تونس وجدل عزل الأئمة: محاربة إرهاب أم "احتكار الدين"؟

12 اغسطس 2015
الأئمة المعزولون متهمون بمخالفة القانون (ياسين جيدي/الأناضول)
+ الخط -
توجّهت الحكومة التونسية نحو المساجد، في إطار خطتها لمحاربة الإرهاب، لضبطها والسيطرة على خطاباتها وأئمتها، فأصدرت قرارات بعزل أئمة بحجة مخالفتهم للقانون، غير أنّ هناك من رأى أنّ هذه القرارات مسيسة وتتناقض مع هدف مكافحة الإرهاب، لأن الأئمة المعزولين يملكون خطاباً دينياً "معتدلاً".

اقرأ أيضاً: معركة إغلاق المساجد تستمر في تونس

وأصدر القرارات وزير الشؤون الدينية التونسي عثمان بطيخ. وجاء في مقدّمة هؤلاء المعزولين الوزير السابق نور الدين الخادمي، الذي أُبعد عن إمامة جامع الفتح بالعاصمة، بالإضافة إلى عزل الشيخ شهاب الدين تليش، من الإمامة والشيخ البشير بالحسن، والمتحدث الرسمي باسم حزب "التحرير" رضا بالحاج.

وأثار قرار وزير الشؤون الدينية استياء حركة "النهضة"، إذ قال القيادي سمير ديلو لـ"العربي الجديد"، إنّ هذا القرار غير مبرّر، وإنه يعكس حالة من التخبط، وإنه قد اتخذ لمجرّد الرغبة في الإقالة دون وجود أي أسباب مقنعة". ووصف التبريرات التي قدمها وزير الشؤون الدينية  بالـ"واهية".

ووصف ديلو القرار بأنه "يعكس عدم فهم للطريقة الصحيحة لمفهوم الخطاب الديني المعتدل والذي يساهم في محاربة الإرهاب والتطرّف". وقال إن "الأمر لا يتعلق بنور الدين الخادمي فقط بل بعديد الأئمة المقالين، وقد برهنت وزارة الشؤون الدينية من خلال هذه الإقالات أنه لا رؤية لها في الإصلاح". وبين أنّ الخادمي كان وزيراً سابقاً وعالماً فقيهاً، وقد عرف بخطاباته المعتدلة، وللأسف كشفت إقالته وطريقة التعامل معه عن قلة احترام من وزير حالي لوزير سابق".

وأشار إلى أنه كان من المفترض أن يتم تكريم الخادمي لا أن يهان، على حدّ تعبيره. ودعا إلى أن تتم محاسبة الأئمة على محتويات خطبهم لا على انتمائهم الحزبي. واعتبر أن الوزارة، وبمثل هذه القرارات، "هي بصدد محاربة الخطابات المعتدلة وتقديم هدايا للتطرف وإلى المتطرفين".

وفي الإطار نفسه، أكّد المتحدث الرسمي باسم حزب "التحرير"، أحد المقالين من الإمامة رضا بالحاج، لـ"العربي الجديد" أنّ الدولة تسعى من خلال هذه الإقالات إلى "احتكار الدين". وقال بالحاج "نلمس رغبة واضحة في السيطرة والهيمنة على الدين وليس على الخطاب الديني لتصبح وزارة الشؤون الدينية هي النمط الوحيد الموجود والراعية الوحيدة للدين". وأوضح أن هذا القرار يبدو ظاهرياً إيجابياً، ولكن تداعياته ستكون "كارثية" لأن الدولة أصبحت هي المحدّد لمصير الناس وللخطابات الدينية، على حدّ تعبيره.

وانتقد بالحاج الخطابات الحالية في المساجد "الرديئة جداً، والتي لا ترتقي إلى المستوى الفكري المطلوب"، واصفاً إياها بالمترهّلة. وذكر أن جلّ الخطب التي سبق أن قام هو بتقديمها، وعددها تقريباً 250 خطبة مسجلة، كانت حسب رأيه "راشدة ومتميزة"، وأنه تم اختيارها من ضمن "الخطب الثلاث الأوائل في العالم العربي".

