فوضى سياسية في العراق: سقوط اسم السوداني وانتظار مفاجآت

17 ديسمبر 2019
رفض الشارع بشكل واضح اسم السوداني (مرتضى سوداني/الأناضول)
+ الخط -
حشر الرئيس العراقي برهم صالح، القوى السياسية والبرلمان في زاوية ضيقة بعد خطاب وجّهه إلى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، يطالبه فيه بتحديد من هي الكتلة الأكبر في البرلمان حتى يكلفها بتسمية مرشح لرئاسة الحكومة، وذلك فيما بدا أن اسم محمد شياع السوداني لهذا المنصب قد سقط بسبب تحفّظ النجف والمتظاهرين عليه. أمام هذا الوضع، لا يُستبعد حصول مفاجآت مثل تقديم بعض الكتل تنازلات أو التوافق على اسم جديد غير اسم السوداني بوساطة من مرجعية النجف، في ظل حراك من نواب وصل عددهم إلى 174 عصر أمس (أكثر من نصف البرلمان) لتخويل رئيس الجمهورية بترشيح رئيس وزراء مستقل وتوقيعهم على ذلك، وهم من كتل مختلفة في البرلمان بينهم أعضاء عن تحالف "الفتح"، الذي يصر على أن يكون الترشيح من خلاله. وقال مستشار في رئاسة الجمهورية لـ"العربي الجديد"، إن صالح "يحاول الاستفسار من المحكمة الاتحادية عن دستورية اعتماد هذا التخويل لتقديم مرشحه للحكومة وتجاوز نقطة الكتلة الكبرى في البرلمان التي وردت في الدستور".

وفيما كان من المقرر أن تنتهي ليلة الثلاثاء مهلة الـ15 يوماً لتسمية شخصية لرئاسة الحكومة، كسب صالح يومين إضافيين عندما اعتبر أنه تسلّم كتاب تكليف تسمية رئيس للوزراء في الرابع من هذا الشهر لا في الثاني منه.
وقال قيادي بارز في تحالف "الفتح" البرلماني، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن خطاب برهم صالح للبرلمان جاء بعد وصول المباحثات إلى طريق مسدود ومحاولة منه لإحراج الكتل والبرلمان أمام الشارع، موضحاً أن قوى سياسية عدة سحبت دعمها للسوداني لرئاسة الوزراء بسبب تحفّظ النجف والمتظاهرين عليه. وأقر بفشل قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني في تقديم السوداني لرئاسة الحكومة، كاشفاً أن البرلمان سيعقد اليوم اجتماعاً مغلقاً لرؤساء الكتل البرلمانية لبحث الأزمة، خصوصاً أن تحالف "سائرون" أرسل إخطاراً رسمياً لرئيس البرلمان يبلغه فيه أن تنازله عن حقه في تسمية رئيس الحكومة لا يعني تنازله عن صفة الكتلة الأكبر في البرلمان. وختم بالقول "الأزمة قد تُحل بالتنازلات أو تدخّل المرجع علي السيستاني بحكمته المعروفة بمثل هذه الأزمات أو سيكون الذهاب إلى انتخابات بشكل مباشر أسهل الحلول وأفضلها".

في المقابل، تساءل كبير مستشاري رئيس البرلمان، كامل الدليمي، في حديث مع "العربي الجديد"، عن سبب تأخر صالح كل هذه الأيام لتوجيه طلب تحديد الكتلة الأكبر، موضحاً أن "رئيس الجمهورية كان له الحق في السؤال عن الكتلة فور وصول كتاب البرلمان له، وليس مع قرب انتهاء المدة الدستورية لاختيار رئيس الوزراء، فهو يريد إعادة الكرة للبرلمان، ومجلس النواب ليس مجبراً على الإجابة عن سؤال رئيس الجمهورية، وهنا يدخل في الإحراج برهم صالح نفسه".
ورأى أنه "كان على رئيس الجمهورية عدم التصرف بهذه الطريقة، لكن كل هذه الخلافات والتأخير في حسم اختيار رئيس الوزراء، مقصودة بهدف الذهاب بالشعب العراقي إلى صراعات أكبر وإلى تفتت أكبر، فالآتي لا يبشر بخير، وحجم الشعور بالمسؤولية لدى المسؤولين وأصحاب القرار لا يتناسب مع حجم الخطر".

من جهته، اتهم النائب عن تحالف "سائرون" بدر الزيادي، في حديث مع "العربي الجديد"، صالح وبعض الكتل السياسية بأنهم يريدون إعادة المشهد السياسي إلى الصراع والخلاف بشأن الكتلة الأكبر، مضيفاً "لماذا لم يسأل صالح عن ذلك عند استلامه الكتاب من مجلس النواب، لماذا انتظر انتهاء مهلة الـ15 يوماً؟". ورأى أن "رئيس الجمهورية بهذا الكتاب يريد تأجيج الأزمة، خصوصاً أنه يعلم بأنه لا يوجد شيء رسمي حتى الساعة داخل البرلمان من هي الكتلة الأكبر"، محذراً من أن "عودة المشهد إلى الكتلة الأكبر سوف تفتح باب خلافات جديدا وتستلزم وقتاً لتسمية رئيس الوزراء الجديد، وهنا سوف يتم عبور المدد الدستورية، وربما تظهر مشاكل جديدة نحن في غنى عنها". وختم بالقول إن "هذا الأمر مقصود والهدف منه التسويف والمماطلة بقضية اختيار رئيس الوزراء الجديد، وهذا الشيء مشترك فيه رئيس الجمهورية برهم صالح وبعض القوى السياسية".


