تشهد الساحة السياسية التونسية، أخيراً، تصاعداً في الحرب الكلامية بشأن مصير حكومة يوسف الشاهد، أبرزها بين الأمين العام لمنظمة الاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، والشخصيات الحزبية والحكومية الرافضة لمقترحاته بخصوص التغيير الحكومي ومع الشاهد نفسه.
وكان الطبوبي اعتبر، في تصريح إذاعي بعد اجتماع بشأن وثيقة قرطاج، أن "الحكومة اليوم تعاني العديد من المكبلات، وهي تعتبر بذلك حكومة تصريف أعمال، والفريق الحكومي يتحمل المسؤولية بما أنه يقود البلاد. النجاح والفشل ينسب إلى ربان السفينة". وأضاف الطبوبي، في تصريحات خلال الأيام الماضية، أن التغيير الحكومي سيتم قريباً و"هناك عملية جراحية من المفروض أن تتم اليوم قبل الغد. إن المنظمات الوطنية مجمعة على هذا الاقتراح، في حين يوجد حزب واحد يعتبر أن الأولوية اليوم للانتخابات البلدية التي ستجرى في 6 مايو/ أيار المقبل، ويدعم بقاء الحكومة الحالية إلى ذلك الموعد". ورأى الطبوبي أنّ ''المرحلة الحالية تقتضي ضخ دماء جديدة في أجهزة الدولة، من قبل هامات سياسية محنكة، لتجاوز المعوقات المحيطة بالبلاد، لعل أبرزها الجانب الاقتصادي". وأعرب عن استغرابه من تصريح مستشارة رئاسة الجمهورية، سعيدة قراش، بخصوص التغيير الوزاري المرتقب، الذي قالت إنه "من المستحسن إجراؤه بعد الانتخابات البلدية المقبلة". وشدد على أن هذا التصريح يعد مؤشراً خطيراً، لأن لا علاقة للحكومة بالانتخابات التي تسهر عليها هيئة مستقلة.
قراش فوجئت هي الأخرى بتصريحات الطبوبي إثر اجتماع الموقعين على وثيقة قرطاج، مؤكدة أن هذا الاجتماع لم يتطرق إلى هذه النقطة، وأن الإشكال ليس في الإسراع بتغيير الحكومة بل بما سيتم التوصل إليه بعد تشكيل لجنة تجمع الموقعين على وثيقة قرطاج. واعتبرت أن موضوع حكومة تصريف أعمال لا يقرر في اجتماع وإنما هناك حالات قانونية، وهي ليست أيضاً بقرار سياسي، كما أن الحكومة الحالية هي حكومة بكامل الصلاحيات. الشاهد اكتفى في ردّه على الطبوبي بالقول إن ''الاتحاد هو أكثر طرف يعلم أنّ حكومتي ليست حكومة تصريف أعمال، لأنّها أكثر حكومة طرحت إصلاحات جوهرية متعلقة بالوظيفة والمؤسسات والصناديق العمومية وكتلة الأجور".
هذه التصريحات وهذا المناخ العام يقود نظرياً إلى الاستنتاج بأن حكومة الشاهد دخلت أيامها الأخيرة. فحتى منظمة رجال الأعمال طالبت هي أيضاً بحكومة تكنوقراط، بالإضافة إلى عدة أحزاب معارضة أخرى. وفي المقابل، يؤكد النائب عن نداء تونس، حسن العماري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ تونس بحاجة إلى الاستقرار السياسي، وخصوصاً أنها مقبلة على انتخابات بلدية، مبيناً أن الدعوات إلى إجراء تغيير جزئي على تركيبة الحكومة وردت في التوقيت غير المناسب. وبيّن العماري أنّ اتحاد الشغل، باعتباره طرفاً موقعاً على وثيقة قرطاج، من حقه أن ينتقد ويطالب الحكومة بتقييم أداء بعض الوزراء، لكن لا يجب استغلال الوضع لفرض هذا التغيير، وخصوصاً أن أكبر إشكال يواجه تونس هو غياب الاستقرار الذي يعطي رسائل سلبية للخارج. وأشار إلى أنّه يجب تغليب المصلحة الوطنية، وأنه يمكن لرئيس الحكومة إذا رأى أن أداء وزير أو اثنين غير جيد أن يقوم بتغييرهما، لكن ليس بتغيير عميق في الحكومة قبل الانتخابات البلدية لأنه لن يكون الحل المناسب. وأشار إلى أنّ الاستقرار مطلوب، وأن الحديث عن التغيير الوزاري تزايد أخيراً، خصوصاً من قبل اتحاد الشغل، الذي ذهب في هذا المنحى وصعّد من طلباته، وهي دوافع مفهومة، لأنه مقبل على مفاوضات اجتماعية، ويرمي إلى توجيه خطابات ورسائل معينة إلى منخرطيه، مؤكداً أن نداء تونس لا يرى أي أهمية لتغيير وزاري في الوقت الراهن.
وأكد الناطق باسم حركة النهضة، عماد الخميري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ حركة النهضة ليست مع تغيير وزاري الآن، لأن القضايا هيكلية أكثر مما تتعلق بالحكومات، مبيناً أنه تعاقبت على تونس 8 حكومات والوضع الاقتصادي لم تتم معالجته معالجة عميقة نظراً لغياب الطرح الجدي والتوافق المشترك. وأوضح أنهم لا يرون أي مصلحة لإجراء أي تغيير حكومي، حتى ولو كان جزئياً، في الوقت الراهن، مبيناً أن رئيس الحكومة تبقى لديه الصلاحيات الدستورية للقيام بأي تغيير يراه مناسباً، خصوصاً إذا كانت هناك وزارة ما لا تعمل بالطريقة المناسبة، لكن حركة النهضة تعتبر أن تونس يجب أن تتجه إلى الانتخابات البلدية، وأن تنصب الجهود على إنجاح الاستحقاق الانتخابي، الذي يعتبر عاملاً أساسياً في إعادة النظر في المنوال التنموي في تونس.
