قاله ترامب خلال الاتصال مع زيلينسكي، دفع الديمقراطيين أكثر فأكثر إلى المضيّ قدماً في السعي لفتح إجراء الإقالة. وهددت ثلاث لجان برلمانية، يقودها ديمقراطيون، الإثنين، وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بإجبار أجهزته على أن يقدّموا وثائق أخرى تتعلق بأوكرانيا. وقال الديمقراطيون إنّ تلك الوثائق مرتبطة "بمحاولات الرئيس ومحاميه الخاص رودي جولياني، طلب المساعدة من سلطة خارجية للتدخل في الانتخابات الرئاسية لعام 2020".
وبعد نحو عامين على التحقيق الواسع بشأن مزاعم التدخل الروسي في انتخابات العام 2016، الذي تزامن مع عدد من التحقيقات البرلمانية التي استهدفت ترامب، تبدو القضية الأوكرانية الأقرب إلى إطلاق إجراء لعزله. ويقع على مجلس النواب إطلاق إجراء توجيه الاتهام، ثم يتولى مجلس الشيوخ، الذي يهيمن عليه الجمهوريون الذين يبقون في غالبيتهم مؤيدين لترامب، متابعة الإجراء. وبينما تبدو بيلوسي متردّدة في الدفع نحو إجراء إقالة الرئيس، فهي هدّدت ترامب بالدفع نحو "مرحلة جديدة من التحقيق" البرلماني في حال مُنع عنصر الاستخبارات، الذي نقل محادثته الهاتفية، من تقديم شهادته. وتتجه الأنظار إلى جلسة الاستماع المقرّرة الخميس لمدير الاستخبارات الوطنية بالإنابة جوزيف ماغواير. وقالت بيلوسي، في رسالتها إلى ترامب وفي تهديد مبطّن له، إنّها "تنتظر" منه أن يقدّم كل التفاصيل حول مسألة المحادثة مع الرئيس الأوكراني. ومع أنّ بيلوسي لم تستخدم كلمة "إقالة"، فإنّ اللهجة المستخدمة في الرسالة توحي بأن الأمور تسير في هذا الاتجاه.
كما يبدو أيضاً أنّ عدداً آخر من المسؤولين الديمقراطيين في الكونغرس الذين كانوا متحفّظين حتى الآن عن السير باتجاه إجراءات الإقالة، قد غيّروا مواقفهم. وقال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الديمقراطي، آدم شيف، "قد نكون تجاوزنا بالفعل نقطة اللاعودة". وبين المتنافسين في انتخابات الحزب الديمقراطي التمهيدية، جددت أليزابيت وارن الدعوة إلى البدء بإجراءات عزل ترامب. وقالت النائب الديمقراطية ألكسندريا أوكاسيو كورتيز "حالياً إن الفضيحة الكبرى على المستوى الوطني ليست تصرّف الرئيس الذي يخرق القانون، بل رفض الحزب الديمقراطي إقالته لهذا السبب".
من جانبها، أعلنت الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ أنّها ستحاول عقد لقاء مغلق مع مسؤولي الاستخبارات، لكن يبدو أنّ شعبية ترامب لا تزال مرتفعة في صفوفها.
هل من المناسب لرئيس الحديث عن جو بايدن مع مسؤول أجنبي؟ "لا"، كما أكد عضو مجلس الشيوخ الجمهوري ماركو روبيو لوكالة "فرانس برس"، إلا أنّه أضاف "لكنّ هذا مغاير لمخالفة تؤدي لإطلاق إجراءات العزل". وأضاف زميله جون باروسو أنّ الديمقراطيين "يأملون بأن يمسكوا بشيء ما، ولكنني لا أرى ذلك حقيقة".
من جهتها، تحاول كييف النأي بنفسها عن الأزمة مدفوعة بمصالحها مع إدارة ترامب. وبعدما نفى وزير الخارجية الأوكراني، فاديم بريستيكو، ممارسة الرئيس الأميركي أي ضغوط على الرئيس الأوكراني، قال زيلينسكي، الثلاثاء، إنه يتوقع اجتماعاً "جاداً وقوياً" مع ترامب هذا الأسبوع، وإن كييف بحاجة لدعم واشنطن. وأعرب زيلينسكي، في بيان، عن أمله في عقد لقاء في أقرب وقت بين زعماء أوكرانيا وروسيا وفرنسا وألمانيا بشأن الصراع في إقليم دونباس بشرق أوكرانيا. وقال "نريد أن نخرج من هذا الاجتماع ببعض النتائج المحددة لإنهاء الحرب والعودة إلى أراضينا".