اتفاق الحوثيين وحزب صالح: إنهاء المواجهة أم تأجيلها؟

30 اغسطس 2017
اتفاق على إزالة مظاهر التصعيد والانتشار الأمني(محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
بعد أيامٍ من وصول التوتر في العلاقة بين جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وحليفها حزب "المؤتمر الشعبي" الذي يترأسه الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، إلى مرحلة غير مسبوقة، جاء اتفاق الطرفين مساء الإثنين الماضي، على التهدئة، ليفتح نافذة أمل جديدة بوقف وتيرة التصعيد. لكن بالنظر إلى جوانب الخلاف العميقة وتاريخ الاتفاقات السياسية في اليمن، فإن الاتفاق لا يشير بالضرورة إلى الحل، بقدر ما قد يكون خطوة تكتيكية في إطار اللعب على عامل الوقت في الأزمة بين الطرفين.

مقابل ذلك، لا تزال الانتهاكات التي تشهدها الحرب في البلاد محور اهتمام، إذ طالبت "هيومن رايتس ووتش" و56 منظمة غير حكومية محلية ودولية أخرى، أمس الثلاثاء، الأمم المتحدة، بفتح تحقيق دولي مستقل، في الانتهاكات التي يرتكبها جميع أطراف النزاع في اليمن. وقالت المنظمات، في رسالة وجهتها إلى الممثلين الدائمين للدول الأعضاء والمراقبين في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إنّ "أطراف النزاع يستمرّون بارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي". وأوضحت أنّ "اليمن يواجه حالياً أكبر أزمة إنسانية في العالم، حيث يعيش على الأقل سبعة ملايين شخص على حافة ‏المجاعة ويعاني مئات الآلاف من الكوليرا، بينما لم تجر الحكومة اليمنية والتحالف بقيادة السعودية الداعم لها تحقيقاً مستقلاً أو شفافاً في انتهاكات قواتهما المزعومة".

أما اجتماع ممثلي الحوثيين وحزب صالح الذي عُقد مساء الإثنين، فقد أكدت مصادر سياسية يمنية قريبة من مشاركين فيه لـ"العربي الجديد"، أن أبرز مخرجاته كان الاتفاق على إزالة مظاهر التصعيد الأخيرة في العاصمة صنعاء، وأهمها الانتشار الأمني لمسلحي الجماعة في عدد من أحياء وشوارع صنعاء، والتي كانت فتيل مواجهات السبت الماضي في تقاطع المصباحي القريب من منزل صالح، وأعقبها انتشار لقوات موالية للأخير، في المنطقة نفسها.

وفي الوقت الذي تحفّظ فيه الطرفان عن نشر الصيغة الرسمية للاتفاق الموقّع بين قيادتي الجماعة والحزب، أوضح خبر الاجتماع الذي نُشر في وسائل إعلام الطرفين، أن "اللقاء الوطني والسياسي الموسع"، والذي عُقد، أقر "إزالة كل أسباب التوتر التي نتجت أخيراً في العاصمة صنعاء وعودة الأوضاع الأمنية إلى شكلها الطبيعي قبل الفعاليات التي تمت الأسبوع الماضي (مهرجان حزب صالح في السبعين وفعاليات الحوثيين في مداخل العاصمة)". كذلك أقرّ الاجتماع "استمرار التحقيق الأمني المتخصص والمهني والمحايد في الأحداث الأخيرة وعدم استباق نتائج التحقيق من أي جهة"، في إشارة للمواجهات التي وقعت في نقطة أمنية، وقُتل فيها قيادي في حزب صالح، بالإضافة إلى ثلاثة من مسلحي الحوثيين في النقطة.

ومن أبرز مخرجات اللقاء الأخرى، الاتفاق على استمرار اللقاءات بين قيادتي الطرفين لوضع الحلول للأزمات بينهما و"توحيد الجبهة الداخلية وعدم السماح بشقها أو خلخلتها"، وكذلك "توحيد كافة الجهود لمواجهة العدوان". فيما تحدثت تسريبات، رفض مصدر قريب من مشاركين باللقاء تأكيدها لـ"العربي الجديد"، عن اتفاق على إنهاء دور "اللجان الرقابية الثورية والمشرفين"، التابعين للحوثيين في المؤسسات الحكومية، وكذلك "سحب كافة الاستحداثات المستفزة بين المكوّنين في العاصمة صنعاء".

وأياً تكن التفاصيل والملابسات غير المعلنة للاتفاق، فإن أهم ما جاء في مقتضاه المعلن، هو "إزالة أسباب التوتر" وعودة الوضع الأمني إلى ما قبل الفعاليات الأخيرة، وهو ما يعني، في حال الالتزام به، نزع فتيل المواجهة وإن بشكل مؤقت، بعد أن رفعت من احتمالاتها تطورات الأيام الماضية، وبدا معها كما لو أن صنعاء التي يسكنها ما يزيد عن ثلاثة ملايين مواطن، على أبواب مواجهة بين "حليفي الضرورة".


