بوادر تمرد لأهالي سيناء: رفض استمرار انتهاكات الأجهزة الأمنية

16 يناير 2017
هدّد الأهالي بالعصيان المدني في سيناء (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
يواجه النظام المصري الحالي برئاسة عبد الفتاح السيسي وأجهزته، أزمة كبيرة في حسم الصراع المسلح في سيناء لصالحه، على الرغم من مُضي ما يزيد عن ثلاث سنوات، خصوصاً مع استمرار الانتهاكات وعمليات التصفية الجسدية التي يدفع ثمنها أهالي المنطقة. 
ولم تتوقف الانتهاكات في سيناء منذ بدء العمليات العسكرية لمواجهة التنظيم المسلح، من دون وجود ردود فعل علنية لأهالي سيناء، غير أنه ظهرت أخيراً بوادر تمرّد من قبل أهالي العريش على انتهاكات وممارسات القوات المشتركة من الجيش والشرطة.

وأعلنت وزارة الداخلية، يوم الجمعة، تصفية عشرة شبان في مدينة العريش، بدعوى انضمامهم لتنظيم "ولاية سيناء" وضلوعهم في تنفيذ عمليات إرهابية، بيد أن ستة من الشباب كانوا مختفين قسرياً، وهو ما دفع عائلات العريش إلى التهديد بالعصيان المدني واتخاذ خطوات تصعيدية ردّاً على هذه الممارسات.

واجتمعت عائلات العريش بديوان آل أيوب، وأعلنت رفضها التواصل مع وزير الداخلية للتحقيق في تصفية الشباب، وسط مطالبات بمحاسبة كل المتورطين في هذه الانتهاكات، مهددة بالعصيان المدني الجزئي والشامل مع تكوين لجان لمناقشة الأهالي في جميع شوارع ومناطق العريش. وطالب عدد من حاضري الاجتماع نواب شمال سيناء في البرلمان بتقديم استقالاتهم.

في هذا الصدد، اعتبر مراقبون أن ممارسات وانتهاكات القوات المشتركة من الجيش والشرطة، هي أحد أسباب عدم حسم المعركة في سيناء، تحديداً مع صعوبة مواجهة تنظيم قوي ولديه قدرات قتالية كبيرة. ورأوا أن استمرار الانتهاكات يزيد من الفجوة بين أهالي سيناء وأجهزة الدولة، بما يسهم في مدّ أمد الصراع، خصوصاً أن المعركة لن تُحسم هناك دون الاعتماد على الأهالي، في رصْد تحركات التنظيم المسلح.

كذلك أفادت مصادر قبلية بأن أهالي الشباب رفضوا بشكل كامل اللجوء إلى وزير الداخلية، للتحقيق في تصفية ذويهم، معتبرين أنه المسؤول الأول عن الواقعة. وأضافت المصادر لـ"العربي الجديد" أن "عدداً من شيوخ القبائل وأهالي الشباب سيلجأون إلى مؤسسة الرئاسة وأجهزة سيادية في الدولة، لوقف الانتهاكات ضد أهالي سيناء".



وتابعت المصادر أن "هناك اتجاهاً للتواصل مع مستشار رئيس الجمهورية للأمن القومي، اللواء أحمد جمال الدين، لوقف الانتهاكات والتحقيق في واقعة مقتل الشباب والتوسع في عمليات القبض العشوائي على الشباب والاختفاء القسري". ولفتت إلى أن "ما يحدث في سيناء، وأخيراً العريش، ينذر بكارثة حقيقية، لناحية إعطاء مشروعية للتنظيم المسلح، بما يسمح بتوسع العمليات اعتماداً على زيادة الحاضنة الشعبية". وأشارت إلى أن "ممارسات وانتهاكات القوات المشتركة من الجيش والشرطة على حد سواء ضد أهالي سيناء، تعرقل أي جهود للتعاون مع أجهزة الدولة لمواجهة الجماعات المسلحة".

وأشارت المصادر إلى أن "عدداً من وجهاء وشيوخ سيناء حذروا في لقاءات سابقة مع قيادات بأجهزة سيادية ومستشار رئيس الجمهورية، من استمرار نفس السياسات الخاطئة، التي دفعت بعض الشباب إلى التنظيم المسلح للانتقام من تلك الانتهاكات". وشددت على أن "الأوضاع في سيناء تزداد سوءاً، وهو ما يطيل أمد الصراع المسلح بين الجيش وتنظيم ولاية سيناء من دون أن تدرك الدولة خطورة الأمر".