أما القيادي في جبهة "الإنقاذ العراقية" أثيل النجيفي، فحذر من الدخول في دوامة الكتلة الأكبر مجدداً، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن ذلك "سيعيد صورة المحاصصة السياسية، وسوف نصطدم بغضب شعبي جديد يفاقم الغضب الحالي". ورأى أن "أمام رئيس الجمهورية مسؤولية كبيرة جداً، فعليه اختيار شخصية لرئاسة الوزراء يتقبّلها الشارع العراقي، بالاعتماد على طلبات النواب له، فهؤلاء الأعضاء يستطيعون تمرير أي شخصية يتقبّلها الجمهور من دون السؤال عن الكتلة الأكبر ومن تكون، فعددهم يتزايد"، في إشارة إلى النواب الذين قدّموا تفويضاً للرئيس العراقي لاختيار مرشح مستقل بعيداً عن الكتل والأحزاب، معتبراً أن الفوضى ستأتي إن لم تكن هناك قرارات جريئة.

رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي، قال لـ"العربي الجديد"، إن "رسائل وصلت لرئيس الجمهورية من أربع كتل شيعية مهمة وهي الفتح، دولة القانون، الحكمة، النصر، بالقبول بترشيح السوداني، لكن الجديد في الأمر وصول رسائل من تحالفي الحكمة، والنصر بأنها يسحبان ترشيح السوداني، وهو ما دفع بصالح إلى مخاطبة البرلمان لحل الإشكال".
وكشف الهاشمي أن "اجتماعاً حصل في أربيل، حضره مسعود بارزاني والقيادات الكردية، وتوصل إلى قناعة أن كتلتي الفتح ودولة القانون لم تستطيعا التوصل إلى حسم أكثر من 60 إلى 70 برلمانياً، ولهذا أبلغ الأكراد المعنيين أن خيار تسمية رئيس حكومة، خيار شيعي وتركوا الأمور لهم، لكنهم طالبوا بوزارتي المالية والعدل في الحكومة الجديدة، وهذا الأمر نفسه أبلغته القوى السنّية للكتل الشيعية". وأضاف "الآن سيدخل العراق في مشكلة كبيرة، خصوصاً أن تحالف سائرون قال إنه لن يتنازل عن كونه الكتلة الأكبر في البرلمان، وأكد أنه تنازل عن ترشيح رئيس الوزراء، لكنه متمسك بحقه ككتلة كبرى"، لافتاً إلى أن "هناك تعويلاً على تواقيع النواب لاختيار رئيس وزراء مستقل".

وأعاد خطاب صالح للبرلمان إلى الواجهة خلاف عام 2018 والذي انتهى بمبادرة مدعومة من المرجع علي السيستاني تم على أساسها اختيار عادل عبد المهدي رئيس وزراء توافقيا بين المعسكرين المتصارعين، تحالف "الفتح"، وائتلاف "سائرون"، والأول يمثل الجناح السياسي لمليشيات "الحشد"، والثاني يمثل "التيار الصدري" والحزب الشيوعي العراقي. بعد ذلك تم تشكيل تحالفات اتخذت شكلاً أقرب ما يكون لمعسكرين داخل البرلمان، أولهما تحالف "البناء" الذي يتكوّن من "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، و"الفتح" بزعامة هادي العامري، و"الفضيلة" بزعامة عمار الطعمة، و"عطاء" بزعامة زعيم مليشيات "الحشد" فالح الفياض، و"صادقون" بزعامة زعيم مليشيا "العصائب" قيس الخزعلي إضافة إلى كتل أخرى مقربة من إيران، وقوى عربية سنّية أبرزها "المشروع العربي" بزعامة خميس الخنجر وأعضاء في الحزب الإسلامي العراقي، وهو الجناح السياسي لحركة "الإخوان المسلمين" في العراق، فضلاً عن تحالف "صلاح الدين هويتنا"، بزعامة أحمد الجبوري، و"القوى" بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي. قابل ذلك تحالف ثانٍ هو "الإصلاح"، ويتألف من كتل عدة، أبرزها "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر، و"النصر" بزعامة حيدر العبادي، و"الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، و"جبهة الإنقاذ" بزعامة أسامة النجيفي وشخصيات مدنية ومستقلة. بينما ظلت القوى الكردية وتحديداً ممثلةً بالحزبين الرئيسين، من دون اتحاد مع أي من الطرفين في بغداد، بعد انتهاء المعادلة بتسوية بلا رابح، على الرغم من استمرار إصرار تحالف "الإصلاح" على أنه الكتلة الأكبر، مقابل رفض التحالف المقابل لذلك والتأكيد أنه الأكبر اعتماداً على جلسة البرلمان الأولى.
ويعود السبب الرئيسي للأزمة في مسألة الكتلة الأكبر لوجود أسماء نواب في البرلمان داخل قائمة التحالفين، وآخرين قدّموا استقالاتهم أو أعلنوا تزوير تواقيعهم قبل الدخول إلى الجلسة الأولى للبرلمان التي عقدها في سبتمبر/أيلول من العام الماضي.