من الكويت إلى ميونخ... لا مؤشرات إيجابية للعلاقات السعودية-الإيرانية

24 فبراير 2017
طغى الجانب الاقتصادي على زيارة روحاني إلى الكويت (الأناضول)
+ الخط -

بعد عام على قطع العلاقات السعودية - الإيرانية، عادت أحاديث المصالحة بين البلدين إلى الواجهة من جديد، عبر البوابة الكويتية هذه المرة. ففي 25 يناير/كانون الثاني الماضي، قام وزير الخارجية الكويتي، الشيخ صباح الخالد الصباح، بزيارة إلى طهران، حمل خلالها رسالة من أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، إلى القيادة الإيرانية، بشأن العلاقات الخليجية - الإيرانية، وسبل فتح قنوات للحوار بين الجانبين تنعكس إيجاباً على المنطقة.

هذه الرسالة تبعتها تحركات دبلوماسية إيرانية - كويتية - عُمانية، توجت بزيارة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى الكويت ومسقط، والتقى، خلال زيارته الخاطفة، أمير الكويت، وسلطان عُمان، قابوس بن سعيد. لكن وحتى اللحظة، لا توجد أي مؤشرات على أن عرض الوساطة الكويتي، والجهود الكويتية – العُمانية، نجحت في تحقيق أي تقدم لتخفيف التوتر بين الجانبين السعودي والإيراني، على خلفية قطع الرياض علاقتها بطهران في يناير/كانون الثاني 2016 بعد اقتحام محتجين السفارة السعودية في طهران، وقنصليتها في مشهد، استنكاراً لإعدام الرياض رجل الدين الشيعي، نمر النمر، الذي تتهمه السلطات السعودية بالإرهاب.

لا أنباء كبيرة من الكويت

وبعد زيارة روحاني إلى عُمان، ثم الكويت، في 15 فبراير/شباط الحالي، واجتماعه بسلطان عُمان وأمير الكويت، لم تقدم الدوائر الكويتية أو العُمانية، أو حتى الإيرانية، أي دلائل على حدوث تقدم بخصوص المبادرة الكويتية للحوار الخليجي - الإيراني. فواصلت وسائل الإعلام الإيرانية، والمسؤولون في طهران، هجومهم وتصريحاتهم ضد السعودية، في الوقت الذي اكتسبت زيارة روحاني عُمان والكويت أبعاداً محلية. فبحسب مصادر كويتية فإن الجانب الاقتصادي كان طاغياً على زيارة روحاني إلى البلاد، خصوصاً ما يتعلق بإقناع مستثمرين كويتيين بالاستثمار في إيران، بعد رفع العقوبات الدولية إثر توقيع الاتفاق النووي مع مجموعة "5 +1".
أما بخصوص العلاقات الخليجية – الإيرانية، فكان تصريح روحاني "المعتاد" هو الوحيد الذي جاء في سياق المبادرة الكويتية، إذا أكد الرئيس الإيراني أهمية الحوار بين إيران والخليج، مشدداً على الدور السلبي الذي يؤديه "الغرب" في خلق "فجوة مصطنعة بين المسلمين". أي أن الرئيس الإيراني استمر بترديد "الكليشيهات" الرسمية التي تكررها الحكومات المتعاقبة في طهران، منذ عقود. بعد زيارة روحاني، لم يحدث تواصل كويتي – سعودي، معلن على الأقل، حول المبادرة الكويتية. وقام أمير الكويت بزيارة إلى سلطنة عُمان، للقاء السلطان قابوس، ما تم قراءته على نطاق واسع، أن زيارة روحاني إلى الكويت وعُمان، انعكست إيجاباً على العلاقات الإيرانية ـ الكويتية - العُمانية، لكنها لم تضف أي شيء في أفق العلاقات الإيرانية - السعودية.


