درنة تتأهب لهجوم حفتر: جريمة حرب جديدة في الصراع الليبي؟

06 فبراير 2018
جامع الصحابة في درنة (فرانس برس)
+ الخط -
يشقّ الصراع الليبي طريقه أمام جريمة حرب جديدة، عنوانها كما كان متوقعاً منذ أشهر، محاولة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر استكمال سيطرتها على شرق ليبيا، ومعها محاولة استكمال تطويع مدينة درنة المحاصرة منذ أكثر من عامين، والتي تفاقمت أزمتها الإنسانية منذ الصيف الماضي، في ظل صمت دولي من جهة، وتقاعس حكومة "الوفاق" التي يترأسها فايز السراج من جهة ثانية.

وبدأت قوات حفتر منذ ليل الأحد الماضي التمهيد لاجتياح درنة، الواقعة على بعد كيلومترات من الحدود المصرية - الليبية، بقصف مدفعي وجوي عنيف طاول خصوصاً مدخلها الغربي. وفيما تمهد مدفعية مليشيات "الكرامة" التابعة لحفتر، والتي ترابط في منطقة عين مارة، لاقتحام المدينة، توالت نداءات هذه المليشيات، لسكان المدينة، مطالبةً إياهم بالابتعاد عن مواقع قوات مجلس شورى المدينة.

وفيما لم ترد أنباء حتى الساعة عن سقوط ضحايا جراء القصف، تتجه المعركة للسيطرة على درنة من قبل قوات حفتر، لتكون شبيهة بسابقتها التي قادتها قواته في بنغازي، والتي استمرت ثلاث سنوات، مخلفةً أعداداً لا تحصى من الضحايا، ونسبة دمار هائلة. معركة بنغازي، التي رفعت أسهم حفتر أخيراً لإشراكه دولياً في المباحثات الدائرة لحلّ الصراع الليبي، بعد دعم مصري وإماراتي، ودخول روسي قوي على خطّ الملف الليبي، وتقبل على مضض من بعض عواصم القرار الأوروبية؛ رفعت في الوقت نفسه أسهم الجماعات السلفية المدعومة سعودياً، ما فتح تساؤلاً حول دورها المرتقب في الهجوم على درنة، علماً بأنه سُرّب منذ أواخر العام الماضي كذلك قيام قوات حفتر بتسهيل تهريب إرهابيين إلى درنة، وهو ما نفته "قيادة" هذه القوات. كما أكد مجلس شورى درنة خلو المدينة من الإرهابيين.

وتبدو عملية محاولة تطويع درنة من قبل حفتر وقواته أبعد من مجرد التمسك بحجة محاربة الإرهاب، التي تتهم بها المدينة منذ الأيام الأولى للثورة الليبية. فسقوط المدينة في يده وتطبيع قبائلها، وعلى رأسهم قبيلة العبيدات، يمثل آخر شوكة يسعى حفتر لإزالتها في طريق بسط نفوذه على الشرق. لكنه نفوذ محفوف كذلك بمخاطر تقلب الولاءات القبلية والصراعات الجانبية.


وبالعودة الى ميدانيات درنة، فقد تعرضت المدينة خلال اليومين الماضيين لعمليات قصف مدفعي وجوي متقطعة وسط استعدادات قوات حفتر لخوض حرب السيطرة عليها، حيث أعلنت قيادته نهاية الأسبوع الماضي إرسالها تعزيزات جديدة لقواتها المُحاصرة للمدينة منذ حوالى عامين.

وبحسب شهود عيان من المدينة تحدثوا لــ"العربي الجديد"، فإن مدخل درنة الغربي تعرض لقصف جوي من قبل طائرات حفتر على مدار يوم أمس الاثنين، وأول من أمس الأحد، بينما تعرضت منطقة التبة في الظهر الحمر جنوب المدينة لقصف مدفعي مكثف باعتبارها نقطة التماس بين مقاتلي مجلس شورى درنة وقوات حفتر .

وطالبت قيادة قوات حفتر، في بيان لها يوم أمس الإثنين، المواطنين بالابتعاد عن مواقع تمركز مقاتلي مجلس شورى المدينة، ما اعتبر إيذاناً بقرب بدء حرب جديدة من قبل قوات حفتر بعد انتهاء عملياته القتالية في بنغازي.

وتعتبر مدينة درنة الواقعة شمال شرقي البلاد والمطلة على البحر الأبيض المتوسط ( 300 كيلومتر شرق بنغازي) من أبزر المدن المعارضة لمساعي حفتر العسكرية، إذ يعلن مقاتلو المدينة الذين يعملون تحت قيادة ما يسمى بـ"مجلس شورى مدينة درنة" معارضتهم العلنية لمشروع حفتر العسكري، ما دفع بالأخير إلى فرض حصار على المدينة مستعينا بمقاتلي القبائل المحيطة بها، وذلك منذ حوالى عامين، قبل أن يشدد الحصار قبل ستة أشهر، مانعاً دخول الإمدادات الإنسانية والغذائية والنفطية، بالرغم من مطالبة رسمية محلية ودولية، ومن قبل منظمات إنسانية دولية، بضرورة فكّ الحصار عن المدينة.

وبالإضافة إلى الحصار المفروض عليها، والذي حذرت منظمات دولية من الكارثة الإنسانية التي قد تنجم عنه، تحولت درنة العام الماضي إلى كبش فداء "الطائرات المجهولة"، لا سيما طائرات القوات المصرية التي قصفتها علناً مرات عدة، رداً على "عمليات إرهابية" استهدفت أراضيها. وكان أول قصف مصري طاول درنة في العام 2015، بعد نشر تنظيم "داعش" الإرهابي فيديو لذبح 21 مصرياً. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شهدت المدينة مجزرةً راحَ ضحيتها 12 شخصاً بينهم أطفال من عائلتين، جراء قصف قوات حفتر لأحد أحيائها.

يذكر أن درنة كانت أول مدينة يتخذ تنظيم "داعش" الإرهابي مقراً له فيها (أكتوبر/تشرين الأول 2014) خارج معاقله التي سيطر عليها في العام 2014 في العراق وسورية، ومثلت النقطة الأكثر قرباً له إلى أوروبا، ما شكل تهديداً خطيراً على القارة العجوز. لكن مجلس شورى درنة تمكن من طرده منها في يونيو/ حزيران 2015، وتطهير المنطقة من جيوبه المتبقية لاحقاً. 

المساهمون