تونس: "مناطق ضحية" أمام هيئة "الحقيقة والكرامة"

06 ديسمبر 2015
أهالي قصرين يتجمعون حول مصرف الإسكان (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
لم تنجح أيّ من الحكومات بعد الثورة التونسية عام 2011، في إخماد غضب المناطق الداخلية واحتجاجاتها المتواصلة على مدى السنوات الأربع الماضية. ولا تزال تندلع احتجاجات من حين إلى آخر في المناطق المهمّشة والفقيرة بسبب غياب إرادة سياسية جريئة لحلحلة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية والتي تواصلت على مدى عقود، بحسب ما يؤكّده رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عبد الرحمان الهذيلي، في حديث لـ"العربي الجديد".

يشير الهذيلي إلى منطقة القصرين في الوسط الغربي التونسي التي أُطلق عليها، أخيراً، اسم "المنطقة الضحية"، بسبب السياسات العامة التي انتُهجت منذ الاستقلال وساهمت في تطوير مناطق على حساب أخرى، وعمّقت الفوارق الاجتماعية والاقتصادية وجعلت ساكنيها ينتفضون ضدّ كل الأطياف السياسية ويعبّرون عن عدم ثقتهم في أي من الحكومات والتشكيك في مساعيهم وقراراتهم ووعودهم التي أثبت الواقع أنها لم تكن سوى وعود واهية.

وفي غياب أيّ تفاعل مع مطالب المناطق المهمّشة وتواتر الوعود السياسية من دون أية نتيجة على أرض الواقع، لم تجد هذه المناطق وفي مقدمتها منطقة القصرين، أيّ سبيل للمطالبة بحقوقها سوى تقديم ملف لها كـ"منطقة ضحية" لدى "الحقيقة والكرامة" (هيئة حكومية مستقلة معنيّة، وفقاً لما ينص عليه القانون الأساسي المنظّم، بمسار العدالة الانتقالية وتعويض الضرر والاعتراف السياسي بالانتهاك الممنهج الذي عاشته هذه المناطق).

ومن المنتظر أن تتقدّم كل من منطقتَي قابس (جنوباً) وبنزرت (شمالاً) بملف مماثل لـ"الهيئة". ويقول المدير التنفيذي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، علاء الطالبي، لـ"العربي الجديد"، إنّ منطقة الحوض المنجي في ولاية قفصة (جنوب تونس)، إلى جانب منطقتَي سيدي بوزيد (غرباً) وصفاقس (جنوباً)، بصدد إعداد ملفاتها كـ"منطقة ضحية" حتى تظفر هذه المناطق باعتراف سياسي من الدولة بفشل سياستها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في المنطقة ودفعها في إطار مسار العدالة الانتقالية وتحقيق عدالة اجتماعية واقتصادية وتنموية فيها.

ويجمع كلّ من تحدثت إليهم "العربي الجديد" على أن كل حكومات ما بعد الثورة واصلت اعتماد السياسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتنموية الفاشلة نفسها في هذه المناطق، بما في ذلك حكومة الحبيب الصيد الحالية التي لم تصنع بدورها الفارق، ويبدو ذلك جلياً في مشروع ميزانية 2016 الذي لم يحمل أي مقاربة لتحقيق التنمية لمناطق كانت ولا تزال ضحايا منذ أكثر من نصف قرن.

اقرأ أيضاً تونس: اعتقال شخصين كانا يخططان لتنفيذ عمليتين انتحاريتين

وفي هذا السياق، يوضح أستاذ القانون العام، وحيد الفرشيشي، لـ"العربي الجديد"، أنّ الهدف من تقديم ملف "المنطقة الضحية" من قبل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وبدعم من منظمة "محامون بلا حدود"، هو مطالبة هيئة "الحقيقة والكرامة" التمعّن في حالة منطقة القصرين وغيرها من المناطق التي عانت من التهميش أو الإقصاء المنظّم إلى جانب حثّها على اتخاذ التدابير الضرورية، لا سيما لدى السلطات لمعالجة أسباب وعواقب التهميش لضمان عدم تكرار مثل هذه الحالات في المستقبل.

ويضيف الفرشيشي أنّه "يجب على التدابير الموصى بها من قبل هيئة الحقيقة والكرامة أن تنخرط في عملية تفعيل بعض المكاسب الدستورية، مثل اللامركزية، والتمييز الإيجابي، وإنشاء آليات الديمقراطية والحكم المشترك الذي يمكّن المجتمع المدني من المشاركة في التخطيط لمشاريع التنمية المناطقية".

من جهته، يشجّع الناشط الحقوقي، كمال الغربي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، هيئة "الحقيقة والكرامة" على ضرورة تنظيم جلسات استماع عامة لهذه المناطق وإشراك الجميع من سياسيين ومواطنين ومكوّنات المجتمع المدني وحقوقيين للوقوف عند مطالبهم وتصوراتهم حول كيفية إنقاذ مناطقهم الضحية لاسترجاع حقوقهم المسلوبة منذ عقود وتحقيق التنمية المنشودة.

في المقابل، يشير مدير عام في الإدارة العام للتنمية المناطقية في وزارة التنمية والتعاون الدولي، رشاد بن صالح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنّه لا يحبّذ اعتماد مصطلح المنطقة الضحية، مضيفاً أنّ "هذه المناطق تعتبر أقلّ نمواً، وبعد الثورة وُضعت العديد من البرامج من قبل وزارة التنمية في جميع الميادين، تحديداً في ما يخصّ تحسين ظروف العيش وخلق مواطن عامل، ونحن على وعي بأن هذه الإجراءات غير كافية، لذلك نسعى من خلال إعداد المخطط التنموي لسنة 2016 -2020 بطريقة مشتركة من أجل تحقيق أهداف هذه المناطق والنهوض بها اقتصادياً واجتماعياً".  

اقرأ أيضاً استطلاع: التونسيون لا يثقون في جهود حكومتهم ضد الإرهاب