وقال بالحاج "أتحدى الوزارة إن وجد أعوانها ضمن تلك الخطب أي خروج عن الموضوع، وبالتالي فإن جلّ المبررات المقدمة بأن هناك أخطارا محدقة أو انحرافات ضمن الخطب الدينية غير صحيحة وليست مقنعة".

كما انتقد الإمام الذي تم تعيينه مكانه وقال إنه "بائع خضار"، وإن خطاباته رديئة جداً وهزيلة، قائلاً إن الكثير من أنصاره هجروا المسجد. وأوضح أن القرارات التي اتخذتها الوزارة  بخصوص نور الدين الخادمي والأئمة المقالين"تعسفية"، وأنها ستزيد من الاحتقان لأن هؤلاء لديهم متابعون بالآلاف.

في السياق، رأى الأمين العام لـ"المنظمة التونسية للشغل"، محمد لسعد عبيد، في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ التبريرات التي قدمها وزير الشؤون الدينية والتي تشير إلى أن الخادمي سمح لقناة "الجزيرة" بنقل خطبة العيد دون إذن غير مقنعة، وتكشف عن تعامل الوزارة مع الأئمة بسياسة المكيالين.

وذكر أن القناة الوطنية اعتادت نقل خطب الجمعة والخطب الدينية. واعتبر أن قرارات وزارة الشؤون الدينية تكرّس "لممارسات غير عادلة ومفضوحة"، على حدّ وصفه، وأنها تهدف إلى "تصفية بعض الأئمة".

وأضاف العبيدي أنّ إقالة الشيخ شهاب الدين تليش والذي يشغل مهمة كاتب عام نقابة الأئمة والإطارات الدينية، جاءت على خلفية تحركاته النقابية الأخيرة ودفاعه المستمر عن الأئمة.

لكن في المقابل، رأى رئيس النقابة الوطنية للإطارات الدينية، محمد فاضل بن عاشور، أنه يجب عزل الأئمة "المسيّسين"، خصوصاً أولئك الذين وقفوا وراء عرقلة مسار الإصلاح في وزارة الشؤون الدينية.

وقال بن عاشور لـ"العربي الجديد" إنّه يؤيد قرار عزل  نور الدين الخادمي ومعاونيه بالوزارة لأنهم وقفوا ضدّ الإصلاح، واصفاً مثل هذا القرار بالطيب والجيّد. وأضاف أن هذه الإجراءات تقطع "التسيب" في المساجد.

وقال إن الوزير السابق للشؤون الدينية نور الدين الخادمي لم يمنح الأئمة حقوقهم، ولم يحمهم، وقام بتجاوزات، ولم يحترم قرارات المحكمة الإدارية القاضية بإرجاع بعض الأئمة إلى الإمامة.

وكان الخادمي قد استغرب هذا القرار، قائلاً إن خطابه كان دينياً وطنياً، ينادي بالوحدة الوطنية، مشيراً إلى أنه سيتصدّى لهذا الإجراء بالقانون.

وفي الإطار نفسه، رأى المكلف بمهمة في ديوان وزير الشؤون الدينية عبد الحميد بن رمضان، أنّ إعفاء الأئمة يأتي في إطار تطبيق القانون وأن كلّ إمام مخالف للقانون يجب أن تتم إقالته.

وأوضح بن رمضان لـ"العربي الجديد" أن هذا الإجراء لا يستهدف إماماً بعينه، وإنما يجب تطبيق القانون لكي يكون ممارسة لا مجرد شعار.

وحول إقالة الخادمي، قال بن رمضان إنّ الوزارة سبق أن اتخذت قراراً بمنع التصوير التلفزيوني للخطب، وإنه تم إعلام الطاقم العامل بالمسجد بهذا القرار، ولكن الوزارة فوجئت بوجود فريق من قناة "الجزيرة" لنقل خطبة العيد في حين أنّ الترخيص ينص على أن التصوير يكون فقط في جامع الزيتونة. وأكّد أن وزير الشؤون الدينية السابق أخبرهم بأنه حصل على إذن من الوزارة وبأنه يتحمل مسؤوليته في ذلك.

اقرأ أيضاً: تونس .. هل إعلان الطوارئ ضرورة؟

المساهمون