ميونخ ... السعودية غاضبة

وجاءت كلمة وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في مؤتمر ميونخ للأمن في 19 فبراير، لترسخ أن أولويات السياسة الخارجية السعودية، اليوم، هي إيران، ثم إيران، ثم إيران. فكان الهجوم على طهران، وفتح خطوط التواصل مع الإدارة الأميركية الجديدة، العناوين الأبرز لكلمة الجبير في ميونخ. ووصف وزير الخارجية السعودي إيران، أنها "أكبر دولة راعية للإرهاب"، واتهمها بتزويد مليشيات الحوثي بصواريخ بالستية "لقصف السعودية". وشدد على "خطورة طموحات إيران في المنطقة"، وأنها "تنتهك القانون الدولي بخصوص الصواريخ البالستية". وطالب الجبير الولايات المتحدة بـ "لعب دور أكبر في المنطقة"، مبدياً استعداد الرياض للتعاون مع الإدارة الأميركية الجديدة. أما عن الحوار مع طهران، فلم تتغير لهجة الجبير، الذي أكد، طوال العام الماضي، أن الرياض تريد "أفعالاً لا أقوالاً". وأضاف "السعودية تريد من الإيرانيين أفعالاً لا أقوالاً، إن كانوا يريدون إيجاد حل لأزمات المنطقة"، معتبراً أن "استمرار سلوكيات إيران العدائية يعيق أي حوار معها".

تصريحات الجبير، في ظل الحديث عن مبادرة كويتية للحوار الخليجي - الإيراني، تؤكد أن المبادرة الكويتية لا تسير بصورة إيجابية، كما هو متوقع، خصوصاً وأن قطع العلاقات السعودية - الإيرانية لم يكن فقط بسبب اقتحام المقار الدبلوماسية السعودية في إيران، كما هو معلن، وإنما تأتي هذه الحادثة باعتبارها رأس جبل الجليد في الخلافات السعودية - الإيرانية، والتي تشمل ملفات إقليمية عدة، من البحرين والعراق وسورية ولبنان، إلى اليمن. ولا يبدو أن إيران مستعدة للقيام بـ"أفعال" لإبداء حسن نواياها للسعودية. وفي هذا السياق، يمكن قراءة تصريحات رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، الذي أكد في 19 فبراير أن إيران "ترحب بالحوار مع الدول العربية، وكذلك مع السعودية"، لكنه أضاف "أننا لا نضع أي شروط مسبقة لهذا الحوار، ولن نرضخ لأي شروط مسبقة تطرحها الأطراف الأخرى". وتأتي نقطة رفض "الشروط المسبقة" لتأكيد رفض ما تريده السعودية من إيران، بإيقاف دعم الحوثيين في اليمن، والكف عن تدخلاتها في البحرين، إضافة إلى رفع يدها عن النظام السوري و"حزب الله" في لبنان.

الحج ... مسألة بيروقراطية

وفي أجواء المبادرة الكويتية، وهجوم وزير الخارجية السعودي على إيران في مؤتمر ميونخ، تأتي مبادرة السعودية للتوصل إلى اتفاق بشأن إرسال الحجاج والمعتمرين الإيرانيين إلى مكة. فبحسب مصادر إيرانية، طلبت الرياض من الإيرانيين إرسال وفد إلى السعودية لمناقشة موضوع إرسال الحجاج الإيرانيين من جديد، بعد امتناع طهران عن توقيع اتفاقية الحج مع المملكة العام الماضي، ما عطل قيام الإيرانيين بهذه الشعيرة الدينية.
وكان وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيراني، رضا صالحي أميري أكد، في 17 فبراير، أن طريق الحج "سيصبح ممهداً للحجاج الإيرانيين ثانية" بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية "ارنا". وقال "في ضوء المشاورات التي أجريت مع المسؤولين السعوديين سيصبح طريق الحج ممهداً مرة أخرى"، ومن المفترض أن يكون الوفد الإيراني للحوار حول الحج وصل أمس الخميس.

وكانت نقاط الخلاف بين البلدين حول الحج، تتعلق برفض السعودية لشروط إيرانية، وصفتها مصادر سعودية بـ"محاولات إيرانية لتسييس الحج"، الأمر الذي تعتبره الرياض خطاً أحمر. وجدد صالحي، في تصريحاته الأخيرة، إصرار إيران على وضع "شروط" لإرسال حجاجها مجدداً، معتبراً أن "سياسة واستراتيجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي ضمان أمن وعزة وكرامة الحجاج الإيرانيين". وكان عدد كبير من الحجاج الإيرانيين قتلوا في حادثة التدافع التي حدثت في مشعر منى في حج سنة 1436 (الموافق 24 سبتمبر/أيلول 2015)، إضافة إلى مقتل حجاج من دول إسلامية أخرى. إلا أن إيران هي الدولة الوحيدة التي رفضت توقيع اتفاقية الحج البيروقراطية الروتينية التي توقعها الدول الإسلامية عادة مع السعودية، وبناء على رفضها لم ترسل أي حاج إلى مكة في سنة 1437 (2016).