وأكدت حركة النهضة، في بيان، على ضرورة "التزام جميع الأطراف باستقرار العمل الحكومي، والنأي به عن كل ما من شأنه تعطيل دواليب الدولة أو التشويش على المفاوضات الجارية مع المؤسسات المالية الدولية، ولا سيما ونحن على مشارف عملية خروج للسوق المالية لتعبئة الموارد اللازمة لسد العجز في الميزانية"، داعية "جميع الأطراف السياسية إلى الالتزام بنتائج انتخابات العام 2014 أساساً للحكم، حتى قيام انتخابات أخرى، وتعزيزها بحوار وطني بناء يحافظ على عرى الوحدة الوطنية". وأشارت إلى "ضرورة تهيئة مناخ إيجابي للانتخابات البلدية، باعتبارها محطة تاريخية لترسيخ الانتقال الديمقراطي واستكمال البناء المؤسساتي ودفع التنمية وتقريب السلطة من المواطن".
من جهته، قال الأمين العام للتيار الديمقراطي، غازي الشواشي، لـ"العربي الجديد"، إن تونس بحاجة إلى الاستقرار السياسي تماماً مثل حاجتها إلى الأمن، معتبراً أن البلاد مقبلة على انتخابات بلدية وبالتالي لا يجب تشويش الناخبين بالتغييرات الوزارية، التي يمكن إرجاؤها والنظر فيها ما بعد الانتخابات، مبيناً أن الدعوات التي تطالب بتغيير جزئي وتونس مقبلة على فترة انتخابات غير مقبولة لأنه توجد أولويات أهم في البلد. وأضاف الشواشي أنه رغم كونهم ينتمون إلى حزب معارض، ولديهم عدة انتقادات لرئيس الحكومة ويعتبرون أن الحكومة لا برنامج واضحاً لها وفشلت في أداء مهامها وإخراج تونس من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها، إلا أنهم مع ذلك يرفضون إجراء تغيير في الوقت الحالي. وبين أن أي تغيير يقتضي الدخول في مشاورات، وسيقود إلى تجاذبات بين الأحزاب، وبالتالي فكل هذا قد يشوش الرؤيا أمام الناخبين، وقد يؤدي إلى عزوف التونسيين عن التصويت. وأشار إلى أنّ البعض ينادي بسحب الثقة من حكومة يوسف الشاهد، والبعض يريد إجبار الحكومة على القيام بتعديل جزئي أو عميق، وجلها قضايا وردت في التوقيت غير المناسب، ومن شأنها أن تشوش على المشهد، ولا بد من إرجائها إلى ما بعد الانتخابات وضبط الأولويات التي هي حالياً الانكباب على الانتخابات البلدية، ثم بعد ذلك قد يأتي الحديث في موضوع التعديل الحكومي.
هذه هي المواقف عموماً، بين تغيير حكومي قبل الانتخابات أو بعدها، لكنها تطرح في الواقع أسئلة عديدة أخرى، لماذا الآن، ولماذا تغيّر موقف المنظمة النقابية بالكامل وسريعاً من حكومة الشاهد، بعد أن كانت داعمة لها منذ شهرين تقريباً إبان مناقشة موازنة 2018؟ بل إن شخصيات من منظمة رجال الأعمال كانت اعتبرت أن "اتحاد الشغل هو المساند الرسمي ليوسف الشاهد" لأنه يحصل على كل مطالبه، برغم أن الأحداث كذبت هذا الأمر، بدليل الصدامات الكثيرة التي تشهدها قطاعات متعددة مع الحكومة. وتذهب تأويلات أخرى إلى اعتبار أن كل هذه الأزمة قد لا تكون بالضرورة ضد الشاهد شخصياً وقد تخدمه على عكس التصورات، فتغيير جزئي على حكومته قد يؤدي إلى رحيل بعض الوزراء لكنه لن يذهب بكل الحكومة، واتحاد الشغل في نهاية الأمر يطالب بتغيير بعض الوزارات وليس كل الحكومة، وهو ما قد يطيل من عمر الشاهد، الذي كان سيرحل بعد الانتخابات البلدية مباشرة، وهو ما تحاول جهات مقربة من الشاهد، ومن نداء تونس، أن تحصل عليه بمنطق الحد من الخسائر.
ما يتضح في النهاية هو أن المنظمة النقابية استعادت زمام المبادرة السياسية من الرئيس الباجي قائد السبسي ومن البقية أيضاً، وهي تقود اليوم كل هذا النقاش، وتبدو مواقفها وكأنها اللاعب رقم واحد في المشهد، فكيف سيكون رد فعل بقية اللاعبين في مرحلة سياسية شديدة الحساسية، ومن سيكون مع الاتحاد ومن ضده؟ وعلى الرغم من أن اللجنة التي تم تشكيلها في اجتماع قرطاج لتحديد الأولويات المقبلة، والتي ستبدأ عملها قريباً، قد تقود إلى تحديد خارطة طريق سياسية، وربما تشكل مبادرة سياسية جديدة يتغيّر بفضلها المشهد السياسي التونسي، بقي التساؤل عن مدى حضور الانتخابات البلدية ونتائجها الممكنة وراء هذه الرغبة في التغيير السريع، وهل أن للتخوفات الداخلية والخارجية من ذلك دخل في الموضوع؟ أم أن الخلفية الحقيقية لذلك هي الإعداد لما بعد الانتخابات البلدية أصلاً منذ الآن، وتحديد ملامح 2019؟