جولة جديدة لـ"السترات الصفراء" بفرنسا: اختبار صبر الحكومة واستباق "النقاش الوطني"

11 يناير 2019
يتحضر ناشطو "السترات الصفراء" لجولة تظاهرات تاسعة(Getty)
+ الخط -


سبتٌ جديدٌ وجولةٌ جديدة من حراك "السترات الصفراء". هو الحراك في جولته التاسعة، وأمام تشدد السلطات الفرنسية الأمنية والقضائية، تواصل قطاعات من "السترات الصفراء" رفع التحدي.

وإذا كان رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون وكل حكومته في موقع هجومي لشرح وإخراج النقاش الوطني الكبير إلى العلن، على أمل أن يحل كثيراً من مطالب "السترات" وقطاعات أخرى من الشعب، إلا أن الفرنسيين لا يشاطرون الرئيس وحكومته تفاؤلهم، فقد رأت أغلبية 70 في المئة من الفرنسيين في استطلاع للرأي، أن "النقاش الوطني الكبير لن تتمخض عنه إجراءات مفيدة للبلد"، ورأى 77 في المئة منهم أن الاستشارة لن تتم بشكل مستقل عن السلطة، في حين أن 80 في المئة أعربوا عن اعتقادهم بأن الاستشارة لن تسمح بإدراك كل المواضيع.

ولا يبدو، إذن، أن إطلاق النقاش الوطني الكبير، يوم الثلاثاء المقبل، قد غيّر كثيراً من الأوضاع، فقد أعلن عن تنظيم تظاهرات في العديد من المدن الفرنسية، كمارسيليا وتولوز وليون وستراسبورغ وليل ونانت ورين وغيرها، وسط تعبئة وزارة الداخلية لأكثر من 80 ألف عنصر أمني.

لكن مواقف "السترات الصفراء" ليست كما كانت في السابق، متجانسة، وبالتالي فكل اتجاه يدافع عن استراتيجيته، خصوصاً مع غياب تنسيق بين القادة والوجوه التي يعرفها الكثير من المتظاهرين وتحضُرُ، من حين لآخر، في وسائل الإعلام.

وحاول الكثيرون من القيادات التوافق على حضور رمزي كبير في مدينة بورج، التي تعتبر مركز الحراك، والتي شهدت اضطرابات عنيفة، السبت الماضي، وهو ما جعل السلطات تحظُر التظاهر في وسط المدينة، وهو ما يمثله حضور بريسيلا لودوسكي وزميلها ماكسيم نيكول، في حين آثَرَ وجهٌ آخَر من وجوه الحراك، إيريك درووي، التجمع في "لا ديفانس"، بالضاحية الباريسية، وإن كان مكان التجمع لن يعلن عنه إلا في وقت متأخر، حتى يربك قوات الأمن.


وقرر المتظاهرون، الذين أعلنت نقابة "سوليدير" عن دعمهم في أماكن الاعتصامات، اللجوء إلى محاصرة بعض الأماكن، فيما دعا آخرون المواطنين للامتناع عن سحب أموالهم من المصارف.

وفيما تتواصل الدعوات للتظاهر، من أجل تحقيق المطالب التي لم ترد في الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة الفرنسية، تحاول الحكومة، التي استنفرت كثيراً من وزرائها لمهاجمة بعض تيارات "السترات الصفراء" التي تعتبرها السلطات "متشددة"، وأيضاً بعض الأحزاب التي تؤيد الحراك، الدفع بكل قواها لشلّ الحراك والقضاء عليه.


ولا يبدو أن الحكومة الفرنسية أغفلت الجانب المالي، فقد قررت تجفيف المنابع المالية للحراك. فبينما أطلقت صندوقاً لجمع التبرعات لرجال الأمن، من ضحايا الإضرابات، قامت بإغلاق صندوق التبرعات لصالح "الملاكم" كريستوف ديتينغر، والتي "صدمت الحكومة وبعض أطياف المعارضة"، بل وذهبت الوزيرة مارلين شيابا، إلى المطالبة بتحديد أسماء المتبرعين، باعتبارهم اقترفوا جُنَحاً.

هذا الموقف ردّ عليه إيريك درووي، وهو من وجوه الحراك المثيرة للجدل، والذي أوقفته الشرطة مرتين منذ بدء الحراك، في أفق محاكمته في شهر فبراير/شباط المقبل، بإطلاق صندوق لدعم جرحى وضحايا الحراك.

سيكون حراك الغد، في جولته التاسعة، إذاً، فرصة لرؤية وقراءة تأثير الإجراءات الردعية للحكومة، التي لخصتها مجلة "بوليتيس" الأسبوعية، في صورة غلاف يجمع متظاهراً بسترة صفراء مع شرطي مدجج بالسلاح، وبعنوان واضح "العصا بعد الجَزَرة"، على الحراك، وأيضاً لمعرفة موقف المتظاهرين من مواقف وتصريحات عنيفة، غير مسبوقة في المعجم السياسي الفرنسي، لسياسيين من الحكومة والمعارضة ضدهم، من بينهم تصريح وزير التربية الوطنية اليميني الأسبق، لوك فيري، عن ضرورة إطلاق الجيش للرصاص على مثيري الشغب من المتظاهرين، وهو تصريح شبيه بتصريح آخر لزعيم يميني آخر، إيريك سيوتي. وهي تصريحات أكثر عنفاً من تصريحات بعض المتشددين في الطاقم الوزاري.


تصريحات يفهم منها أن حزب اليمين الفرنسي، "الجمهوريون"، فَقَد تأثيره على هذا الحراك، الذي أفلت من سيطرته، فيما لا يزال يحظى بدعم وتفهم أحزاب أخرى كـ"التجمع الوطني" و"انهضي فرنسا"، و"فرنسا غير الخاضعة"، التي تَسَابَق وزراء للتأكيد على أنها "حركة خرجت من الحقل الجمهوري"، أي كما يفهمه ماكرون وأنصاره.       ​