وكان المشرف على مؤسسة الحج والزيارة في إيران، حميد محمدي، أكد أن الزيارة الإيرانية لبحث مسألة الحج، جاءت بدعوة رسمية من وزارة الحج السعودية، متوقعاً أن تتم زيادة عدد الحجاج الإيرانيين هذا العام إلى 80 ألف حاج. ومن المستبعد أن تكون السعودية ترغب في تعقيد إجراءات استقبال الحجاج الإيرانيين، فالرياض لم تمنع إيران من إرسال مواطنيها لأداء الشعائر الدينية في أكثر لحظات الخلاف الإيراني - السعودي شدة، في ثمانينيات القرن الماضي، عندما اتهمت السعودية حجاجاً إيرانيين بالقيام بعمليات إرهابية، وأعمال شغب في العام 1987. كما أن السعودية حريصة على صورتها، باعتبارها دولة إسلامية ترعى الشعائر الدينية، وتيسر للمسلمين القيام بها. وفي هذا السياق، يمكن أخذ حرص السعوديين على التواصل مع الإيرانيين، لتسهيل إرسال طهران حجاجها، في الوقت الذي من المستبعد أن تكون لهذه الخطوة أي انعكاسات إيجابية على الخلافات السعودية – الإيرانية.

تحولات إقليمية على إيقاع ترامب

وتوترت العلاقات السعودية - الأميركية في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، انعكاساً لخطوات الأخير الإيجابية تجاه طهران، ورعايته الاتفاق النووي حتى النهاية. من هنا ستكون المواقف السعودية المؤيدة للتصعيد تجاه طهران، في ظل إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أمراً طبيعياً. فالسعودية لم تغير موقفها من إيران، لكن الإدارة الأميركية هي من فعل هذا. أما في تركيا، فتبدو الأمور مختلفة بعض الشيء. وعلى وقع الاتفاق النووي مع إيران، تحسنت العلاقات الخليجية - التركية، خصوصاً مع السعودية، من دون أن ينعكس هذا التقارب سلباً على العلاقات التركية – الإيرانية، التي شهدت نمواً مطرداً بالتبادل التجاري، إضافة إلى محاولات تجنب التأثيرات السلبية للخلافات السياسية بين البلدين بشأن سورية، على علاقتهما الثنائية، كما نرى في زيارة روحاني إلى تركيا في أبريل/نيسان 2016.

اليوم، هناك مؤشرات على تأزم العلاقات التركية – الإيرانية، في ظل تحسن العلاقات التركية - الأميركية في ظل إدارة ترامب. فقد دعا وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في مؤتمر ميونخ للأمن، إيران إلى "إنهاء الممارسات التي من شأنها زعزعة استقرار وأمن المنطقة". وقال، عن الدور الإيراني في المنطقة، إنه "يزعزع الاستقرار، خصوصاً أن طهران تسعى لنشر التشيّع في سورية والعراق". وفي السياق ذاته، أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال زيارته البحرين، الأسبوع الماضي، ضرورة التصدي للمطامع الإيرانية في العراق وسورية، والتي وصفها بـ"القومية الفارسية"، مشدداً على أن على تركيا والخليج "عدم الوقوف مكتوفي الأيدي أمام الظلم الحاصل هناك".

وقامت وزارة الخارجية الإيرانية باستدعاء السفير التركي لدى طهران، رضا هاكان تكين، للاحتجاج على تصريحات أردوغان وجاويش أوغلو، ما ينذر بدخول العلاقات الإيرانية - التركية مرحلة جديدة، في ظل التقارب التركي – الأميركي. وستكون طهران الخاسر الأبرز من التقارب الخليجي - التركي، والتركي – الأميركي، إذ من المتوقع أن تقود إدارة ترامب محوراً مناهضاً لإيران في المنطقة، يتضمن الآن دول الخليج وإسرائيل، وسط مؤشرات بدخول تركيا هذا المحور الذي يطوي صفحة التقارب الأميركي – الإيراني في عهد إدارة أوباما.

المساهمون