تونس: تعديلات قانونية "ثورية" تطوي صفحة التعذيب والتوقيف التعسّفي

08 فبراير 2016
التعديلات تضمن المحاكمة العادلة وفق المعايير الدولية (أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -

قطعت تونس خطوة إضافية نحو تركيز أسس دولة القانون واحترام مقتضيات دستور الجمهورية الثانية (دستور يناير/كانون الثاني 2014)، بحيث استجاب مجلس نواب الشعب لمطالب المجتمع المدني منذ عقود، وقام بتعديل المواد القانونية المتعلقة بشروط الإيقاف والاحتفاظ بالمتهمين مع إلزامية حضور المحامي في مختلف أطوار التحقيق، ضامناً بذلك أسس المحاكمة العادلة وفق المعايير الدولية.

اقرأ أيضاً: تونس: النائب ماهر المذيوب يفتتح عمل "هيئة الحقيقة والكرامة"

وتثير فترة الإيقاف والتحقيق مع المتهمين القلق، إذ تُعتبر مراكز الإيقاف كالعلبة السوداء التي لا يمكن كشف ما يحدث بداخلها من خروق وتعدّيات. وسجلت تونس في الآونة الأخيرة، وفاة أربعة موقوفين في أقسام الشرطة، وُجدت آثار تعذيب على أجسادهم. وتعالت أصوات المجتمع المدني والحقوقيين من أجل تقديم الدولة الضمانات الكافية للمتهمين لحماية حرمتهم الجسدية وضمان عدم تزوير أقوالهم وشهاداتهم. 

وكثيراً ما ينقل سجناء سياسيون وحقوقيون، شهاداتهم حول تعرضهم للإيقاف أو الاعتقال خلال الحقبتين السابقتين، إذ يتحدثون عن ممارسات تصل إلى حدّ التنكيل والتعذيب بحقهم. كما تم إكراههم على تقديم شهادات أو تغيير أقوالهم وإجبارهم على التوقيع على محاضر تحقيق لم يطلعوا على ما جاء فيها. ويشيرون إلى تعمد النيابة العمومية آنذاك تمديد فترة الإيقاف على ذمة التحقيق لتأخير عرض الموقوفين بسبب آرائهم ومواقفهم، على المحكمة ومواصلة استجوابهم وتلفيق التهم لهم.

وعلى إثر تصاعد التحركات والطلبات لتعديل القوانين المتعلقة بالإيقاف، أقرّ مجلس نواب الشعب تنقيح بعض بنود مجلة الإجراءات الجزائية (التي تنظم عملية التقاضي وإجراءاتها) لتفعيل الحق في المحاكمة العادلة المكفول في دستور 2014، وذلك عبر المصادقة على تعديلات جديدة بالمجلة تضمن حقوق المشتبه بهم والموقوفين.

ومن خلال هذه التنقيحات، أضحى حضور المحامي، منذ إيقاف المشتبه به، حقاً يضمنه القانون، علاوة عن تقليص مدة إيقاف المتهم، قبل تعيين آجال محاكمته، وهي فترات طويلة كانت تبلغ أشهراً في السابق، من دون أن تتم إحالة المتهم على المحكمة. 

وبحسب التعديلات في مجلة الإجراءات الجزائية، فإنه من حق المتهم أن يطالب بحضور محاميه منذ اللحظة الأولى لإيقافه وعند استنطاقه (إدلائه بأقواله). وإذا لم يكن قادراً على استقدام محام، فإن الدولة تتكفل بتوفير محام له ما أن يعرب المتهم عن رغبته في ذلك. كما يحق للمتهم طلب حضور طبيب. 

