خطاب أمير قطر... رسائل الحصار

22 يوليو 2017
إطلالة الأمير رسالة نقلت الأزمة نحو أفق جديد(فرانس برس)
+ الخط -

جاء خطاب أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بعد قرابة شهرين على الحملة ضد بلاده، هادئاً ومتزناً ومتوازناً، رغم الآثار السلبية للحصار الذي فرضته الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة ضد الدوحة، وبلغ مستويات غير مسبوقة، قفزت فوق الروابط الخاصة، البعيدة في التاريخ إلى إلحاق الأذى بالمواطنين القطريين.

وكانت بعض الأوساط، تنتظر أن تكون نبرة الخطاب أكثر حدة، وأن ترد على ما تعرضت له قطر من إساءات وصلت إلى شخص الأمير وعائلته، ولكن الأمير ترفع عن كل ذلك، ولم يتوقف طويلاً أمام الخطاب المزور الذي لفقوه ونشروه باسمه، لكنه أشار إلى القرصنة التي تعرضت لها وكالة الأنباء القطرية، والخطة المبيتة.

حمل الخطاب رسائل عديدة على المستويين الداخلي والخارجي، تأتي منها في الصدارة، رسالة أن ظهور الأمير في خطاب هو علامة على توديع فصل أساسي من الأزمة، والتأكيد على أن قطر تجاوزت الآثار المباشرة للحصار، وعادت لتعيش بشكل عادي، وهذا أمر هام جداً بالنظر إلى ما كانت تهدف له الحملة من حصار هذا البلد، وهو إجباره على الاستسلام، ورفع الراية البيضاء.

وفي حين لم يرد الأمير على ما حفلت به الحملات من افتراءات، فإنه قرأ الصدى الآخر من الأزمة في الجانب التلقائي والعفوي لدى الشعب القطري، "عندما وقف بشجاعة ورباطة جأش، فالقطريون تميزوا بالجمع بين صلابة الموقف والشهامة.."، و"الجانب الاخلاقي الرفيع للشعب القطري في مقابل حملة التحريض والحصار".

ورغم شدة الأزمة وقسوتها، فإنها فتحت أعين القطريين على سلبيات، وساعدتهم على اكتشاف إمكانات كامنة في ذواتهم، سياسية واقتصادية وثقافية، وكان الخطاب صريحاً في الحديث عن الأخطاء والهفوات، وفي الوقت ذاته الانتباه إلى ضرورة "زيادة الاستثمار في المؤسسات التعليمية والمراكز البحثية والإعلامية وكل وسائل قوتنا الناعمة". وهذا مصدر أساسي من مصادر قوة هذا البلد الصغير، وفي الوقت ذاته مصدر إزعاج للذين يخافون من الإعلام والتفكير وحرية التعبير، الذين يريدون إبقاء المنطقة تعيش تحت سطوة إمبراطورية "إم بي سي" و"روتانا".

هناك رسالة إلى مفتعلي الأزمة، ومفادها أن قطر تتعامل معهم بلا تشنج، وهي منفتحة من أجل طي صفحة الأزمة بالحوار وعلى أساس شرطين: احترام سيادة كل دولة وإرادتها، وأن يتم الحوار بلا إملاءات من طرف على طرف آخر، وذلك مع استمرار التعويل على الوساطة الكويتية والإسناد الأميركي لها، ودعم تركيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا.

وتأتي هذه الدعوة وهي واثقة من نفسها وصادقة بما تحمله وترمي إليه، في حين أنهم كانوا يقرعون طبول الحرب من الطرف الآخر، ويهددون بالقطيعة وفرض العقوبات، وتحريض المجتمع، وتركيب انقلابات وهمية، واستخدام أموالهم ونفوذهم لعزل قطر، وحتى طردها من مجلس التعاون الخليجي.

جانب آخر يتحدث عن الامتحان الأخلاقي للأزمة، ويرثي لحال الأشقاء الذين يظنون أنهم يعيشون وحدهم على هذا الكوكب، وهم يستطيعون بالمال شراء كل شيء. هؤلاء الأشقاء لا تتفق معهم قطر على كل سياساتهم داخل مجلس التعاون الخليجي، مثل "الموقف من تطلعات الشعوب العربية، والوقوف مع القضايا العادلة، والتمييز بين المقاومة المشروعة للاحتلال وبين الإرهاب، وغيرها من القضايا. لكننا لا نحاول أن نفرض رأينا على أحد، ولم نعتقد يوماً أن هذه الخلافات تفسد للود قضية، فثمة أمور مشتركة كثيرة، هي الأسباب التي من أجلها أقيمت هذه المنظمة الإقليمية".

رسالة أخرى حملها الخطاب تتحدث عن التعددية والحرية التي اعتبرها مقياسا أساسيا في الحملة "الدول العربية وغير العربية التي لديها رأي عام تحترمه وقفت معنا، أو على الأقل لم تقف مع الحصار، على الرغم من الابتزاز الذي تعرضت له". في وقتٍ دعا الأمير إلى إشاعة ثقافة الإبداع والتنمية البشرية، ووضع "كل من يقيم في قطر" في مصاف "الناطق باسمها".

وكان لا بد أن يولي الخطاب أهمية لمكافحة الإرهاب، فأكّد أنّ "قطر تكافح الإرهاب بلا هوادة ودون حلول وسط، لكنها تختلف مع البعض بشأن مصادر الإرهاب، فالدين وازع أخلاقي وليس مصدر إرهاب"، وفي التفاتة هامة وذكية أوضح أن "الدول التي قامت بهذه الخطوات اعتمدت على مفعول تهمة الإرهاب في الغرب، وعلى تملّق مشاعر بعض القوى العنصرية الهامشية في المجتمعات الغربية وأفكارها المسبقة. ولكن سرعان ما تبيّن لهم أن المجتمعات الغربية مثلنا، لا تقبل أن تطلق تهمة الإرهاب لمجرد الخلاف السياسي، أو لأغراض مثل قمع التعددية في الداخل، أو لتشويه صورة دول أخرى وعزلها على الساحة الدولية"، وهذا "سلوك يلحق الضرر بالحرب على الإرهاب".

إطلالة أمير قطر الأولى، في حد ذاتها رسالة نقلت الأزمة نحو أفق جديد، ينفتح على الحوار المتكافئ.

المساهمون