واعتبرت أن "أهم مطالب أهالي سيناء وقْف الممارسات والانتهاكات، والتوسع في دائرة الاشتباه، والإفراج عن كل الشباب المعتقلين". وتابعت أن "تحركات أهالي الشباب الذين تمت تصفيتهم،تُعتبر أول تحرك نوعي من جانب أهالي سيناء، وهو ما يعمّق من الفجوة بين الأهالي والقوات المشتركة المكلفة بمواجهة الإرهاب".

وأوضحت المصادر أن "كل وجهاء وشيوخ سيناء حذروا أجهزة الدولة من استمرار الانتهاكات، وعلى العكس لم تتوقف ولكنها تزايدت"، مشيرة إلى أن "الأهالي لم يثيروا أزمة في تشديد الإجراءات وتقييد حرية التنقل على الكمائن، ولكن حينما يصل الأمر إلى التصفيات الجسدية للشباب بما يوحي بوجود قصدية في القتل، فعندها لا يمكن السكوت".

وكانت مصادر قبلية قد كشفت لـ "العربي الجديد"، العام الماضي، عن "انضمام عدد من شباب القبائل إلى التنظيم المسلح، رداً على انتهاكات وتجاوزات قوات الجيش والشرطة، وهو ما أعطى التنظيم قدرات قتالية أكبر لناحية تزايد أعداد عناصره، فضلاً عن تطور القدرات القتالية".


من جهته، قال باحث في الحركات الإسلامية إن "أحد أسباب قوة فرع تنظيم داعش في سيناء حتى الآن، هو عدم اصطدامه مع النظام القبلي، في حين أن قوات الجيش والشرطة تسعى لهدمه". وأضاف الباحث لـ"العربي الجديد"، أن "سيناء لها طبيعة خاصة عن مختلف المحافظات في مصر، ويحكمها النظام القبلي، ومسألة الثأر ركن أساسي من أركان فكرها وعاداتها. وهو ما يدفع بعض الشباب للانضمام إلى التنظيمات المسلحة للرد على الانتهاكات".

وتابع قائلاً إن "تنظيم ولاية سيناء يستمد قوته من أخطاء القوات المكلَّفة بمواجهة الإرهاب، ويعتمد على إظهار نفسه المخلص والمنتقم من هذه الانتهاكات. وهو ما يثبّت أركانه ويجعل له حاضنة شعبية، وهو ما يفسّر قدرته على التحرك دون رصْده والإبلاغ عنها من قبل الأهالي". وأكد أن مواجهة الإرهاب تتطلب تعاوناً من قبل الأهالي، تحديداً في منطقة مثل سيناء، والتجارب السابقة لمواجهة الجماعات المسلحة في مناطق قبلية لا يمكن حسمها إلا بالتعاون مع القبائل والأهالي، والعكس صحيح".

في غضون ذلك، اعتبر الخبير الأمني، محمود قطري، أن "ممارسات قوات مكافحة الإرهاب، يشوبها عدم احترافية في التعامل، وهو ما ينذر باستمرار الإرهاب في سيناء". وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الأخطاء والانتهاكات التي تحدث في سيناء ناتجة عن فشل أجهزة جمع المعلومات"، متسائلاً: "كيف تنجح ولا يوجد تعاون كامل؟ وبدلاً من كسب الأهالي لصف الدولة يحدث ما ينفّرهم من التعاون في مكافحة الإرهاب". وشدّد على أنه "لا بد من التحقيق في أي وقائع انتهاكات ومحاسبة المخطئ، منعاً لتصاعد الأزمات بين الأهالي وأجهزة الدولة المكلفة بمواجهة الإرهاب، بما يزيد من صعوبة مواجهة الإرهاب هناك". وطالب بالتزام قوات مكافحة الإرهاب بأقصى درجات ضبط النفس في التعامل مع المدنيين، تحديداً في ضوء الأحاديث المستمرة عن وجود انتهاكات كبيرة، والتوسع في دائرة الاشتباه".



المساهمون