وفي ما يتعلق بفترات الإيقاف، فإنها لن تتجاوز مستقبلاً أكثر من أربع وعشرين ساعة، بالنسبة لمرتكبي المخالفات، شرط أن يكونوا قد ضبطوا في حالة تلبس. وفي حالة الجنح والجنايات، فإن الاحتفاظ بالمتهم لن يتجاوز ثماني وأربعين ساعة، ولا يجوز تمديدها إلى أكثر من ثمانٍ وأربعين ساعة أخرى شرط أن يكون ذلك بموافقة خطية من وكيل الجمهورية (النائب العام).

وقال النائب عن الجبهة الشعبية المعارضة ومقرر لجنة التشريع في البرلمان التي أشرفت على صياغة هذه التنقيحات، مراد الحمايدي، لـ"العربي الجديد"، إن التعديلات تعدّ انتصاراً لنضالات أجيال على امتداد عقود متواصلة من أجل إرساء ضمانات المحاكمة العادلة وضمان حق المتهم في معاملة إنسانية. 

وأضاف الحمايدي، وهو محام قبل انتخابه نائباً بالبرلمان، أن هذه التعديلات تطوي صفحة تلفيق التهم وتزوير المحاضر وتوقيع المتهمين على أقوال وشهادات لم يدلوا بها، وسيمكّن حضور المحامي، منذ استنطاق المتهم من معاينة وجود تعذيب من عدمه والتدقيق في المعاملة التي تلقاها، وظروف الإيقاف وتحرير المحاضر. وأوضح أن للمحامي الحق في الانفراد بموكله ومعاينة وجود التعذيب وتضمين كل التجاوزات في المحضر. 

وفي حال رفضت أقسام الشرطة استقدام المحامي أو السماح له بالانفراد بموكّله، فإن ذلك سيعدّ خرقاً إجرائياً، يسقط القضية بأكملها، نظراً لوجود خلل في الإجراءات. 

تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة التونسية راسلت البرلمان قبيل المصادقة على هذه التعديلات، مطلع هذا الأسبوع، وطلبت منه أن يمهلها بعضاً من الوقت حتى يتم تأهيل الجهات المعنية بتطبيق هذا القانون، إذ لن يقتصر الأمر على تكوين وتأهيل الأمنيين، بل أيضاً استحداث مكاتب لاستمرار عمل النائب العام على امتداد اليوم وكامل الأسبوع وخلال العطل والأعياد، كي لا يتم الاحتفاظ بالمتهمين بحجة انتهاء دوام النائب العام أو بسبب العطل. 

وحازت هذه التعديلات على رضا فئة واسعة من التونسيين وحتى الأمنيين أنفسهم، إذ أكد المتحدث باسم نقابة إطارات قوات الأمن الداخلي مهدي بالشاوش لـ"العربي الجديد"، أن الأمنيين سيطبقون هذا القانون على الرغم من أنهم يعيبون على البرلمان عدم استماعه آراءهم في هذا الموضوع. واعتبر أن حضور المحامي، منذ إيقاف المتهم ومرافقته موكله أثناء الاستنطاق يعد ضمانة من الجهتين، فهو يحمي المتهم من جهة، ويحمي الأمنيين الذين يشرفون على الاستنطاق وصياغة المحاضر حتى لا يتم اتهامهم بالتزوير والتلفيق والاعتداء على المتهمين. 

وثمّنت المنظمات الحقوقية هذا التطور القانوني الذي اعتبره البرلمان من أولوياته، على الرغم من تكدس مشاريع القوانين ذات الطابع المستعجل والتي تنتظر البت فيها. وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن هذه التعديلات يمكن أن تسدّ ثغرات أدت سابقاً إلى حصول انتهاكات واسعة. واعتبرت أن هذه الخطوة إيجابية، لكنها تحتاج لتعزيزها بضمانات أقوى تكفل القطع مع الاعتقالات التعسفية والكشف عن سوء المعاملة التي يتعرض لها الموقوفون، ومحاسبة مرتكبي جريمة التعذيب.

اقرأ أيضاً: تونس.. حين يطل التعذيب مجدداً

المساهمون