ويرفع من احتمالات صمود الاتفاق أنه جرى بوجود قيادات رفيعة من الطرفين، مثّلها من الحوثيين، المتحدث باسم الجماعة، محمد عبدالسلام، وعن حزب صالح، الأمين العام للحزب، عارف الزوكا. وكان الاجتماع بدعوة أو رعاية من رئيس ما يُسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى" (واجهة سلطة الشراكة بين الطرفين)، صالح الصماد، إلى جانب نائب رئيس المجلس عن حزب "المؤتمر"، قاسم راجح لبوزة، وبحضور نائب رئيس "المؤتمر"، صادق أمين أبو راس، وعضو "المجلس السياسي" القيادي البارز في الجماعة، مهدي المشاط، وآخرين.

في مقابل المعطيات التي تخدم الاتفاق، فإن الطرفين لم يعلنا صيغة رسمية ببنود تفصيلية، باستثناء ما ورد في الخبر الرسمي. وفضلاً عن ذلك، لا يزال "التنفيذ"، والالتزام بما ورد في مضامينه بإزالة "أسباب التوتر" (سحب الاستحداثات العسكرية والأمنية والانتقادات الإعلامية)، هو الاختبار الأهم، والذي يمكن على ضوئه التأكد من جدية الطرفين من عدمها.
وكان لافتاً الاعتداء الذي تعرض له أمس الثلاثاء الناشط في حزب "المؤتمر" المحامي مهدي المسوري (الذي يُوصف بأنه المحامي الشخصي لصالح في فترات سابقة)، والذي وُجهت الاتهامات به إلى الحوثيين، خصوصاً أن المسوري من أبرز ناشطي حزب صالح الذين وجّهوا انتقادات لاذعة للحوثيين في الأشهر الأخيرة، وواجه في المقابل حملة من قبل الحوثيين.

من جهة أخرى، فإن تاريخ الاتفاقات في الأزمات اليمنية لا يطمئن كثيراً، إذ أعاد الاتفاق التذكير بسلسلة اتفاقات جرى توقيعها خلال عام 2014، أثناء توسع الحوثيين من صعدة وحتى العاصمة صنعاء. وركّزت تعليقات كثير من السياسيين اليمنيين والمهتمين في مواقع التواصل الاجتماعي، على ما سُمي بـ"اتفاق السلم والشراكة"، وهو الاتفاق الذي جرى توقيعه برعاية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، في اليوم ذاته الذي اجتاح فيه الحوثيون صنعاء، وكان الاتفاق أقرب إلى غطاء لسيطرة الجماعة، ورفضت بعض الأطراف اليمنية الاعتراف به لاحقاً.

كذلك كانت طريق الحوثيين إلى صنعاء مليئة بالاتفاقات التي كانت ترعاها في الغالب لجان وساطة رئاسية، بدءاً بمنطقة دماج في صعدة (حيث كانت أزمة الحوثيين مع السلفيين الذين هُجروا لاحقاً)، مروراً بمحافظة عمران التي توقفت عندها المعارك لأشهر، وانتهت بسقوط القوات الحكومية المناوئة للحوثيين وتقدم الأخيرين نحو أطراف صنعاء. وتاريخياً جرى توقيع اتفاقات كانت ضمن الملابسات الأخيرة التي قادت إلى الحرب في أشهر لاحقة، منها على سبيل المثال توقيع شريكي الوحدة في فبراير/ شباط 1994، على ما سُمي "وثيقة العهد والاتفاق"، قبل أشهر من الحرب الأهلية التي تصاعدت وتيرتها مطلع مايو/ أيار من العام نفسه، وحتى الاتفاق على "مخرجات الحوار الوطني الشامل"، في عام 2014، كان سابقاً للحرب التي تصاعدت في الأشهر والعام الذي تلا توقيع الاتفاق.

ومع ذلك، يبقى اتفاق الحوثيين وحزب صالح في صنعاء على "إزالة أسباب التوتر"، خطوة بالغة الأهمية، إذا ما تُرجمت بالفعل إلى إجراءات تمنع مواجهة لا يمكن التكهن مسبقاً بحجم الأضرار الناتجة عنها على العاصمة صنعاء. إلا أن المؤكد في المقابل، أن خلافات الطرفين أعمق من الأسباب السطحية أو الملابسات الأخيرة للتوتر، وبالتالي قد تؤجل الاتفاقات الخلافات ولا تنهيها، ويمكن أن تصب في صالح أحد الطرفين بمنحه عامل الوقت، مثلما أنها قد تساهم في منع المواجهة أو تقليل حدتها في صنعاء على الأقل، وهو ما ستوضحه تفاصيل الأيام والأسابيع المقبلة.

المساهمون